تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الرابطة الجواريّة ..إذا صحّت النسبة

اقتراح أمين عام الجامعة العربيّة، عمرو موسى، يهدّد بإقحام مفهوم جديد لا في دائرة السياسة العربيّة فحسب، بل أيضاً في دائرة الهويّة والتعريف الذاتيّ.

 
إنّه «الجواريّة»، إذا صحّت النسبة، التي تضمّ إلينا، نحن العرب، كلاًّ من تركيا وإيران.
 
يحصل هذا فيما تؤكّد القمم العربيّة، وآخرها قمّة سرت، أنّ مفهوم العروبة بات لزوم ما لا يلزم. ذاك أنّ رسميّي العروبة عاجزون عن الاتّفاق على شيء، مطلق شيء، جدّيّ، «يرحّلون» المشاكل التي لا يعالجونها إلى مستقبل لن يعالجها، فيما «جماهير» العروبة المفترضة موزّعة الولاء بين الطوائف والمذاهب والعشائر وبين نزعة إسلاميّة غائمة وملتبسة. و»الجماهير» إنّما تمارس ولاءاتها هذه إمّا بالعنف المعلن الصريح وإمّا بالعنف المكبوت أو المؤجّل.
 
هكذا، بدل الانكباب على إعطاء معنى فعليّ لمفهوم العروبة، أو أقلّه لمفهوم العمل العربيّ المشترك من خلال سياسات القمم، يحصل ازدياد في التوسّع اللفظيّ الذي يحمل، هذه المرّة، اسم «الجوار».
 
إنّه عين المنطق الذي حكم النظريّة القوميّة العربيّة الأمّ: هرباً من حلّ مشاكل البلدان القائمة نتعلّق بأهداب «أمّة عربيّة» لن تقوم، بعدما كنّا، في الخمسينات والستينات، نمارس الهرب بالدعوة إلى دمج بلد في آخر، أي دمج أزمة غير محلولة في أزمة أخرى غير محلولة هي أيضاً.
 
لكنّ الجواريّة تظهر اليوم في ظرف سياسيّ محدّد: فليس صدفة أن تترافق الدعوة إليها مع البكاء الدائم على «الضعف» و»العجز» العربيّين، وطبعاً مع التذكير بالتهديدات التي تطاول «الأمن القوميّ»، في مقابل التنويه بـ»الصعودين» اللذين يمارسهما البلدان الجاران، تركيّا وإيران، كلّ بطريقته.
 
هكذا تأتي «الجواريّة» لتضمّ إلينا، نحن الهابطين، طرفين صاعدين. وعلى هذا النحو نجعل من الضعف قوّة، ونقلب عقدة النقص عقدة تفوّق. وما دام الماضي قد جعل الأتراك يحكمون العرب أربعة قرون، وما دامت إيران مرشّحة لأن تغدو قوّة نوويّة، بات إلحاقهما بنا تعويضاً كاملاً عمّا نحن فيه، تعويضاً يضمّد جرح النرجسيّة الجريح ويرفع الأنا، التي هي أنانا، إلى مركز مركزيّ في الكون.
 
وهنا أيضاً نلفّ حول رقابنا حبال الحلول اللفظيّة للمشكلات الفعليّة، خصوصاً أنّ الجواريّة الوحيدة الممكنة هي التي قد تقترحها إيران، أو تركيا، لإلحاق العرب بهما.
 
فنحن الآن أقرب إلى مدى حيويّ للدولتين الجارتين اللتين تخاطبان، بأرخص الأثمان، عواطف لم نعد نملك سواها: تركيا تفعل ذلك بكلمات حماسيّة يتفوّه بها رجب طيّب أردوغان بين وقت وآخر، وإيران بوعود خلاصيّة يطلقها محمود أحمدي نجاد متعهّداً إزالة دولة إسرائيل. ومن يدري فقد يأتينا الغد بمنافسة علينا، نحن العرب، تزداد حدّتها بين الجارين: كلّ منهما يريد أن يقضم منّا أكثر ممّا يستطيع الآخر قضمه. ومن يدري أيضاً، فقد يتحوّل التنافس نزاعاً ضارياً يشهد على مثله تاريخ العراق الذي سبق تشكّله كدولة – أمّة في عشرينات القرن العشرين.
 
وقصارى القول إنّ السوابق لا تُحصى على سياسات الهرب من المشكلات الفعليّة ومن حلّها. فبعد «الأمّة العربيّة» حلّت «الأمّة الإسلاميّة»، متجاورة ومتصالحة مع الأولى. وهناك دوماً فلسطين والقدس والمسجد الأقصى في صيغة أو أخرى. أمّا الآن فهناك... الجوار. حقّاً وجدناها
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.