تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تطبيع أم اختراق لصحيفة (الأهرام) المصرية!!

عندما أتصفح جريدة (الأهرام) المصرية تعود بي الذاكرة إلى بداية الستينيات من القرن الماضي حين كنا طلاباً في المرحلة الثانوية نجتمع مساء كل يوم جمعة جانب الراديو لنستمع إلى صوت المذيع محمد عروق من خلال إذاعة صوت العرب وهو يقرأ زاوية (بصراحة) التي تنشرها (الأهرام) بنفس اليوم لرئيس تحريرها الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل.. صحيفة (الأهرام) وعلى عقود من الزمن شكلت جزءاً مهماً من اهتماماتنا الصحفية، وكانت تشكل بالنسبة لنا نموذجاً ومقياساً نضرب فيه المثل للصحيفة الناجحة والأكثر انتشاراً ومصداقية في الصحافة المصرية، وكان حلم زيارة مبنى الأهرام يشكل هدفاً لكل صحفي سوري.. تميزت (الأهرام) بخطابها الوطني المعادي بشدة لدولة العدوان الإسرائيلي، وانحيازها الدائم لقضايا الحق العربي في كل الصراعات الإقليمية والدولية عبر عشرات السنين. إلى جانب احتفاظ (الأهرام)، بأبرز كتاب مصر والوطن العربي الذين أسهموا في تشكيل الوعي الوطني الجماعي للمثقفين العرب على امتداد الساحة العربية.
 
من يتابع مسيرة (الأهرام) يكتشف أن هناك ميثاقاً غير مكتوب التزم به رؤساء التحرير الذين تعاقبوا على إدارتها وهو عدم السماح لأي نوع من الاختراق للسياسات الوطنية التي تحكم الخطاب السياسي للصحيفة، ومع ذلك كانت (الأهرام) هدفاً دائماً لسفراء (إسرائيل) في القاهرة لفرض التطبيع بين سفارتهم المحاصرة من الشعب المصري وبين مؤسسة الأهرام وإصداراتها المتعددة، ويبدو أن محاولات السفير الإسرائيلي قد نجحت مؤخراً في اختراق هذه المؤسسة العملاقة منذ تسلم رئاسة مجلس إدارتها الدكتور عبد المنعم سعيد ورئاسة تحرير الأهرام الصحفي أسامة سرايا، وقبل ذلك عندما كان الأول رئيساً لمركز الدراسات بالأهرام، حيث كان يستقبل أكاديميين وباحثين إسرائيليين شاركوا في ندوات ومؤتمرات عقدت في مبنى الأهرام.!
قبل عدة أشهر قامت الصحفية (هالة مصطفى) رئيسة تحرير مجلة (الديمقراطية) التي تصدر عن المؤسسة باستقبال السفير الإسرائيلي (شالوم كوهين) وسط استنكار الجسم الصحفي في الأهرام ونقابة الصحفيين المصريين، أما الأخطر من ذلك فهو قيام الصحفي (أشرف أبو الهول) في الشهر الماضي بنشر مقال يشيد فيه ببطولة وكفاءة (مئير داغان) رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، وتضمن المقال مديحاً ورصداً للإنجازات التي قام بها وتكريسه (بطلاً وسوبرمان) حسب الوصف الذي أطلقته عليه القناة الثانية التجارية في التلفزيون الإسرائيلي، وأنه حسب (أبو الهول) الرجل الذي حقق المعجزات ولولاه لكان البرنامج النووي الإيراني قد خرج إلى النور منذ سنوات، ولأنه أي (داغان) يعمل بصمت وبعيداً عن الجلبة الإعلامية فقد حقق إنجازات فيما يتعلق بالملف الإيراني، وفي (تحجيم القدرات العسكرية لسورية)، ومواجهة حزب الله اللبناني، وحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين ما أهله حسب (أبو الهول) ليكون سوبرمان الدولة العبرية.!
من يقرأ مقال (أشرف أبو الهول) فسينتابه الشك حتماً بأن ما يقرؤه تم نشره في صحيفة الأهرام أم في صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية.
قد تقوم أي صحيفة أو قناة تلفزيونية إسرائيلية بكيل المدائح لأي مجرم أو سفاح إسرائيلي قام بنشاط إرهابي ضد الفلسطينيين، لكن هل من المعقول أن تتم الإشادة برئيس الموساد الإسرائيلي على صفحات صحيفة عربية كالأهرام.
القناة الثانية التجارية في التلفزيون الإسرائيلي اختارت (مئير داغان) رئيس الموساد الإسرائيلي رجل عام 2009 وقدمه كبير المذيعين في القناة (عمونائيل) بأنه الرجل الذي لم يفعل سوى (الأمورالطيبة)، ووصفه بأنه قاطع رؤوس الفلسطينيين وفصلها عن أجسامهم باستخدام سكين ياباني حاد، وأنه أي (داغان) الشخص الذي ولد وسكين بين أسنانه، وبدا الأمر طبيعياً عندما أعلن المذيع اسمه وسط حماس وتصفيق حاد من جمهور الاستديو الذي استضافته القناة الإسرائيلية، ما يدل على الطبيعة العدوانية للمجتمع الإسرائيلي الذي لا يقل إجراماً عن داغان نفسه.
القناة الإسرائيلية عرضت شريطاً وثائقياً عن إنجازات (داغان) خلال خدمته العسكرية كضابط ورئيس لجهاز الموساد مع شهادات لزملائه الذين أثنوا على (براعة وابداع) داغان في قتل الفلسطينيين والعرب.
إحدى هذه الشهادات للجنرال (يسي بن حنان) الذي كان شاهد عيان على إصرار داغان على قتل الفلسطينيين بنفسه بعد استسلامهم، كما قام الصحفي الإسرائيلي (ألون بن) بنشر تحقيق في صحيفة (هآرتس) حول شخصية (داغان) أشار فيه إلى أن شارون حين كان رئيساً للوزراء أصر على تعيينه رئيساً للموساد بفضل (خبرته الفائقة وهوايته المتمثلة في فصل رأس العربي عن جسده).
داغان أصبح قدوة ومثلاً لجنود الاحتلال يقلدونه في ارتكاب الجرائم بحق الفلسطينيين، وقد نشرت كثير من الصحف ومواقع الإنترنت شهادات لفلسطينيين شاهدوا فظائع جنود وحدة (ريمونيم) العسكرية وهم يقومون بربط شابين فلسطينيين إلى إحدى أشجار الكينا، ثم يقوم (داغان) بغرس سكينه في عنق أحد الشباب وهو يصرخ ثم يقوم بتحريك السكين في كل الاتجاهات وبكل قوة حتى يفصل رأس الشاب عن جسده، ثم يكرر نفس الأمر مع زميله، ما أهله لنيل وسام الجسارة من الجيش الإسرائيلي.
المدهش في كل ما يجري هو ما تنشره تقارير إسرائيلية من أن رئيس الموساد (مئير داغان) كان يفتخر أمام الأجانب الذين يزورونه بالهدايا التي تلقاها من (مسؤولين عرب) وهي عبارة عن سيوف مرصعة بالذهب والأحجار الكريمة، وهذا دليل على الكرم العربي الذي يغدقه بعض العرب ممن تحالفوا مع العدو الإسرائيلي وأقاموا معه علاقات في السر والعلن دون خجل أو حياء.!
ليس من المستغرب هذا المستوى الوحشي في الإجرام الذي يمارسه قادة الموساد ضد الفلسطينيين، فالكيان الإسرائيلي بكامله قائم على العدوان، ومن المفيد هنا التذكير بالفتوى التي أعلنها (الحاخام إسحاق شابيرا) مدير مدرسة (يوسف حي) الدينية بضرورة قتل الأطفال الفلسطينيين الرضع بسبب خطرهم المستقبلي، حيث إن هؤلاء سيتحولون إلى أشرار مثل آبائهم في حال كبروا على حد تعبيره.!
المقال الذي كتبه (أشرف أبو الهول) في صحيفة الأهرام أثار ردود فعل منددة بالمقال والكاتب لدى الصحفيين المصريين الذين قامت نقابتهم في بداية هذا الشهر بمعاقبة (هالة مصطفى) رئيسة تحرير مجلة (الديمقراطية) بسبب استقبالها للسفير الإسرائيلي ومعاقبة صحفي آخر (حسين سراج) نائب رئيس تحرير مجلة (أكتوبر) الأسبوعية، لمخالفتهما قرار الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين المصريين بمنع التطبيع مع إسرائيل أو السفر اليها، ونحن ننتظر من النقابة الوطنية قراراً آخر بحق الصحفي (أشرف أبو الهول).
لابد في النهاية من الاعتراف بشجاعة ومواقف الشعب المصري الذي عارض التطبيع مع العدو الإسرائيلي الذي اعترف سفيره (شالوم كوهين) الذي انتهت مهمته في القاهرة مؤخراً بأنه أخفق في اختراق الجدار الثقافي للشعب المصري، وخلق الحد الأدنى من التطبيع الثقافي معه رغم مرور سنوات طويلة على توقيع معاهدة (كامب ديفيد) التي لم تنزع العداء لإسرائيل من عقل وضمير المصريين
  

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.