تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

سورية و تركيا .. وخارطة الطريق إلى المستقبل

 

قلبت العلاقة السورية التركية التكوين الجيوستراتيجي للمنطقة، وأصبحت من الحقائق التي تفرض نفسها في الحسابات السياسية على مستوى المنطقة والعالم لما للدولتين من أهمية ودور على الصعيد الدولي
 
ولاسيما قضية الصراع العربي الصهيوني مع إصرار سورية على الدور التركي المحوري في المفاوضات غير المباشرة بينها وبين إسرائيل، وما لذلك من دلالة ورمزية سياسية تدرك أمريكا وإسرائيل معناهما، فتركيا في التفكير الاستراتيجي الصهيوني والحسابات الأمريكية كانت الورقة الرابحة والقوة الضاغطة على العرب و سورية تحديداً، وأن تتحول الى الخندق الآخر أو تقف على الحياد، فهذا يشكل صدمة قوية لصانعي القرار في (تل أبيب) و (واشنطن) ويسجَّل في خانة النجاحات المهمة للسياسة السورية المنفتحة للسيد الرئيس بشار الأسد وفن إدارته لإحداثيات الصراع في المنطقة.‏
 
لقد اعتقد قصيرو النظر الذين قاربوا العلاقة السورية التركية أنها ذات طابع تكتيكي ومرحلي، تتركز حول دور وسيط سياسي في عملية المفاوضات بين سورية وإسرائيل، وربما عملية تسخين فقط، لتدخل في فضاء آخر، وكانت المفاجأة لهم أن البعد السياسي أو التفاوضي هو جزئية ومقطع صغير في مشهد استراتيجي كبير وضعته قيادتا البلدين في الحسبان، وهو ما أكد عليه السيد الرئيس بشار الأسد في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع السيد رجب طيب أردوغان في دمشق نهاية عام 2009، حيث قال: إن توقيع الاتفاقيات بين سورية وتركيا أعاد رسم خريطة الشرق الأوسط، واعتبر سيادته خلال المحادثات أن الاستقلال الثاني لأي دولة يتحقق عندما تمتلك القرار المستقل في إشارة واضحة من سيادة السيد الرئيس إلى تحرر الإرادة السياسية لكلا البلدين من الإملاءات الخارجية وتعبيرها عن إرادة سياسية متفاعلة مع رغبة شعبية واسعة.‏
 
إن المستوى الذي وصلت إليه العلاقة بين البلدين وتسارع إيقاعها وتناميها واستطالاتها إلى مختلف الأصعدة وديناميتها الداخلية وارتكازها إلى الدعم الشعبي، جعل منها أنموذجاً يحتذى به، بدليل أن الكثير من دول الجوار الإقليمي بدأ يحذو حذو سورية وتركيا في هذا الاتجاه، وهذا يؤكد صوابية الخيارات لدى القيادة السياسية لكلا البلدين، وسيرهما في الاتجاه الصحيح.‏
 
ولعّل التفاعل الخلاق الذي أبدته المؤسسات التنفيذية والمؤسسات الأهلية وترجمتها العملية للاتفاقات المبرمة بين البلدين على مختلف الأصعدة هو دليل عافية ومؤشر إيجابي على أن الطابع العملي والمؤسساتي هو الناظم لتلك العلاقة التي تسير وفق خط بياني صاعد تحكمه منهجية واضحة ومحددة.‏
 
إن ما يدعو إلى المزيد من التفاؤل بأفق العلاقة بين البلدين الجارين هو تطابق الرؤية لدى قيادتي البلدين حول طبيعة ومستوى وعمق تلك العلاقة التي ستصل إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وهذا ما جاء على لسان كبار المسؤولين في البلدين حيث وصف رئيس الوزراء التركي السيد رجب طيب أردوغان العلاقة بأنها خطوة تاريخية في مسار العلاقة السورية التركية؛ وهي لا تهم منطقة الشرق الأوسط فقط بل العالم برمته، ووصف سورية بأنها بوابة تركيا المنفتحة على المنطقة ودارنا الثانية، وتركيا هي بمنزلة البلد الثاني للسوريين وبوابة سورية إلى أوروبا، مؤكداً القرابة التاريخية والثقافية بين البلدين، وأن الخيار الآسيوي العربي هو الأكثر عقلانية لتركيا ولعل ما ورد في كلمة السيد أردوغان في قمة سرت وتأكيده الطابع الاستراتيجي للعلاقة العربية التركية والدور الذي لعبه العرب والأتراك في الماضي وما يمكنهم فعله مستقبلاً من دور حضاري واستقرار عالمي هو مؤشر مهم على ذلك.‏
 
إن إلقاء نظرة على المشهد السياسي وطبيعة التحالفات في المنطقة في الوقت الحاضر مقارنة مع ما كان عليه الحال قبل عقود مضت، يعطي القارئ الموضوعي صورة تعكس حجم التحول البنيوي الذي حصل في طبيعة التحالفات في المنطقة، واصطفاف القوى الفاعلة فيها وتموضعها الجديد، وتأثير ذلك وانعكاسه على معادلة الصراع العربي الصهيوني؛ عندها يدرك المتابع السياسي حجم الإنجاز الذي حققته السياسة السورية ودورها في رسم صورة جديدة لمنطقة عربية وإسلامية تلامس طموحات أبنائها و سعيهم الجاد ليكون لهم موضع قدم في عالم لم يعد فيه مكان للضعفاء، تحكمه المصالح والتحالفات الكبرى في ظل عولمة ذات إيقاع سريع ليس في أبجديتها توقف أو انتظار

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.