تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تولستوي 1828 - 1910

 

تحفل أجندة العام 2010 بالمناسبات الثقافية، فبعد احتفال العالم بالذكرى المائتين لولادة الموسيقار البولندي فردريك شوبان والذكرى المائة والخمسين لولادة الكاتب الروسي أنطون تشيخوف، يحيى العالم الذكرى المئوية الأولى لوفاة الروائي الروسي والعالمي الكبير ليو تولستوي.
ولد الكونت ليف نيكولايفتش تولستوي في 9-9-1828 في قرية «ياسنايا بوليانا» في مقاطعة تولا الروسية التي تملكها عائلته الثرية التي تنتمي لأعرق العائلات الروسية النبيلة، وكان ترتيبه الرابع بين الأولاد الخمسة للكونت نيكولاي والكونتسة ماريا تولستوي، وتوفي والداه وهو مازال طفلاً وقام أقارب العائلة بتربية الأشقاء الخمسة.
بدأ بدراسة القانون واللغات الشرقية في جامعة كازان عام 1844، لكنه ترك الجامعة دون أن يتم دراسته فيها وعاش حياة شاب ثري بين العاصمتين الروسيتين موسكو وسان بطرسبرغ قبل أن ينضم بصحبة شقيقه إلى الجيش القيصري في القوقاز عام 1851، وبدأت محاولاته في الكتابة في تلك الفترة، وخدم تولستوي كضابط في المدفعية خلال حرب القرم (1854 – 1857) وشارك في المعارك حول سيباستوبول والتي كتب عنها في ما بعده عمله الأدبي      «حكايات من سيباستوبول»، وقد أعطته خبرته العسكرية هذه مصداقية في نقده الشديد للحرب وإيمانه بالمقاومة غير العنفية.
ابتدأ تكون فلسفة تولستوي خلال جولتيه في أوروبا عام 1857 و1860-1861 حيث التقى وتعرف على كبار الشخصيات الأدبية والفلسفية في أوروبا أمثال فيكتور هوغو الذي كان انتهى للتو من كتابة رائعته «البؤساء» والتي كان لها تأثير كبير على مسيرة تولستوي الأدبية، وبخاصة رائعته «الحرب والسلم»، والمفكر الفرنسي «بيير جوزيف برودون» الذي اقنع تولستوي بأهمية التعليم والصحافة المطبوعة في العصر الحديث، وعبر عن اعجابه بهذا الفيلسوف عندما استعار من كتاباته اسم رواية «الحرب والسلم»، بالإضافة إلى ذلك تعرف تولستوي في تلك الفترة على مواطنيه الروس المنفيين هناك إثر فشل ثورتهم ضد حكومة القيصر والذي ألف رواية عنهم حملت اسم حركتهم «الديسمبريين»، كما اعتنق تولستوي مبدأ «السلمية» إثر مشاهدته لحكم إعدام علني في باريس وهي التجربة التي وصفها بالمروعة والتي عززت عدائه لكافة أشكال الحكومات وجعلته يعلن فيما بعد: «لن أنخرط في خدمة أية حكومة في العالم».
إثر عودته من أوروبا تزوج تولستوي من «صوفيا أندريفنا بيرس» التي كانت تصغره بستة عشر عاماً، وكان زواجهما سعيداً وعملت زوجته كسكرتيرة ومدققة لرواياته وأنجبا ثلاثة عشر طفلاً مات خمسة منهم في سن الطفولة، لكن مع تقدم تولستوي في العمر واعتناقه مبادئ الفقر كطريق للخلاص ساءت علاقته مع زوجته وأصبحت إحدى أتعس الزيجات في تاريخ الحياة الأدبية.
عاد تولستوي إلى مسقط رأسه في «ياسنايا بوليانا» عام   1862 حيث كرس القسم الأكبر من وقته للعناية بشؤون الفلاحين حيث بنى أكثر من 15 مدرسة لتعليم أبناء الفلاحين في المقاطعة تعتمد على الفلسفة الليبرالية، لكن الحكومة الروسية سرعان ما راودها القلق من خطورة هذه الحركة على النظام القيصري وقامت بإغلاق هذه المدارس.
على الصعيد الروحي كان تولستوي رغم إيمانه الأرثوذكسي العميق يبحث عن التجارب الروحية للأديان الأخرى ويستلهم منها طرقاً للخلاص، فدرس الإسلام والهندوسية والبوذية، وآمن أن الفقر المادي والبحث عن الغنى الروحي والنفسي هو الطريق إلى الخلاص، وأن الوصية الأهم ضمن الوصايا العشر هي «أحب أخاك كما تحب نفسك»، وأن على الإنسان أن يسعى للفقر إذا حرمته الأقدار ذلك بولادته ضمن عائلة ثرية، وكان ملهه الأكبر القديس         «سمعان العمودي» الذي كان يعيش متنسكاً في البادية السورية قرب حلب على قمة عمود، وبقي لتاريخه المكان يدعى «قلعة سمعان» جنوبي حلب، وهو الموقف الذي أدخله في إشكال مع الكنيسة الرسمية الأرثوذكسية في روسيا التي قامت بحرمانه كنسياً.
وعلى الرغم من معارضة تولستوي لمظالم الحكومات إلى أنه رفض العنف والثورة كوسيلة للتغيير مصراً أن الثورة الوحيدة المقبولة هي الثورة الروحية ومبشراً بسياسة اللاعنف الذي ألهمت غاندي اعتناق هذا المبدأ في نضاله تحت نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا أولاً ومن أجل استقلال الهند ثانياً، وقد كانت هناك مراسلات بين الرجلين العظيمين في العام الأخير من حياة تولستوي، وأطلق غاندي اسم تولستوي على إحدى قرى الاكتفاء الذاتي التي نظمها في الهند.
في عام 1910 وعندما كان تولستوي في سن الثانية والثمانين قرر القيام برحلته لتحقيق الخلاص الذاتي وترك العالم المادي، فغادر منزله في البرد القارس ليلة 20-11-1910 معتزماً عدم العودة، لكن صحته المتعبة لم تسمح له بالذهاب بعيداًَ فتوفي في محطة قطار «استابوف» قرب منزله، وتم الحفاظ على محطة القطار على حالها ليلة توفي فيها تولستوي وإيقاف الساعة على توقيت وفاته تكريماً له، ودفن في قبر متواضع قرب منزله في جنازة حضرها آلاف من الفلاحين الذين أحسن لهم، وكتب على شاهدة قبره عبارة «ليو تولستوي 1828 – 1910».
ورغم أهمية أفكار وفلسفة وتجربة حياة ليو تولستوي لكن إسهامه الأكبر يبقى في ميدان الأدب، حيث صنفت روايته «الحرب والسلم» على أنها أهم رواية في الألفية الثانية في قائمة مجلة نيوزويك، فيما احتلت رواية آنا كارنينا مكانة ضمن الروايات المائة الأولى.
وتضم قائمة مؤلفاته من الروايات: (الطفولة 1852 – الصبا 1854 – الشباب 1856 – السعادة العائلية 1859 – القوزاق 1863 – الحرب والسلم 1869 – آنا كارنينا 1877 – موت إيفان إيليش 1887 – سوناتا كروتزر 1889 – البعث 1899 – حاجي مراد 1904).
ومن القصص القصيرة: (الغارة 1852 – حكايات من سيباستوبول 1856 – إيفان الأحمق 1863 – بوليكوشكا 1863 – السجين في القوقاز 1872 – سترايد: قصة حصان 1886 – كم يحتاج المرء 1886 – السيد والرجل 1895 – الأب سرجيوس 1898 – قوة الظلام 1886 – ثمار التنوير 1889 – الجثث الحية 1900).
أما كتب تولستوي من غير جنس الأدب فتضم: (اعتراف 1886 – ديني 1884 – ما الذي يجب فعله 1886 – مملكة الرب هي في داخلك 1894 – أعمال الرسل بالمختصر 1896 – ما هو الفن 1897 – رسالة إلى الليبراليين 1898)، بالإضافة إلى كتاب (قانون الحب وقانون العنف) الذي نشر عام 1940 بعد وفاة تولستوي بثلاثين عاماً.
ونختم بما قاله الروائي الألماني الشهير الحائز على جائزة نوبل ­«توماس مان» عن أعمال تولستوي الروائية الفذة: «قلما شابه عمل فني الطبيعة لهذا الحد»، وكان قول تولستوي الشهير «.. إذا كان حذائي ضيقاً ما نفع الدنيا الواسعة».

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.