تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أوباما طائر بلا أجنحة ورئيس بلا إرادة

عندما جاء الرئيس أوباما إلى البيت البيض كطير مغرّد، وبأجنحة صقر، ووداعة حمامة، وعقل شاب حقوقي ذاق الأمرّين من العنصرية وحقد الرجل الأبيض، استبشر كل مضطهد ومظلوم في العالم بأن سفينة العدالة سوف تخترق البحار المكتظة بأسماك القرش والحيتان والطحالب، وستعيد إلى البحر زرقته الصافية بعيداً عن الحروب واحتلال مياهه بالغواصات والجيوش و(طوربيدات) الموت المنتشرة كالذباب فوق المياه الساكنة قبل أن يغزوها القتلة وتجار الحروب.

لقد وعدنا الرئيس أوباما عند ترشحه للرئاسة بأنه سيغلق المعتقلات، وسيجد حلاً للقضية الفلسطينية، وسيغيّر مسار البيت الأبيض بإقامة الحوار مع الآخر بدل شن الحروب، وسيحدث ثورة في السياسة الخارجية تعتمد على المحبة والتسامح بين الشعوب.
يومها فرحنا وصدقناه وقلنا إن التغيير قادم وسيكون مختلفاً عن الماضي الأسود لإدارة الرئيس بوش اليهودي المتطرف الذي سمّم الأجواء في العالم من خلال حروبه المجنونة في أفغانستان والعراق ودعمه الأعمى للكيان الإرهابي الإسرائيلي العنصري في فلسطين المحتلة ضارباً بالقرارات والشرعية الدولية عُرض الحائط، لكن الرئيس أوقعنا في الحيرة والإحباط عندما لم يحقق شيئاً مما وعد به الناخب الأميركي والعالم، فلا هو أغلق سجن (غوانتانامو) ولا أوجد حلاً لقضية الشعب الفلسطيني، ولا أوقف الحرب في العراق وأفغانستان، بل ترك عصابات المحافظين الجدد واللوبي الصهيوني يتحكمان في قراراته، بل فوق كل هذا وذاك وقع في «فخ» الإرهابي النتن – ياهو واستسلم لمطالبه الداعمة للاحتلال والاستيطان، ما زاد في خيبة الأمل لدى العرب الذين ابتهجوا يوم فاز بالرئاسة.
مسكين هذا الرئيس الذي جاء إلى الحكم دون أجنحة يطير بها إن حوصر من الصيّاد القاتل، لقد ألقوه في المحرقة قبل أن يشتد عوده وقالوا له لا تتخيل أنك قادر على التغيير وصنع المعجزات، عليك أن تبقى تحت أيدينا، ولا تنتظر منا أن نفكّ عن يديك الحبال إن خالفت مشروعنا، وقلت بأنك صاحب القرار.
لقد انقضوا عليه من خلال الإعلام المضاد له.. ومعروف أن الإعلام في الولايات المتحدة يتحكم فيه اللوبي الصهيوني الذي هاله صعود رجل أسود من أرض إفريقية وأب مسلم، أن يكون رئيساً لأميركا، لذلك جاءت الحرب الشرسة عليه من الحزب الجمهوري، واليمين المسيحي المتطرف، والصهاينة وأصحاب رأس المال اليهودي، وكان لقناة (فوكس نيوز) السبق في معاداة الرئيس والتشهير به حيث أعلنت بكل صفاقة أنها العدو اللدود لأوباما وشككت في شرعيته لحظة تنصيبه بعدما أخطأ المحلف بعبارة من القسم، وهي التي «امتعضت من أصوله الإفريقية المسلمة وحذرت من الاجتياح المسلم الأسود للسياسة الأميركية». وهناك أيضاً من اتهم الرئيس بأنه ماركسي و«شيوعي» و«مسلم» معاد للأبيض وغير ذلك من الأقوال و«التحرشات» لإظهار الرئيس بأنه غير جدير برئاسة الولايات المتحدة الأميركية وعليه أن يرحل.
قلت بعض العرب الذين تعبوا من سياسة بوش استبشروا خيراً بالرئيس الذي حمل للعالم في خطبه وتصريحاته «المنَّ والسلوى» وحماية حقوق الإنسان وصانع العدل والسلام إلا أنه لم يكن أكثر من خطيب بارع استطاع أن يُقرّب الناس إليه دون أن (يحلّ عثراتهم) ودون أن يُحقق الأمن والسلام للشعوب المقهورة التي مازالت تحمل «المخاطر والآلام» بعد كل ما سببه لها بوش من حماقة أضرّت بها وأدّت إلى إضعافها وإفلاسها.
السؤال المطروح الآن هو: هل بإمكان الرئيس أوباما السيطرة على القرار وحده في البيت الأبيض؟ وما دور اللوبي الإسرائيلي في منعه من أن يكون حراً وقادراً على اتخاذ القرارات دون الرجوع إليه أو الاستئناس به؟
لاشك في أن الإدارة الأميركية يسيطر عليها اللوبي الصهيوني – الإسرائيلي منذ زمن بعيد ولا يمكن أن يسمح للرئيس أوباما بأن يكون خارج منطقه وخارج سياسته، لذلك سوف نشهد المزيد من الضغوط وإنهاء صورة البطل الذي سقط من فوق الحصان لأنه لم يكن بارعاً في الفروسية، ولا قادراً على فك الحصار عنه والخروج إلى الهواء الطلق وممارسة لعبة السياسة بعيداً عن عيون وآذان الصهاينة الذين يتابعون كل ما يجري في الملعب الدولي بيقظة وحذر.
لذلك لاحظنا كيف أن الرئيس انقلب على نفسه مرات عديدة، وغيّر من أقواله ما أدى إلى فقدان (الثقة) به واحتراق أوراقه ووقوعه في أحضان المجرمين والقتلة، واختيار لغة الهروب من قول الحقيقة والدفاع عن الحقوق وحرية الإنسان في فلسطين وغيرها من دول العالم.
غاب عام وجاء عام آخر دون أن نسمع من الرئيس الحالم بالشهرة والأضواء كلمة حق في جرائم إسرائيل واحتلالها، بل ما زالت الرعاية الأميركية للعدوان قائمة على جميع المستويات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، حتى وصلت الوقاحة بالعدو الإسرائيلي إلى ارتكاب المجازر وإبادة الشعب الفلسطيني في غزة دون أن يتحرك ضمير أحد في الولايات المتحدة ضد الهمجية الإسرائيلية ودون أن نسمع قرار الإدانة من مجلس الأمن، لأن أميركا بالمرصاد لكل قرار يُدين الإرهاب الإسرائيلي باستعمال (الفيتو)، هل أصبحت الإدارة الأميركية لعبة في يد النتن – ياهو – واللوبي الصهيوني وأسكتوها عن الكلام.. وإلا!!
إن عدم التخلي عن السيادة وحق اتخاذ القرار من الركائز المهمة لكل حاكم أو مسؤول في بلاده وكل إسقاط لهذا الحق إهانة لصاحب القرار والدولة والشرعية ولعلنا نتصور حال (رب أسرة) يتخلى عن حماية أسرته كيف تكون نهايتهما معاً، وهذا حال الرئيس أوباما الذي على ما يبدو وصل به الحال إلى الوقوع في أحضان اللوبي الصهيوني والهيمنة على قراراته ما يوحي بوجود نيّة ساخرة للقضاء عليه في حال محاولته الإمساك وحده بالقرار.
مغزى هذا الكلام واضح من خلال القراءة اليومية للعلاقات الأميركية – الإسرائيلية والرضوخ والإذعان و(المسايرة) وعدم رفض طلبات إسرائيل من قبل الرئيس وإدارته حتى ولو كانت مجحفة بحقه وحق بلاده.
إن مسألة السيطرة على القرار الأميركي من قبل الصهاينة زادت من عداوة العالم للإدارة الأميركية لأنها انتهكت حقوق الإنسان المتأفف والرافض سوء المعاملة وسوء السياسة الأميركية ذات العداوة الفائقة للشعوب التي تحترم نفسها وترفض أن تكون سلعة رخيصة للاستثمار السياسي الأميركي في كل زمان ومكان.
غاب عام والرئيس الأميركي القادم على حصان من خشب ما زال كما كان أموره معقدة، ومشكلاته كبيرة الحجم في العراق وفي أفغانستان وفلسطين ومع إيران، وبوارجه ومدمراته وغواصاته في الخليج تنتظر لعبة الشيطان. والنتن – ياهو يراقب من بعيد منتظراً الفرصة السانحة للحرب والعدوان.
إن الذين يتوهمون ويزعمون أن الحل بيد الرئيس الأميركي هم أغبياء في السياسة ولا يعرفون من هو صاحب القرار في الولايات المتحدة الأميركية.
أميركا مُحتلة من قبل اللوبي الصهيوني واليمين اليهودي المسيحي المتطرف وهم وحدهم أصحاب القوة والقرار على الرغم من وجود الرئيس على رأس السلطة.
إذاً الصورة واضحة أمامنا وعلينا فهم ما يجري من حولنا من دسائس ومؤامرات وعدم الاعتماد على (ميتشيل) وأوراق الحل 99% بيد أميركا كما قال ذات يوم السادات إن الحل بأيدينا والحل بتضامننا والعودة إلى عروبتنا، وكل من يُسقط من حسابه (فعل) وقوة المقاومة يكون في الطريق الشائكة، وخارج إطار الطموح والوطنية ويشكل عبئاً على أمنه وقضيته.
بقي أن أقول لمن قبل أن يضع (الحبل) في عنقه، والسّم في فمه والتخاذل في عمله من الحكام والرؤساء والشعوب والأفراد إن من ينتظر الصدقة من عدوه لا يعرف معنى الكرامة والشموخ والإباء، لأن العدو لا يعنيه أن تكون حراً، بل العكس هو الصحيح، لذلك علينا أن نبدأ رحلة العطاء الوطني رحلة المقاومة بدل الحديث عن حلول أميركية انتظرناها منذ 60 عاماً، دعوا الطائر الذي أصبح بلا أجنحة محبوساً في قفص اللوبي الصهيوني، وفتشوا عن استراتيجية عربية قادرة على خوض الصراع في جميع الساحات ولنترك الكلام لأصحاب الكلام، ولنقرأ الأحداث بشكل دقيق وواضح نعم أوباما طائر بلا جناح ولا ريش، سجنوه في البيت الأسود وأغلقوا عليه (القفص) لكيلا يمثل دور البطل في مسرحية السلام العربي الإسرائيلي بل سيقوم بدور (الكومبارس) إن سمحوا له بذلك أيضاً.
 
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.