تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أميركا .. والبوابات المفتوحة

تضع الإدارة الأمريكية أياً كان لونها الحزبي في الحسبان عند وضع الخطوط الاستراتيجية لسياستها الخارجية اتجاهات الرأي العام، وهذا ينطبق على السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة العربية وبالتحديد الصراع العربي الصهيوني.

 وبالعودة إلى تاريخ الصراع عبر مقطع تاريخي امتد لأكثر من ستة عقود ونيف نجد ثباتاً في السياسة الأمريكية تجاه قضية الصراع، ودائماً لمصلحة إسرائيل. ويأتي ذلك الموقف منسجماً مع اتجاهات الرأي العام الأمريكي الذي استطاع الإعلام الصهيوني والأمريكي المتصهين ترسيخ صورة انطباعية مزيفة في وعيه الجمعي عن حقيقة الصراع في المنطقة بسبب غياب وجهة النظر العربية في الساحة الثقافية والسياسية والإعلامية الأمريكية لأسباب باتت معروفة للجميع ولا حاجة لذكرها .‏‏
 
وما يهمّ في الوقت الحاضر وضمن معطيات جديدة عربية وعالمية ومؤشرات من الداخل الأمريكي، وخاصة بعد وصول إدارة أمريكية قدمت مفاتحات جديدة في التعاطي الأمريكي مع دول العالم، وهذا ما جاء على لسان رئيسها تختلف في شكلها ولهجتها عن الإدارة السابقة، وبدأت تجد صدى لها في بعض مفاصل الحياة الأمريكية، سواء على الصعيد الإعلامي أم الأكاديمي، وكذلك على صعيد الرأي العام الأمريكي، وإن كان ذلك الصدى في حالة جنينية تحتاج الى احتضان ومتابعة منهجية ومدروسة. ويستدل على ذلك الصدى الإيجابي من خلال حوار أجرته مؤسسة «انتلجينس سكويرد» في جامعة نيويورك تركز حول عنوان محدد طرح على المتحاورين وهم روجر كوهين محرر الشؤون الخارجية بصحيفة نيويورك تايمز، ورشيد الخالدي أستاذ الدراسات العربية بجامعة كولومبيا، وستيوارت ايزنستات السفير الأمريكي السابق في الاتحاد الأوروبي ووكيل وزارة الخارجية الأمريكية السابق، وايتيمار رابينوفيتش سفير الكيان الصهيوني السابق في واشنطن. وكان موضوع الحوار هو :هل السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية مازالت تخدم المصالح القومية الأمريكية! أم إن على أمريكا اتخاذ خطوة إلى الوراء في علاقتها الخاصة مع (إسرائيل)؟وقد كانت وجهة نظر المتحاورين مختلفة في هذا السياق، حيث دعا كل من روجر كوهين والخالدي إلى ضرورة إعادة النظر بالسياسة الأمريكية تجاه المنطقة لأنها فشلت حتى الآن في تحقيق عملية السلام بين العرب (وإسرائيل)وهذا برأيهم يضر بالمصالح الاستراتيجية الأمريكية والأمن القومي الأمريكي. ويرى الكاتبان أن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه قضية الصراع العربي الإسرائيلي لاتخضع للتحليل الناقد، حيث بلغ حجم السخاء الأمريكي( لإسرائيل) في العقد الماضي فقط حوالي 60 مليار دولار، إضافة إلى تواطؤ أمريكا مع العنف الصهيوني اللذين يريان فيه السبب في تنامي ما سمياه الإرهاب العالمي ويعطي المبرر لتجنيد ما سمياه آلاف الإرهابيين.‏‏
 
وعلى النقيض من وجهة النظر تلك يرى «ايزنستات ورابينوفيتش» أن تراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن علاقتها الخاصة(بإسرائيل) سيمثل خذلاناً للمبادئ الأخلاقية-على حد زعمهم – ما يؤدي إلى التخلي عن الحليف الديمقراطي الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في المنطقة، وأن ذلك سيشكل رسالة غير جيدة لحلفاء أمريكا في العالم .‏‏
 
ولكي نصل إلى مؤشرات حول إمكانية التأثير في الرأي العام الأمريكي، يمكننا قراءة نتائج استطلاع رأي الجمهور الذي قامت به مؤسسة انتلجينس سكويرد قبل وبعد الحوار لتقف على حقيقة من تمكن أكثر من غيره في استمالة عدد اكبر من الجمهور تجاه وجهة نظره. ففي الاستطلاع الأول فضلت نسبة 33بالمئة التراجع في العلاقة مع الكيان الصهيوني، بينما عارض ذلك 42 بالمئة من المستطلعة آراؤهم وكان 25 بالمئة غير محددي المواقف. وبعد الحوار أعربت نسبة 49بالمئة عن تأييدها لحدوث تراجع في العلاقة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وعارضته 47بالمئة وكانت نسبة 4 بالمئة غير محددة المواقف، وهذا يعني الذي فاز في الحوار ودعا إلى إعادة النظر بالعلاقة هم النسبة الأكبر.‏‏
 
إن تحليل نتائج الاستطلاع على الرغم من محدودية مساحته وطبيعة الجمهور المستطلعة آراؤه، تعطي مؤشرات ودلالات يمكن الركون إليها، تؤكد إمكانية إحداث تأثير في الرأي العام الأمريكي تجاه قضية الصراع العربي الصهيوني، وأنه-أي الجمهور الأمريكي –ليس كتلة صماء أو قطيعاً يقاد حيث يشاء الإعلام الصهيوني والمتصهين، فالساحة الأمريكية الإعلامية والاجتماعية والأكاديمية مفتوحة، ولعل ما جرى للسفير الإسرائيلي وهو يلقي محاضرته أمام طلاب جامعة كاليفورنيا، وما واجهه منهم من احتجاجات وقولهم له كم فلسطينياً قتلتم، والترويج للقتل ليس حرية تعبير وكذلك ما لقيه مستشار وزارة الخارجية في حكومة العدو دانيال توب في جامعة كاليفورنيا من صرخات احتجاج من الطلبة، كل ذلك يشير إلى أن الرأي العام الأمريكي قابل للتغيير، وخاصة على مستوى الأجيال الشابة، وتحديداً طلبة الجامعات والمستويات الأكاديمية، إذا ما أحسن العمل في هذا الحقل المهم عبر التنظيم والتنسيق والدعم المادي والتأطير المؤسساتي للناشطين، واستقطاب النخب الأكاديمية والإعلامية والفنية ورجال الأعمال، والانفتاح الكامل على المجتمع الأمريكي، ومد جسور حوار حقيقي معه، واستثمار المال العربي في المؤسسات الإعلامية ومراكز الأبحاث التي تعتبر الرحم والمنبع الذي يغذي المطبخ السياسي الأمريكي بخططه واستراتيجياته .‏‏
 
إن فتح النوافذ والبوابات الثقافية والإعلامية والشعبية بين العرب والشعب الأمريكي وعدم الاقتصار على البوابات السياسية التي غالباً ما تتحكم بها قوى ولوبيات لا يسرها علاقة طيبة بينهما، هو أمرٌ في غاية الأهمية ويخدم المصالح المشتركة لكلا الشعبين وشعوب العالم قاطبة، وهذا لا يقلل بالتأكيد من أهمية الحوار السياسي أو يشكل بديلاً عنه، ولكنه يوفر أرضية صالحة لعلاقات سياسية أكثر قوة ورسوخاً.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.