في الطائرة التي أقلتنا من باريس إلى دمشق، كوفد إعلامي مرافق لرئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون قدمت لنا المضيفة "وجبة ساخنة"، كما يسمونها على متن الطائرة. طبق عليه صحن مقبلات يحتوي على نوع من اللحوم الباردة المشهورة في وسط فرنسا، لكن لا أعرف أسمها! وبجانبها تشكيلة من أنواع الجبنة الفرنسية ونبيد فرنسي وخبز فرنسي وقطعة حلوى فرنسية الصنع. والصحن الرئيسي عبارة عن لحم دجاج مطبوخ بطريقة فرنسية مع نوع من الخضار يشبه البازلاء الخضراء لكنها أصغر حجما وتؤكل بقشرها. أما في طريق العودة إلى باريس على متن الطائرة نفسها جاء طبق الطعام بألوان مختلفة، إذ أضيفت إلى صحن المقبلات الفرنسي قطع من البسطرمة الرائجة في بلادنا، والوجبة الساخنة كانت دجاجاً مشوياً، كالذي يشوى على الفحم عندنا وبجانبه ثوم مطحون تفوح رائحته. وبجانب قطعة الحلوى الفرنسية، أو الـ"كاتو"، قطع بقلاوة شامية الصنع، والجبنة الفرنسية رافقتها حبة مشمش مجففة وحبة تمر. سألني جاري في المقعد مطولاً عن مكونات البقلاوة وكيفية صنعها وعن البسطرمة وأنواع البهارات التي تضاف إليها، وطبعا، كما كنا نفعل في امتحانات المدرسة، أجبته بما أعرفه، ولست متأكدا إن كانت إجاباتي صحيحة أو مغلوطة، لكن بكل الأحوال لم يكن هناك من يكذبني أو يصحح إجاباتي. وأخبرني جاري، الذي يرافق عادة الرئيس ورئيس الوزراء الفرنسيين في الرحلات الخارجية، أنه لاحظ هذا التداخل في الأطباق في طريق العودة من رحلة قام بها مع وفد رسمي فرنسي إلى اليابان، إذ قدمت لهم مأكولات يابانية بجانب الفرنسية. واسترسلت أحدثه عن المأكولات السورية وتنوع أصنافها من مدينة سورية إلى أخرى ومن بلدة إلى جارتها، وافتح قوساً هنا لأقول إن المطبخ السوري بحاجة لتسويق أفضل في الخارج. أغلق القوس، وأعود إلى طبق الطعام الذي قُدم لنا على متن الطائرة في طريق العودة، فبعد أن كان الطبق فرنسيا بحتاً في طريق الذهاب إلى دمشق، ازدان بنكهات سورية ومشرقية في طريق العودة من دمشق وعمان. ولعل الحوار السوري ـ الفرنسي، وربما أي حوار، هو مثل هذا الطبق، إذ ينبغي أن يقتنع كل طرف أنه إذا أراد الاقتراب من طرف آخر وإقامة شراكة معه عليه أن يأخذ شيئاً من عند هذا الآخر، مع الحفاظ على ما لديه طبعاً. لا يذوب أحد في الآخر بل يحافظ على شخصيته ويحاور من خلالها. هكذا تكون البقلاوة الشامية بجانب الكاتو الفرنسي، وتجاور حبة الفاكهة المجففة الجبنة في الصحن نفسه دون أن تحل مكانها.
