تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

قمة سرت: هل تكون صورة تذكارية جديدة؟

القمة العربية في ليبيا أواخر هذا الأسبوع هي الـــثالثة للقـــادة العرب في خلال سنة ونيف، بعد قمتي الكويت (الاقتصادية اللأولى) والدوحة. بعد نحو 14 شهراً جدول الأعمال لم يتغير. فلا الأوضاع والظروف في المنطقة العربية تغيرت، ولا الرؤية العربية الموحدة التي نادى بها الملوك والقادة لمواجهة التحديات أبصرت النور. بل إن بعض القضايا المركزية زادت تعقيداً، من السودان إلى العراق مروراً بفلسطين واليمن. وحوّل الحضور المتعاظم للدول الكبرى فضلاً عن دول الجوار المنطقة ساحة لحرب باردة لا يمكن أحداً أن يزعم القدرة على التحكم بمنع تحولها مواجهة ساخنة، إذا دعت الضرورة تعديل موازين القوى للخروج من دوامة الانتظار والمراوحة.

 
 
إن نظرة سريعة إلى الشرق الأوسط تظهر بوضوح أن التعقيدات التي خلّفها وصول بنيامين نتانياهو واليمين المتشدد إلى السلطة تكاد تقضي على ما تبقى من آمال بعضهم بإمكان تحقيق «التسوية»، وتنذر بحرب «شاملة» على جبهات فلسطين ولبنان وسورية، وبحرب «دينية» حول القدس. وتظهر بوضوح أيضاً أن الملف النووي الإيراني ليس عامل قلق وتوتر مقيمين بين إسرائيل والدول الكبرى من جهة والجمهورية الإسلامية من جهة أخرى فحسب، بل تحوّل قضية مصيرية لعرب المشرق من الخليج إلى المتوسط.
 
وما تعانيه هذه المنطقة اليوم يكاد يفوق ما كانت تعانيه أوروبا إبان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. ذلك أن الحرائق الصغيرة التي كانت تقتضيها المواجهة بين الجبارين ظلت إلى حد كبير بعيدة من المسرح الأوروبي الذي كان ينام ويصحو على كابوس الموقعة الكبرى على أراضيه. في حين أن المساحة التي تفصل بين إيران وإسرائيل لن تكون مسرح الموقعة الكبرى فحسب، بل هي أيضاً مسرح الحرائق الصغرى التي شاهدنا في السنوات الأخيرة نماذج مؤلمة منها، من جنوب لبنان إلى غزة فاليمن. فضلاً عن الحرب الصامتة من غارات واغتيالات من سورية إلى دبي مروراً باغتيال عدد من العلماء الإيرانيين.
 
مثل هذا المشهد بتجلياته الإقليمية والدولية ينذر وحده بتقويض كامل لنظام عربي لم تكتمل يوماً عناصره على رغم مرور عقود على قيام الجامعة العربية... فكيف إذا أضفنا إليه ما تعانيه العلاقات العربية – العربية عموماً من خلل فاضح. وما يعانيه عدد كبير من الدول العربية من خلل في العلاقات بين مكوناته الوطنية وانشقاقات وحروب أهلية معلنة أو صامتة تنذر بانقسامات خطيرة وتفتيت وقيام حدود وخرائط جديدة، من السودان إلى الصومال فاليمن، ومن لبنان وفلسطين إلى العراق؟ وأخطر ما في هذا المشهد ليس احتمال انفجار المواجهة الواسعة وما تجره من ويلات يدفع المشرق العربي ودول الخليج ثمنها الأكبر، بل أيضاً ما يمكن أن تنتهي إليه «التسويات» الكبرى. لأن ثمنها الباهظ سيكون على حساب العرب ودورهم ونظامهم وأمنهم الإقليميين وربما بعض أنظمتهم!
 
في ضوء هذه التعقيدات وتشابك القضايا والأزمات وترابطها، لا يعود مفيداً الحديث عمن يحضر القمة أومن يغيب. أو الحديث عن الانقسام الفلسطيني سبباً لضياع «التسوية» وكأن هذه جاهزة والخلاف على من يتسلمها من نتانياهو. أو الحديث عن انقسام الصف العربي بين «ممانع» ومعتدل» سبباً لغياب الوحدة الفلسطينية والضعف العربي. أو الحديث عن «تفاقم» الأزمة بين واشنطن وتل أبيب وما يمكن أن يجنيه العرب من ثمارها! أو الحديث عن وجوب «تعقل» العراقيين وضرورة مواصلتهم طريق المصالحة والتمسك بوحدة الوطن والأرض بعيداً من التدخلات الأجنبية. أو الحديث عن تعاظم الدور الأميركي العسكري «الصاروخي» في دول الخليج ومياهه والتنديد به أو التنديد بمواقف الجمهورية الإسلامية.
 
نادراً ما واجهت قمة عربية حجم التحديات التي واجهتها قمتا الكويت والدوحة الأخيرتان، وما ستواجهه قمة سرت بعد ايام. فعندما يمضي نتانياهو في تحدي الإدارة الأميركية على نحو ما تحداها محاولاً نقل المعركة إلى الولايات المتحدة، وممعناً في سياسة الاستيطان، هل تكرر القمة، كما فعلت من قبل، التلويح بسحب المبادرة العربية التي أقرتها في بيروت أم تعلن وفاتها، أم تبتدع بدائل فلا يستسلم من يريد أو ينتحر من يريد من الفلسطينيين؟ وعندما يقرع الإسرائيليون والإيرانيون طبول الحرب هل يكفي تكرار القمة أيضاً دعوتها إلى شرق أوسط خالٍ من أسلحة الدمار الشامل وكذلك رفضها الحل العسكري للملف النووي الإيراني؟
 
إن انسداد الأفق في مسيرة التسوية السلمية في الشرق الأوسط يضع الفلسطينيين، ومعهم أهل القمة العربية، أمام خيارات محدودة. فالرئيس باراك أوباما لا يبدي حتى الآن قدرة أو عزماً على إرغام نتانياهو بوقف سياسة الاستيطان ورفع التحدي حتى النهاية.
 
ويكاد يفقد ثقة السلطة وبعض العرب الذين أقنعهم بالمفاوضات غير المباشرة، على أمل أن يمارس الضغط الموعود على «الحليف الاستراتيجي» أثناء المفاوضات لا قبلها بحجة أن ذلك أجدى. وإذا قدر للطرفين الفلسطينيين المتنازعين على السلطة توقيع وثيقة المصالحة ماذا يبقى أمامهما من خيارات لطرحها أمام القادة في سرت، بعيداً من «لغة التخوين» أو «لغة العنتريات»؟
 
إن سياسة الصواريخ في القطاع فاقمت الحصار وضاعفت المأساة، ومثلها الانتفاضة الموعودة في الضفة لا تبشر بثمار بقدر ما تنذر بتدمير الحد الأدنى من مقومات الحياة المدنية وإلحاق رام الله وشقيقاتها بمصير مشابه لمصير غزة... فهل يكتفون بسياسة الانتظار فيما المستوطنات تأكل مزيداً من الأرض بما يجعل قيام دولة « قابلة للحياة» أمراً شبه مستحيل؟
 
كذلك إن المأزق الذي يواجهه أطراف الصراع في الملف النووي الإيراني يقلص خيارات أهل الخليج. فلا هم يرغبون في حل عسكري تكون دولهم ومجتمعاتهم واقتصاداتهم ونفطهم ساحة لقنابله وصواريخه. فيما هم يخشون حلاً سياسياً أو تفاهماً أميركياً – إيرانياً سيكونون هم ضحاياه ويكرس هيمنة الجمهورية الإسلامية على المنطقة أمنياً وسياسياً ونفطياً. وهو أمر لم يرتضوه لصدام حسين حين غزا الكويت مطلع التسعينات... ولا يبدو أن إيران عرفت من ثلاثة عقود كيف تتخلى عن نهجين أو «لغتين» في التخاطب مع جيرانها فتطمئنهم. تدعوهم إلى طهران لتقودهم و «تحميهم» بدل الذهاب إلى واشنطن، كما ناداهم الرئيس أحمدي نجاد بلهجة متعالية قبل سنتين في قمة الدوحة لدول مجلس التعاون. ثم لا تلبث أن تتوعدهم بالويل والثبور وإغلاق ممرات النفط وطرقه... فيما تحاول ترسيخ نفوذها في العراق بعد غزة ولبنان وتسعى إلى ذلك في اليمن! وقد أيقظ هذا التمدد ما كان مكبوتاً في بعض مكونات دول شبه الجزيرة العربية.
 
وتطول اللائحة المكررة للأزمات والتحديات المصيرية أمام قمة سرت، من الصومال إلى السودان بجنوبه وغربه وشماله... فضلاً عن التوتر الذي يسود العلاقات بين أكثر من طرف عربي. لذلك لا يبدو أن الوصول إلى رؤية عربية موحدة، أو استرتيجية قادرة على رفع التحديات بالأمر اليسير. إن سلوك طريق الموقف العربي الواحد يتطلب شروطاً ليس أقلها إعادة النظر أولاً في كثير من العلاقات العربية – العربية، ثم في العلاقات العربية - الإقليمية والدولية، تنطلق من الاعتراف المتبادل بالمصالح المشتركة لأهل الإقليم ودول الجوار والمصالح االدولية في النفط وممراته الآمنة. وتبني استرتيجية قادرة على إلزام جميع اللاعبين في المنطقة والمجتمع الدولي بإعادة النظر في تعاملهم مع مصالح العالم العربي وقضاياه العادلة. فهل تكون قمة سرت على مستوى هذا التحدي أم تكون كمثيلاتها صورة تذكارية أخرى للقادة والزعماء؟
 
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.