تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

عندما تذلّ أميركا

قد يعتبر البعض أن قمة إذلال الولايات المتحدة الأميركية أن «يقصف» رئيسها بحذاء عراقي أو اتهامها باحتلال جزر هايتي بعد الزلزال الذي دمرها، وهو ما أثار أكثر من ردة فعل في واشنطن فاستنفرت الوزيرة كلينتون لتنفي أي احتلال جديد لقوات بلادها، أو ربما يمكن إذلال الولايات المتحدة من خلال سؤالها عن حقوق الإنسان والديمقراطية وحقوق الطفل وخاصة بعد اغتيال أكثر من مليون عراقي من الأبرياء، أو سؤالها عن «معسكر غزة» المنسي والقابع تحت حصار إسرائيلي وبموافقة منها.

لكن الإذلال الحقيقي للولايات المتحدة لا يمارسه من تقمعهم واشنطن أو تذلهم أو تقتلهم، بل من تحميهم وتخشى عليهم وعلى أمنهم وتزودهم على مدى العام بالمال والسلاح، وفي الأمس كانت حلقة جديدة من حلقات إذلال الولايات المتحدة الأميركية ورئيسها الجديد باراك أوباما، فإسرائيل التي سبق أن أغلقت كل الأبواب أمام أوباما ومحاولاته لإرساء السلام في الشرق الأوسط، عادت لتصفعه بقرار جديد إنشاء 1600 مستوطنة في القدس والضفة الغربية.
صفعة إسرائيل لواشنطن كانت موقتة بشكل جيد وهدفها إذلال الرئيس أوباما شخصياً ومبعوثه الخاص للسلام وكذلك نائبه الذي كان لا يزال في إسرائيل حين أعلن عن قرار جديد للاستيطان، والسؤال الذي على العالم أن يطرحه في مثل هذه الحالات: ماذا لو كانت غير إسرائيل من يذل واشنطن؟ فهل كانت ستبقى على صمتها وعجزها دون أن تحرك جيوشها أو مجلس نوابها لفرض ما يمكن فرضه من عقوبات أو لقتل ما يمكن قتله من «مذلين» لها؟
القصة تقول إن الرئيس باراك أوباما بدأ رئاسته موجهاً الطلب لإسرائيل بوقف كل أعمال الاستيطان من أجل استئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، وحين رفضت تل أبيب طلب أوباما، تنازل وتراجع فطالبها بتجميد الاستيطان، فرفضت أيضاً وبدأت تناور بتجميد مؤقت، فتحرك أوباما وأعتقد أنه بإمكانه استغلال «كرم» إسرائيل، ووجه مبعوثه الخاص للسلام في الشرق الأوسط السيناتور جورج ميتشل للضغط على «الحلقة الأضعف» وهو الرئيس محمود عباس وإلزامه بالموافقة على مفاوضات غير مباشرة والتنازل عن شرط الوقف التام للاستيطان، فوافق عباس لكنه طلب بدوره غطاء عربياً نظراً لانتهاء ولايته رئيساً للسلطة الفلسطينية وفقدانه لشرعية تمثيل الفلسطينيين في أي مفاوضات، فبادر ميتشل الضغط على من يمكن الضغط عليهم من وزراء عرب، وصدر القرار المعروف للجنة المبادرة العربية وتحفظت عليه سورية، وأعطي عباس الغطاء الذي يحتاج إليه، فتحركت العواصم الغربية والعربية مرحبة بالقرار وأرسل أوباما نائبه ومبعوثه الخاص للبدء في التحضير لتلك المفاوضات، وقبل مغادرتهم إسرائيل جاءت الصفعة وجاء القرار وتم إذلال نائب الرئيس والرئيس والمبعوث، وقررت إسرائيل الشروع في مشروعها الاستيطاني الجديد الذي تعرف مسبقاً أنه سيثير واشنطن كما العرب الذين وفروا الغطاء لعباس.
المشكلة عند العرب وأيضاً عند الأوروبيين وواشنطن أنهم حتى اللحظة غير قادرين على التعامل مع اللغة التي تفهمها إسرائيل وهي لغة القوة تلك التي مارستها تركيا -على سبيل المثال- حين حاولت تل أبيب إذلال سفيرها، وهي اللغة الوحيدة التي يمكن لحكومة مثل حكومة نتنياهو فهمها، وانطلاقاً من ذلك كان الموقف السوري بالتحفظ على الغطاء العربي لعباس وكانت الصورة المميزة للرئيسين بشار الأسد وأحمدي نجاد وسماحة السيد حسن نصر اللـه في دمشق بعد أن حاولت إسرائيل تهديد سورية ولبنان معاً.
المشكلة كما تبدو في واشنطن أو في العواصم الأوروبية التي صمتت أمام استخدام إسرائيل جوازات سفرها لتنفيذ عملية اغتيال في دبي هي أن تلك الدول ليست دولاً مستقلة وهي تبدو دولاً لا يمكن أن تغضب من إسرائيل مهما فعلت، وذلك لكون تل أبيب تتحكم من خلال «لوبياتها» المنتشرة في أوروبا وأميركا بقرار تلك الدول وتسيطر عليه، والنقيض لذلك كانت تركيا المستقلة والحرة التي لا تقبل أن تذلها أي دولة قريبة كانت منها أم بعيدة، قوية أم ضعيفة، وكذلك إيران وسورية اللتان صمدتا أمام كل التحريض الأميركي ومحاولات العزل ورفضتا الانصياع للضغوط والأوامر.
وحين تطالب دمشق عواصم الغرب بالضغط على إسرائيل لقبول شروط السلام فهي تفعل ذلك تحريضاً لتلك الدول التي تكتفي بقرارات الإدانة ولا تمارس دورها الحقيقي دولاً تطلق على نفسها لقب «العظمى» لإبهار دول العالم الثالث، أما مجلس الأمن فبات الجميع يدرك كباراً وصغاراً أنه رهينة لواشنطن وبالتالي لإسرائيل ولا يمكن الاعتماد عليه إلا لتنفيذ القرارات الموجهة ضد العرب.
اليوم وأمام كل هذا الإذلال الذي تمارسه إسرائيل بحق واشنطن والعواصم العربية بات على العرب أن يثبتوا استقلالية قرارهم وأن يكشروا عن أنيابهم وأن يظهروا وحدتهم أمام عنجهية إسرائيل والتحرك باتجاه شعوب العالم وأحراره وإطلاق حملة دولية واسعة لفضح ممارسات إسرائيل وإدانتها، فوحدها الشعوب قادرة على تغيير الواقع في حين ستبقى الحكومات في ثبات.
أما الرئيس المسكين باراك أوباما فأنصحه بدعم دور تركيا والسماح لها بإدارة مفاوضات السلام وكفاه ذلاً، وهو الذي من المفترض أن يكون رئيس أكبر دولة في العالم وأقواها.
 
 
  

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.