تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

ترسيخ ثقافة القراءة

 

تعتبر القراءة عادة سلوكية أساسية عند الإنسان، يمكن مشاهدتها بأبسط اشكالها عند الأطفال في سنوات الدراسة الأولى، حين يقوم الطفل بمحاولة التعرف على الأحرف والكلمات التي تعلمها وقراءتها في المحيط من حولها، سواء في الإعلانات التجارية.. أسماء المحال والمخازن.. الإشارات الطرقية.. وغيرها، فالكلمات المطبوعة منتشرة حولنا في كل مكان.
كما أن القراءة عادة معدية، فما أن يجلس بجانبك أحد في أي من وسائل النقل العامة، أو المطاعم والمقاهي والمتنزهات ويراك تتصفح جريدة أو مجلة أو كتاب ما حتى يبدأ بمحاولة قراءة ما بيدك.
والقراءة فضيلة أخلاقية وروحية، فقد كانت الدعوة إلى القراءة فاتحة الكتب السماوية، ففي الإنجيل المقدس بحسب إنجيل يوحنا «في البدء كانت الكلمة»، وكانت أول آية نزلت في القرآن الكريم «اقرأ باسم ربك الذي خلق».
لكن رغم ذلك فإن حال القراءة في البلاد العربية لا يبعث على السرور أو الرضا، فالشعوب العربية هي من أقل الشعوب قراءة، حيث يبلغ معدل قراءة المواطن العربي سنوياً ستة دقائق فقط!!، مقابل أكثر من اثنتي عشرة ساعة لنظيره الأوروبي، أي أن المواطن الأوروبي يقرأ 120 ضعفاً مما يقرأ المواطن العربي.
وإذا كانت الدراسات التي بحثت في سبب عزوف الموطن العربي عن القراءة إلى عدة أسباب أهمها: (الأمية): حيث تبلغ نسبة المواطنين العرب الذين لا يعرفون القراءة والكتابة إلى أكثر من ثلاثين بالمائة في الوطن العربي، أي أن هناك 100 مليون مواطن عربي لا يقرأ كونه عاجز عنها، و(ضعف وسائل المعيشة): حيث أن هناك نسبة كبيرة من سكان العالم العربي تعيش تحت خط الفقر أو على حدوده، مما يجعل الكتاب نوعاً من الكماليات التي يعجز الفرد عن اقتنائها، مما يعني محدودية الوسائل المتاحة لعدد كبير من السكان للوصول إلى الكلمة المطبوعة لقراءتها.
لكن هناك أسباب أخرى تجعل من الفرد المتعلم والذي يمتلك الوسائل المادية يعزف عن القراءة أيضاً، ومنها:
1- ربط القراءة بالتحصيل العلمي والعملي فقط: فالكثير من المتعلمين لا يقرأون سوى ما يتعلق بتحصيلهم العلمي فقط وبمجرد حصولهم على الشهادة الأكاديمية يتوقف معظمهم عن القراءة تماماً، فيما تبقى قلة متابعة لتحديث معلوماتها العلمية في مجال اختصاصها، أو لتبقى مطلعة على التطورات التي تحدث في المجال المهني الذي اختارته بعد الدراسة، دون أن يحاول توسيع دائرة اهتماماته بمواضيع غير متصلة بهذين المجالين.
2- الاعتماد على مصادر أخرى غير القراءة للحصول على المعلومات والحفاظ على الاتصال بالعالم اليوم، وأهمها المتابعة البصرية والسمعية لما تقدمه وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، حيث يعتبرها أسهل وصولاً وأحدث من ناحية المعلومة من الكلمة المكتوبة، وتستهلك وقتاً أقل.
إن تعزيز ثقافة القراءة والمساهمة في انتشار عادة القراءة بين أفراد المجتمع تعد من أهم أهداف اتحاد الناشرين السوريين، وبعد مبادرة (خذ الكتاب بقوة) التي أطلقها الاتحاد سابقاً يسعى الاتحاد اليوم لإقامة مؤتمر لتعزيز عادة القراءة تحت عنوان (دعوة للدخول إلى عصر المعرفة من بوابة القراءة)، وسأطرح هنا بعض الأفكار علها تكون صالحة كنقطة بداية لحوار ومشروع يساهم في تطوير عادة القراءة، والتي تعالج النقاط التي سبق وأن أشرت إليها والتي تعتبر من معوقات انتشار ثقافة القراءة، وكيما نشجع المتعلمين على تبني ثقافة القراءة واقتناء الكتاب لقراءته وإهدائه.
1- في الأمية: إن الجهات المعنية بالطباعة والنشر هي المستفيد الثاني من محو الأمية بعد الأميين أنفسهم، فنجاح عملية محو الأمية تعني بالضرورة زيادة عدد أفراد الشريحة المستهدفة بعملية الطباعة والنشر، وبالتالي زيادة توزيع ومبيعات الكتب المطبوعة من قبلها، إذاً بالإضافة إلى الواجب الوطني والأخلاقي والإنساني ومن وجهة نظر اقتصادية بحتة، فإن على هذه الجهات واجب ومصلحة في دعم جهود الدولة في عملية محو الأمية، سواء بتقديم الدعم المادي والتقني للجهود الحكومية، أو بإطلاق مبادرات أهلية مساندة لمحو الأمية بدعم من هذه الجهات.
2- ضعف وسائل المعيشة: يجب عدم الاكتفاء بمبادرات توزيع الكتب المجانية ودعم المكتبات العامة وزيادة انتشارها وطباعة نسخ بأسعار متهاودة دعماً للقراء ذوي الدخل المحدود، بل يجب أيضاً نشر فكرة أن القراءة ليست عادة كمالية، بل هي وسيلة أساسية لزيادة المعارف والمهارات والتي ترفع من انتاجية الشخص القارئ، وبالتالي إلى زيادة في دخله ورفع مستوى معيشته.
3- ربط القراءة بالتحصيل العلمي والعملي: رغم أن القراءة هي الوسيلة الأساسية للتحصيل العلمي والعملي، لكن القراءة تحمل في طياتها معانٍ أكبر من ذلك، فالقراءة تزيد من غنى الروح وتعزز القيم الأخلاقية لدى الفرد، وتدعم قيم الحوار وتقبل الآخر، ومن الإجحاف في حقها ربطها بالمنفعة فقط وإهمال هذه الجوانب غير المادية فيها.
4- أما ما يخص الاعتماد على المصادر المرئية والمسموعة للبقاء على اطلاع بما يحدث في العالم، فإن المعلومات التي تقدمها هذه المصادر تبقى أقل غنى وعمقاً من المعلومات التي تقدمها الكتب بحكم كونها مرتبطة بشروط انتاجية معينة تجعل من الصعب إعطاء مثل هذا العمق، فلا بد من مزج بينهما لتصبح الصورة متكاملة عند المتلقي، ومن ناحية حداثة المعلومة فإن الشكل الرقمي الجديد للكتب والمنشورات أصبح في بعض الأحيان وبخاصة في حالة الصحافة الرقمية أكثر حداثة من نشرات الأخبار مثلاً، وفيما يخص عامل الوقت فإن الأساليب الجديدة للقراءة السريعة تتيح للمهتم أن يقرأ كتاباً كاملاً في نفس الزمن اللازم لمتابعة فيلم وثائقي عن نفس الموضوع، وإن التعريف بهذه الأساليب وتعليمها للمهتمين يجب أن يدخل في صلب اهتمامنا كجهات مهتمة بعادة القراءة وثقافتها.
ورغبة منا في اتحاد الناشرين السوريين في أن يكون هذا المؤتمر مشروعاً يسهم الجميع في الإعداد له حكومات ومؤسسات وأفراد، وإيماناً منا بأنه لا نهضة من دون معرفة، ولا معرفة من دون قراءة، ولا قراء من دون تغيير، ولا تغيير من دون إرادة، ولا جدوة من إرادة من دون فعل، ولا من فعل من دون تخطيط.
فإننا نرى أن القراءة جدية بأن ينعقد لها مؤتمر يلم شتات الجهود الفردية التناثرة، ليرسم للمجتمع العربي خطة استراتيجية شاملة، تعيده إلى عالم القراءة التي طال هجره لها وهي أمتها، ولنمضي قدماً في بناء مجتمع قارئ، جدير بالمشاركة الفاعلة والفعالة في عصر المعرفة، ولنعمل جميعاً لترسيخ قيم وعادات القراءة.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.