تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

جنبلاط في دمشق: مناورة وشطارة أم اعتراف وندم؟


إن رحلة وليد جنبلاط إلى دمشق، تحمل معاني كثيرة، ولها حكايات متداخلة، هذه الرحلة وإن بدأت وجهتها نحو سورية منذ 2آب (اغسطس)2009 يوم أعلن جنبلاط انسحابه من فريق 14 آذار.
إلا أن هذه الرحلة الجنبلاطية إلى الخيار السوري ما هي إلا عودة من ذاك المشوار الذي بدأه (الزعيم الدرزي) منذ القرار 1559 مروراً باغتيال الحريري والمطالبة بإسقاط النظام السوري وتعليق المشانق له...
وهكذا فإن البحث بين معاني رحلة جنبلاط إلى سورية وبين حكاياتها يبعث بضوء يضيء ما جرى في المنطقة ولبنان منذ بداية الرحلة (اغتيال الحريري) وحتى وصول جنبلاط إلى دمشق.
قبل كل شيء، تبلغ جنبلاط موافقة سورية على استقباله من قبل السيد نصر الله..وأعلن الأمر عبر بيان صادر عن حزب الله والرسالة واضحة (الطريق إلى دمشق يمر عبر المقاومة وحزب الله) ولتأكيد مرجعية المقاومة فإن وزير الخارجية السوري وليد المعلم، وفي المؤتمر الصحافي مع مسؤولة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، رد على أحد الصحافيين عندما طلب منه التعليق على ما جاء في مقابلة جنبلاط، رد المعلم (إن البيان الذي صدر عن حزب الله دقيق جداً) ..أي أن المرجعية في هذا الأمر عند حزب الله والمقاومة.
وكان كثيرون ممن يحيطون بوليد جنبلاط، قد رددوا أنه سيقول الكلام الأخير لشعب وقيادة سورية في مقابلته مع غسان بن جدو على 'الجزيرة'، لكن الشعب السوري لم يرتح لهذه المقابلة، وشعر السوريون إن زعيم المختارة يلعب بالألفاظ، ويحاول أن يعامل سورية على أنه ند لها، وكثيرون في سورية شعروا أن وليد جنبلاط على شاشة 'الجزيرة' كان بارداً تجاه الاعتذار لسورية. بعكس ما كان يبديه من حرارة واندماج في الأسابيع الماضية. وهناك من يعتقد أن جهات عربية وأجنبية همست بأذن جنبلاط هذا الأسبوع ليرفع لهجته مع دمشق على أساس أن هناك متغيرات في المنطقة تتيح له أن يرفع مستوى خطابه، ويقوي من أوراقه وهو ذاهب لدمشق...وإن كان هذا الأمر صحيحاً، وإن كان صحيحاً أن جنبلاط حاول في مقابلة 'الجزيرة' أن يرفع صوته ويقوي من نبرته فإنه سيكون قد فوت حقائق كثيرة أهمها:
أن سورية اجتازت المرحلة الماضية، وخرجت قوية لأنها اعتمدت خيار المقاومة، وأي قراءات لما يجري في المنطقة تصب في مصلحة دمشق، لذلك يكون جنبلاط قد اشترى الوهم إن صدق أن في الأمر ما يضعف سورية، وأنه قادر على الاستفادة منه.
يردد السوريون أن بلدهم لم يرضخ لأمريكا 'بعظمتها' في السنوات الماضية فهل سيرضخ لجنبلاط؟ ثم ها هي أمريكا تأتي لتحاور دمشق وهذا ما يجب أن يتذكره ويفكر فيه جنبلاط لا ما يهمسه له بعض الهامسين.
سورية لا تنظر للدروز على أنهم 'أقلية ذات وضع خاص' بل ترى فيهم شريحة وطنية عروبية أصيلة في سورية ولبنان...وسوريةلا تقبل من أي زعيم أن يتاجر باحتكار الدروز على أنهم أقلية، ويبدو أن أهل الجبل يأتون مطمئنين إلى خيارات دمشق تجاههم كجزء أصيل من سورية ولبنان.
سورية تعتبر أن كمال جنبلاط أحد الرموز الوطنية، ولكن خلافها معه كان لأنه في لحظة من اللحظات لم ير الصورة الشاملة لمصلحة لبنان، وفكر في اللحظة التكتيكية ونسي المصلحة الإستراتيجية، ومن قال أن الشرفاء والمخلصين لا يخطئون...هذا عن الخلاف مع سورية...أما عن الاغتيال فالسوريون يقولون أن على جنبلاط أن يبحث عن قاتل أبيه وليسامحه بعيداً عن سورية.
خاصة وأن اتهام سوريةبالاغتيال تأكد بطلانه، وتأكد أنه كان حرباً سياسية رسمتها دوائر أمريكية إسرائيلية طبعاً باعتراف الكثيرين من جماعة جنبلاط.
لذلك فقد كان من الخطأ أن يصور جنبلاط أنه سينسى (بعد أن سامح) اغتيال والده، مقابل أن تفتح سورية معه صفحة جديدة...لأن السوريون يرون أنهم غير معنيين بأن ينسى جنبلاط أو يسامح، بالعكس هي معنية بأن يتأكد من خلفيات من ورط والده ببعض الأخطاء، وبمن قام باغتياله. وسورية معنية بأن يدرك جنبلاط أن المشاريع الأمريكية الإسرائيلية ولو لبست بعض الشعارات فهي تهدف لقتل الأمة ولا تسأل إن اغتالت الزعماء والمخلصين.
فهم السوريون ما شرحه جنبلاط عن (لحظة التخلي) حيث قال (في لحظة تخل خرجت فيها من العام إلى الخاص) أي أنه خرج من مصلحة الطائفة إلى مصلحته الشخصية هي ما أخذه للغلو في تبني المشروع الأمريكي الإسرائيلي ضد سورية وسلاح المقاومة..مع ذلك فإن السوريين استمعوا لشروحات حول لحظة التخلي تصب في مصلحة جنبلاط، فقد قال وئام وهاب أنها لحظة التخلي عن العقل عند الدروز، وهناك من قال أن لحظة التخلي تعني أن الله تخلى عن جنبلاط في هذه اللحظة..وسؤالنا أي عقل كان مع جنبلاط لحظتها وإذا تخلى الله عنه في تلك اللحظة فأي شيطان كان يقوده.
رغم كل ذلك ورغم احتمال أن يكون برود جنبلاط على شاشة 'الجزيرة' بتأثير من إقليمية وعربية وأجنبية...فإن سورية قرأت ما قام به جنبلاط منذ 2 آب(اغسطس) 2009 عندما أعلن خروجه من فريق 14 آذار، عائداً إلى خيار المقاومة والعروبة محذراً من الانعزال الذي ينجرف نحوه تيار 14 آذار...
وقرأت سورية لهجة جنبلاط الاعتذارية في أربع مرات سابقة على ظهوره على شاشة 'الجزيرة' حيث ظهر على 'المنار' و'LBC' و'الجديد' وعلى صفحات 'السفير'.
وفي القراءة السورية، فإن الوحدة الوطنية اللبنانية حول خيار المقاومة والعروبة والعلاقات المميزة مع سورية هو مصلحة لبنانية وسورية وعربية، خاصة وأن سورية تحاول ومنذ سنوات تحقيق مصالحة عربية إضافة لتحالفات إقليمية مع تركيا وإيران، من أجل خلق شرق أوسط مستقر يقوم على الحقوق العربية، وينهي الخلافات مع الأشقاء ويحصن الأمة والإقليم تجاه السياسات العدوانية الإسرائيلية.
هذه القراءة السورية، التي تركزت أولاً لتحقيق مصلحة المقاومة في لبنان، هي ما جعلت سورية تستجيب لوساطة حسن نصرالله وتتجاوز عن علات ولحظات تخل وليد جنبلاط، وهي ما جعلت دمشق تغض النظر عن الشطارات السياسة القائمة، على (وضع رجل باليمين ورجل باليسار).
ويقول السوريون أنهم حرصاً على مصلحة الأمة، ودفعاً للاستقرار في لبنان، وتقوية للمواجهة مع إسرائيل، واستكمالاً للمصالحة العربية، فقد استجابت سورية وقبلت استقبال جنبلاط.... المتمسك بالعروبة والمقاومة والعلاقات المميزة مع سورية.
السوريون يتذكرون أن جنبلاط عندما جاء إلى دمشق ليصالح الرئيس حافظ الأسد، بعد معارك بيروت وبعد قطيعة، يتذكر السوريون أن جنبلاط عندما وصل لقرب القصر الجمهوري نزل في ساحة المالكي وترك السيارة، وسار مشياً على الأقدام حتى وصل إلى القصر، وبمجرد أن رأى الرئيس حافظ الأسد يطل عليه، سارع كالطفل الشقي يعتذر له (غلطان وما عيدا...)
مع هذه الذكرى، ينتظر السوريون كيف سيسير جنبلاط إلى القصر الجمهوري وماذا سيقول للرئيس الأسد، وأي اعتذار يخبئه ليقول له مباشرة، وخاصة وأن هناك من يقول أن السيد حسن نصرالله يعرف ما هو هذا الإعتذار وكم هي حرارته الإعتذارية.
في كل الأحوال يتمنى السوريون أن يكون جنبلاط صادقاً وألا يكون مناوراً، والكل يدعو الله أن يحفظ جنبلاط من لحظات تخل، يتخلى فيها الله عنه، أو يتخلى هو عن عقله، والدعاء ليس فيه أي شيء شخصي بل هو دعاء للمصلحة العامة اللبنانية والعربية.
السوريون يرددون: إذا كان حافظ الأسد قد انتصر في حرب تشرين، فإن بشار الأسد انتصر على ما كان يحاك ضد سورية ولبنان منذ قرار 1559 واغتيال الحريري. وهناك من يرى أن انتصار بشار الأسد هذا يوازي إن لم يفوق انتصار تشرين.
بعض المتابعين للقضايا السياسية عن قرب يقولون:إن كان جنبلاط صادقاً فقد عاد ليكسب موقعه القومي أما إذا كان يناور ويلعب فإن الله سيتخلى عنه لا للحظة هذه المرة بل للأبد.
إن الفرصة الآن متاحة لجنبلاط ليكون شاهداً على السنوات الماضية، وخاصة وأنه كان في صلب المشروع الأمريكي الإسرائيلي، وظل مطلعاً على تفاصيله حتى الخيبة الأخيرة، والهزيمة النهائية. وأنا أدعو جنبلاط لوقفة يقرأ فيها على الأمة تجربة السنوات الماضية (2005- 2009) وأعتقد أن لدى جنبلاط من الشجاعة ما يدفعه لكشف كل شيء.
وهذا ما يجعل عودته مظفرة، وهذا ما يدفع مكانته في التاريخ في التاريخ ككاشف لحقيقة المشروع الذي كان يستهدف لبنان وسورية والشرق الأوسط والأمة العربية برمتها.
وربما يكشف هذه الأمور أولاً للرئيس بشار الأسد، ربما..

 

                                      د. فؤاد شربجي : القدس العربي 20/3/2010

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.