تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

قراءة في الاتفاق الإيراني البرازيلي التركي!!

منذ وقت طويل وإيران تخوض ما يمكن تسميته "حرباً دبلوماسية" شاقّة ضد الغرب وإسرائيل دفاعاً عن حق سيادي لها كفله القانون الدولي والمعاهدات الدولية وشرعة الأمم المتحدة.

إيران تدافع عن حقها في امتلاك الطاقة النووية السلمية، حتى لو ادّعى بعض الغرب وإسرائيل ومعهم الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن برنامجها النووي يهدف لتحقيق أغراض عسكرية. وهي غير معنية باتهامات الآخرين ولا تلزمها، بل تلزمهم هم لأن الحجة على من ادعى، هذا أولاً. وثانياً، من يمتلك الأسلحة النووية لا يحق له منع الآخرين من امتلاكها، فأين المصداقية إذا كان لديهم أسلحة نووية بينما يطالبون الدول الأخرى بألا يكون لديها هذه الأسلحة. بل من أعطى الغرب وإسرائيل حق تقرير من يمتلك ومن لا يمتلك الطاقة النووية السلمية وغير السلمية؟!

مهما يكن فالاتفاق الإيراني- البرازيلي- التركي لمبادلة الوقود النووي في تركيا، والذي تم توقيعه الاثنين 18/5/2010 يؤشر إلى معطيات ونتائج مهمة جداً ستترك آثارها على إيران والمنطقة وربما أبعد من ذلك، ومنها:

أولاً، لقد تمكنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية من إبعاد شبح العقوبات الدولية التي كان الغرب يحضّر لها ويهدد بها، وذلك إلى أجل غير مسمّى، ولاسيّما بعد ترحيب الصين بالاتفاق الثلاثي. وسيمضي الغرب وإسرائيل وقتاً طويلاً قبل إنتاج إجماع يقرّ "العقوبات" أياً يكن شكلها على طهران. و بعد اعلان الاتفاق الايراني – التركي- البرازيلي ظهرت البلبلة والإرباك في مواقف الدول الغربية  فيما عبّر المسؤولون الإسرائيليون عن انزعاجهم من إنجاز الاتفاق.

وما توزيع مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي من قبل الولايات المتحدة أمس،  لفرض عقوبات «قوية» جديدة على طهران إلا اسلوب قديم –جديد لممارسة المزيد من الضغوط والتهديدات، لاسيما وقد استبقته بكين بالتأكيد على أولوية الدبلوماسية، فيما كانت أنقرة تحذر من تداعياته الإقليمية.

ثانياً، مما لا شك فيه أن الاتفاق الثلاثي أبعد خيار الحرب والتهديد به أيضاً وسحب الذريعة من يد المتحمسين لهذا الخيار. وقال وزير الخارجية التركية أحمد داوود أوغلو(القبس 19/5)، إن طهران لبت كل المطالب الغربية في الملف النووي، ودعا الغرب الى الالتزام بتعهداته، مشيرا الى أن العواصم الغربية «فوجئت بالمواقف الإيرانية لأنها لم تكن تتوقعها، وأدى ذلك الى خيبة أمل كبيرة لديها». ورأى ان «العقوبات لم تعد تملك الأرضية النفسية بعد الآن» فكيف الحرب!؟. وهذا بدوره، سينعكس هدوءاً واستقراراً في منطقة الشرق الأوسط، لأن المراهنين على الحرب الوشيكة على إيران خسروا رهانهم. بالتأكيد قد تسعى إسرائيل للتوتير في منطقة أخرى وتحت ذريعة ومبررات تختلقها، ولكن منطق الحرب فقد حجّته ولم يعد ممكناً الحشد له، وانتصرت قوة المنطق على منطق القوة.

ثالثاً، بالنسبة للاتفاق نفسه، وهذا جوهري، فإن قبول الغرب به كما هو، وهذا مستبعد، يعني انتصاراً ساحقاً لإيران وبالضربة القاضية. أما محاولة الغرب اختراع الحجج والتبريرات لمزيد من الضغط على طهران، فستضعف الموقف الغربي أكثر فأكثر وستزيد من الشكوك بالنوايا الغربية، خاصة، وأن الملف النووي العراقي ما زال ماثلاً في الأذهان والناس لم تنسَ ما حصل من قيام حرب دمّرت بلاد الرافدين بسبب كذبة.

رابعاً، بديهي أن الاتفاق الثلاثي لتبادل الوقود  النووي عزز مكانة إيران الإقليمية والدولية وأكد أنها ليست معزولة كما يحاول الكثيرون تصوير ذلك. بل أكثر  من ذلك ,اذ  أظهرت  المحادثات الشاقّة أن طهران تدافع عن حقوقها بكل السبل وشتى الوسائل ولا بدّ أن العديد من البلدان أعجبت بها وستحذو حذوها وتتعلم منها. وقد أثبتت الدبلوماسية الإيرانية طول بالها وصبرها ومهنيتها ونجاحها وهذا ما يؤخذ بالحسبان أيضاً.

خامساً، إن ثبات الموقف الإيراني سيعزز ما يسمى "الحلف المقاوم" في المنطقة. فقد بدأ الجميع يدرك ومنذ حرب تموز عام 2006، أن التهويل لم يعد مجدياً، وأن إيران وحلفاءها في المنطقة لا يتبعون سياسات شعاراتية واهمة مغامرة، بل يتبعون إستراتيجية واعية رصينة لا مجال فيها للتهور والارتجال والانفعال في الموقف والقرار. ويوماً بعد يوم يترسخ مفهوم قيام شرق أوسط جديد بيد أبنائه، كان قد أشار إليه الرئيس بشار الأسد أكثر من مرّة. وهذا يقودنا إلى النقطة التالية والأخيرة.

سادساً، لقد راهن الغرب على فشل البرازيل وتركيا في تحقيق إنجاز معين وحاولوا تثبيط عزيمة قادة البلدين. ولكن التصميم والإرادة أثبتا جدواهما بشكل واضح. وأقر وزير خارجية تركيا أن ثمانية عشرة ساعة من المباحثات والمفاوضات الشاقّة أثمرت اتفاقاً بين البلدان الثلاثة. وهذا إن دلّ على شيء، فإنه يدل على أن الدول عندما تعمل معاً وإن كانت صغيرة أو كبيرة يمكنها فعل الكثير. وبالتأكيد أعطى الاتفاق لتركيا والبرازيل وزناً وبريقاً دوليين وعزز مكانتهما في الساحة الدولية كقوتين يُحسب لهما الحساب، ولابد ان دولا أخرى أعجبها دورهما وأداؤهما وهي تتناول اختبارات الماضي واستحقاقات الحاضر وتحديات المستقبل لتتعلم الدرس.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.