تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

لماذا يجتهد الوزراء العرب لإجهاض القمة؟

جرت العادة أو هكذا يفترض أن تجري، أن يحسب وزراءالخارجية في دول أي منظمة الحساب لكل كلمة أو حرف في مواقفهم وبياناتهم وخصوصاً في اجتماعاتهم، لانعكاسها على لقاء القمة الذي يجمع رؤساءهم، وخصوصاً عندما تكونالمسافة الفاصلة عن انعقاد القمة قد أخذت تضيق.

القرار الذي اتخذه وزراءالخارجية العرب بالدعوة إلى مفاوضات فلسطينية ـ إسرائيلية غير مباشرة يفترض أنيندرج في هذا الإطار، فضمان انعقاد القمة بصورة دورية كل سنة جرى تقديمه كإنجاز سوفيتسنى من خلاله الارتقاء بالعمل العربي المشترك، وخصوصاً في القضية المركزية التيشكلت محور ضعف العرب وقوتهم ومحور خلافاتهم واتفاقاتهم وهي قضية الصراع مع إسرائيل.
نادراً ما كان العرب أقوياءفي صراعهم مع إسرائيل وبانوا ضعافاً في ميادين أخرى، ونادراً ما كان العرب ضعافاًفي صراعهم مع إسرائيل وبانوا أقوياء في ميادين أخرى، وكما هو الحال أيضاً، نادراًما كان العرب على اتفاق بشأن صراعهم مع إسرائيل وقسمتهم محاور خلافاتهم على مسائلأخرى، ونادراً ما انقسم العرب على صراعهم مع إسرائيل ووحدتهم تفاهماتهم على مسائلأخرى. ‏
ليس الوزراء من السذاجةبمكان بحيث يخفى عليهم أن القرار الذي اتخذوه تنطبق عليه المعايير المذكورة، بحيثيستحق أن يكون البند الأول لأعمال القمة التي يفصل بين اجتماعهم وانعقادها أقل منشهر. ‏
قرار التفاوض الفلسطيني ـالإسرائيلي يستحق أن يكون بنداً أوّل للقمة العربية لأنه سيقرر الصورة التي يريدالعرب تظهير قضيتهم عليها، صورة إسرائيل الرافضة للسلام كما يرددون منذ الحرب علىقطاع غزة، ومن خلالها صورة الحصار اللاإنساني لأكثر من مليون رجل وإمرأة وطفل،وبالتالي صورة إسرائيل المطاردة بجرائم حرب والمطارد قادتها السياسيون والعسكريونبمذكرات التوقيف، وآخرها ما يتصل باغتيال القيادي الفلسطيني المقاوم محمود المبحوحعلى أرض عربية؟ أم صورة إسرائيل القادرة والمؤهلة للذهاب إلى السلام؟ ‏
قرار التفاوض الفلسطيني ـالإسرائيلي يستحق أن يكون بنداً أول للقمة العربية لأنه سيقرر ما إذا كان العربيريدون تسريع مسارات الوحدة الوطنية الفلسطينية والمصالحات التي يعترض سبيلهاالموقف من التفاوض مع إسرائيل وعقم مساراته؟ أم يريدون إخضاع المعادلة الفلسطينيةالانقسامية لضغوط تؤجج الخلاف وتصعد الانقسام بتقديم الغطاء العربي لملف خلافي منالعيار الثقيل؟ ‏
قرار التفاوض نفسه يستحق أنيكون بنداً أوّل للقمة العربية، لأنه سيقرر جواب العرب الجامع على قرع طبول الحربالإسرائيلية في المنطقة وقد طالت على الأقل ثلاث جبهات عربية هي سورية ولبنانوفلسطين وعلى ألسنة أعلى مستويات القرار السياسي والعسكري الإسرائيليين، وخصوصاًأنها المرة الأولى التي يكون جواب الجهات العربية المعنية عالياً وقوياً وحاسماً،من جواب وزير الخارجية السوري إلى مواقف حركتي حماس والجهاد وفصائل المقاومةالفلسطينية، والمعادلة الردعية الجديدة التي كرسها كلام قائد المقاومة اللبنانية،وتتويجاً لكل ذلك بالصورة الرادعة التي خرجت من دمشق ويطل عبرها الرئيسان السوريوالإيراني وبينهما قائد المقاومة، فالقرار سيحدد ما إذا كان الجواب العربي تعويماًوتزخيماً لمعادلات الردع ورد العربدة الإسرائيلية؟ أم سيكون الموقف انصياعاًللتهديد والوعيد وتلبية للشروط الإسرائيلية ومزيداً من التنازلات عن الحقوق أوالثوابت؟ ‏
الواضح أن الوزراء قررواالاستعجال قبل القمة، ومن دون أي سبب يتصل بموضوع التفاوض نفسه، فليس هناك أيمبادرة معينة أو تطورات تلفت الانتباه ألزمتهم بالعجلة، فاستعجلوا دون سبب، لتظهيرموقف عربي يقول إن كل من يلاحق قادة إسرائيل في العالم بجرائم حرب، أو يستعدلمواصلة حملات فك الحصار عن غزة، أو يندد بالعنصرية الصهيونية المتمادية في القدسوالأقصى والحرم الإبراهيمي، إنما يعرقل مساعي السلام التي يمثلها التفاوض، ويخاصمالعرب، وينطبق ذلك أيضاً على قائد شرطة دبي الذي يلاحق قادة الكيان بمذكرات توقيفبمسؤوليتهم عن انتهاك سيادة بلده، واغتيال القائد الفلسطيني على أرضها. ‏
قرر الوزراء أن مذكراتالتوقيف ربما يجب أن تصدر بحق الذين نظموا حملات الحياة لغزة وفلسطين، وبحق قادةالمنظمات الحقوقية التي اجتهدت في الضغط لملاحقة قادة الكيان الإسرائيلي في عواصمالعالم، وربما بحق قائد شرطة دبي وليس بحق الذين قرروا ونفذوا جريمة اغتيالالمبحوح، والتهمة للجميع تعطيل فرص السلام. ‏
قرر الوزراء ان الوحدةالفلسطينية تضر بالقضية الفلسطينية مادامت لا تتم تحت مظلة الشروط الإسرائيلية وأنتعميق الشرخ بين الفلسطينيين أفضل لقضيتهم لأنه يسهل فرص التوصل لتفاهم مع إسرائيلبسقف منخفض، لا تستطيع رفعه ولا يجوز إحراجها بذلك، حرصاً على صورة العربالمسالمين، حتى لو دمر أقصاهم وذبحت قدسهم وقتل أطفالهم في حفل شواء على الهواء. ‏
قرر الوزراء أن القوة تضربصورة العرب وخصوصاً بوجه إسرائيل، وأن الردع للعربدة الإسرائيلية ينتج توازناتجديدة في المنطقة هم بغنى عنها، فقد اعتادوا على التعامل مع إسرائيل قوة لا تقهرإذا هددت بالحرب فعلت، واعتادوا أن تهديداتهم بالحرب إذا صدرت فإن قيمتها لا تعادلثمن الحبر الذي كتبت به، فلماذا يغيرون من عاداتهم وقد جاءهم من صورة الردعالدمشقية من يقول إن زمن القوة والعربدة الإسرائيليتين قد ولّى، وإن لدى العرب منالقوة ما يتيح لهم إنتاج التوازن الذي يحمي بلادهم وحقوقهم، فليس من عادة العربتغيير العادات، وعليهم إعادة التذكير بأنهم ما زالوا في زمن الضعف، وأن التهديداتجلبتهم إلى بيت الطاعة الإسرائيلي وبالشروط الإسرائيلية. ‏
قرر الوزراء أن شيئاً مايجب أن يقال ويعمل قبل انعقاد القمة، لأن موعد القمة يقترب وقد صار انعقادها الدوريعبئاً عليهم، والتطورات المتسارعة في المنطقة تفرض نفسها على الشارع، وتوقعاته منالقمة، فتفتقت العبقرية عن قرار التفاوض ومهلة الشهور الأربعة، التي يعرفون أنهاستمر كما مرت السنوات الأربعون منذ صدور القرارات الدولية عام 1967 وما شهدته موائدالتفاوض، وهذا ليس مهماً، المهم أن يكون استحقاق انعقاد القمة قد مر، وتمكنت القمةمن القول، إن العرب لن يتنازلوا عن الحقوق وإنهم يعطون الفرصة الأخيرة لإسرائيللتفهم رسالة السلام العربية، وإنه لا مبرر لإجهاض الفرصة من الجانب العربي مادامتهي الأخيرة، وفي القمة القادمة نقول الكلام المباح. ‏
قرر الوزراء العرب إنهاءالقمة قبل انعقادها وأن يقولوا للمواطن العربي كل قمة وأنت بخير، وعلى موعد مع فرصةأخيرة، بينما إسرائيل تقضم وتهضم وتتسلح وتستعد وتعد، وربما تكون قمة القمم يوميستفيق الوزراء على أصوات تدحرج حجارة أقصاهم وهم يمنحون الفرصة الأخيرة.
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.