تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أهلاً بالرئيس الإيطالي نابوليتانو

 

لا يستغرب المرء عندما يعرف أن إيطاليا هي الشريك التجاري الأكبر لسورية في دول الاتحاد الأوروبي وفي العالم، فهذا أمر طبيعي ونتيجة منطقية لقرون من العلاقات الطيبة والروابط الثقافية والروحية والاحترام المتبادل التي تربط بين الشعبين والعلاقات التجارية والاقتصادية التي تجمع ما بين البلدين.
فأول العلاقات التجارية التاريخية للبلدين كانت بين المدن الإغريقية المتناثرة جنوبي إيطاليا في ترانتو وساليرنو وسيراكوز وبين المدن الفينيقية المتناثرة على الساحل السوري في أرواد وأوغاريت (رأس شمرا).
ومع نشوء الامبراطورية الرومانية وتحويلها للبحر الأبيض المتوسط إلى بحيرة سلام وتبادل تجاري وتلاقح ثقافي وحضاري وإنساني حر ومفتوح، كانت سورية إحدى أهم الولايات في هذه الإمبراطورية بل درة الولايات الشرقية كما كانت تدعى، وليس أدل على ذلك من وجود مسرح بصرى الكبير وبعلبك وجرش وجبلة.. حيث كانت نقطة تمركز أقوى الجيوش الرومانية والتي تدافع عن حدود الإمبراطورية ضد البارثيين والساسانيين شرقاً.
نقطة البدء والتماس هذه التي تشكلها سورية انعكست عمرانياً من قبل أباطرة روما المتعاقبين، مما جعل سورية الأغنى بالآثار العمرانية الرومانية نسبة لحجمها مقابل بقية الولايات الرومانية، حيث تجد المدرجات والقناطر والآثار الرومانية موجودة في أغلب المدن السورية.
ولا يمكن حصر أو تقدير حجم التبادل والتلاقح الذي حصل طوال سنوات من الاستقرار الروماني في سورية (منذ عام 90 ق.م إلى 627 م.) والتي كانت خلاله حركة تنقل الأفراد حرة ما بين سورية وإيطاليا، لكن يمكن أن نذكر أحد أهم حالات الاقتران بين روما وسورية، حين تزوج القائد الروماني سيبتموس سفيروس من جوليا دومنا الابنة الصغرى لكاهن معبد إيميسا (حمص) الأكبر، ونتج عن هذا الزواج الأسرة السيفرية (193- 238م) التي حكمت روما وضمت ستة أباطرة كان خمسة منهم لأمهات سوريات، ومن خارج الأسرة السيفرية قدمت سورية إمبراطوراً آخر لروما هو فيليب العربي (244 – 249م) الذي ولد في مدينة شهبا (السويداء).
لكن المساهمة الأكبر التي قدمتها سورية للإمبراطورية الرومانية كانت نشر الديانة المسيحية، فعلى بوابات دمشق (موقع كوكب) تجلى يسوع المسيح (عيسى بن مريم) للقائد شاؤول وفي طريقها المستقيم (سوق مدحت باشا اليوم) وفي كنيسة حنانيا اهتدى إلى المسيحية وأصبح اسمه بولس الرسول، ومن أرض سورية انطلق وباقي تلاميذ المسيح من الرسل بالكرازة في مشرق الإمبراطورية ومغربها، وفي مدينة روما تمت شهادتهم وعلى قبورهم بنيت الكنائس والكاتدرائيات التي تشكل حاضرة «الفاتيكان» اليوم.
وبعد سقوط الامبراطورية الرومانية ظلت العلاقات مزدهرة ما بين سورية وإيطاليا طوال القرون الوسطى، وقامت علاقات مميزة بين المدن التجارية السورية الكبرى وبالأخص مدينة حلب الشهباء والمدن التجارية الإيطالية الكبرى (البندقية – فلورنسا – جنوا – بيزا - توسكانا) للتجارة عبر طريق الحرير وكان لها قنصليات في حلب، ومن سورية تعلمت المدن الإيطالية صناعة الزجاج، وحياكة الثياب الحريرية، والتعامل بالسندات المالية، ومسك الدفاتر والحسابات المالية، والتي اشتهرت بها في أنحاء أوروبا، كما أن الرحالة الإيطالي (ماركو بولو) انطلق في رحلته إلى الصين من مدينة حلب برفقة قافلة سورية.
وفي العصر الحديث استمرت العلاقة بين البلدين والشعبين، فنشطت في سورية الإرساليات الإيطالية ونفذت عدداً من المشاريع الخيرية وأشهرها المشفى الطلياني الذي ما زال قائماً ويعمل إلى يومنا هذا في كل من دمشق وحلب، كما استمر عدد من رجال الدين السوريين بالذهاب إلى روما للعمل في مكتبة الفاتيكان للعناية وترجمة وتحقيق المخطوطات العربية القيمة المحفوظة هناك، وقدموا مساهمات عديدة في تطور حركة الاستشراق، فيكفي أن نعرف أن أغلب الرحالة والبحاثة والمستشرقين الذي جابوا الشرق ودرسوه إنما تعلموا اللغة العربية على أيدي أولئك الرهبان السوريين.
واستمرت هذه العلاقات الطيبة بين إيطاليا وسورية بعد تحقيق إيطاليا لوحدتها بقيادة «غاريبالدي» وتحقيق سورية لاستقلالها، وتوسعت وتنامت مع الأيام الزيارات المتبادلة بين رؤساء الجمهورية السورية والرؤساء الإيطاليين والوفود الرسمية من رؤساء وزراء ووزراء ونواب وشخصيات اقتصادية وعلمية وثقافية وفنية ودينية.
وفي يوم الأربعاء 17-3-2010 تترسخ دعامة إضافية جديدة لعلاقة الصداقة التاريخية والمتجددة بين البلدين عندما يحل ضيفاً علينا الرئيس الإيطالي «جورجيو نابوليتانو» في زيارة رسمية إلى سورية بدعوة من رئيسنا بشار الأسد.
فأهلاً به ضيفاً عزيزاً كريما في وطن عزيز كريم.
نبذة عن حياة الرئيس نابوليتانو:
ولد في 29 – 6 -1925 في مدينة نابولي جنوبي إيطاليا.
بدأ حياته السياسية في مناهضة الفاشية خلال دراسته في جامعة نابولي، وبعد قيام ألمانيا النازية باحتلال إيطاليا لإجبارها على البقاء في الحرب قام بالمشاركة في حركة المقاومة الإيطالية.
انضم إلى الحزب الشيوعي الإيطالي بعد نهاية الحرب عام 1945، وتدرج في المناصب الحزبية وفي العام 1981 كان أحد المنظرين للشيوعية الأوروبية الجديدة.
انتخب نائباً عن الحزب الشيوعي في مجلس النواب لأول مرة عام 1953 وأعيد انتخابه حتى العام 1996.
أصبح رئيساً لمجلس النواب (1992 – 1994) ووزيراً للداخلية (1996 – 1998)، وعضواً في البرلمان الأوروبي (1999 – 2005) وعضواً في مجلس الشيوخ الإيطالي مدى الحياة (2005) وانتخب الرئيس الحادي عشر لإيطاليا وتولى مهام منصبه في 15(-5-2006).
يعد المسرح من هواياته المفضلى حيث شارك في عدد من المسرحيات في صباه وكتب العديد من المقالات النقدية في المسرح.
يلقب من قبل محبيه ومعجبيه بـ «الأمير الأحمر» لقناعاته الشيوعية اليسارية التقدمية الإنسانية ونبل سلوكه وتصرفاته.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.