تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الأم تيريزا 1910 – 2010... راهبة الخير والحب

يظهر عبر التاريخ وفي كافة المجتمعات البشرية شخصيات تنظر وترى ما يجمع ويوحد بين البشر من أديان ومذاهب وأعراق واثنيات وأعلت شأن الروح الإنسانية التي تجمع بني البشر جميعاً، فكرست حياتها لخدمة المحتاجين منهم دونما تمييز أو تفرقة يدفعها الحب لإخوتها في الإنسانية، والتعاطف مع ما يصيبهم من آلام وأحزان وأوجاع، ومن هذه الشخصيات في القرن العشرين الأم تيريزا الذي احتفل العالم في 26-8-2010 بالذكرى المئوية الأولى لولادتها.

ولدت الأم تيريزا - واسمها الأصلي آغنيس غونكدجا بوجادجيو - في 26 أغسطس 1910 م في مدينة «أوسكوب» في السلطنة العثمانية - البلقان، وهي المدينة التي تغير اسمها إلى «سكوبجا» اليوم واصبحت عاصمة جمهورية مقدونيا، لعائلة ترجع أصولها إلى مدينة «اشكودار» الألبانية، وكانت الابنة الصغرى لنيكولو ودرانا بوجادجيو.

توفي والدها الذي كان ناشطاً من أجل استقلال ألبانيا عندما كانت في الثامنة من عمرها، وتلقت تعليمها الأول في مدرسة للآباء اليسوعيين، وأعجبت بالنشاطات والخدمات التي كانت تقدمها تلك المدرسة لدرجة جعلتها تقرر وهي في الثانية عشرة من عمرها أن تكرس حياتها للعمل الخيري والإرسالي.

عندما بلغت أغنيس سن الثامنة عشرة غادرت عائلتها لتلتحق بـ «راهبات لوريتو» التي كانت تنشط في تعليم الأطفال الفقراء في الهند، وأرسلت إلى دير لوريتو في راثفنهام في إيرلندا لتتعلم الإنكليزية، وانطلقت بعدها إلى الهند التي وصلتها عام 1929، وكانت أولى مهماتها في غرب البنغال قرب جبال الهملايا، وانتقلت بعدها إلى مدينة «كالكوتا» حيث علمت في مدارس راهبات لوريتو في شرق المدينة.

 في عام 1931 دخلت آغنيس في سلك الرهبنة واتخذت اسم الأخت تريزا لها تيمناً بالقديسة تيريزا دي ليزيو شفيعة المبشرين، وفي عام 1937 نذرت نفسها كراهبة وأصبح اسمها الأم تريزا.

كانت للمجاعة التي ضربت كلكتا والبنغال عام 1943 والفتنة الطائفية المفتعلة بين بعض الهندوس وبعض المسلمين عام 1946 أثر كبير على الأم تيريزا، جعلها تترك التدريس عام 1948 وتخلع زي راهبات لوريتو وتلبس الساري الهندي القطني بلونه الأبيض والخط الأزرق على كميه الذي اشتهرت به فيما بعد وأصبح اللباس الرسمي لراهبات المحبة، وتخصص وقتها لمساعدة الفقراء والمحتاجين والمهمشين والمنبوذين في المدينة لا سيما الأطفال منهم.

في 7-10-1950 حصلت على إذن من حاضرة الفاتيكان لتأسيس سلك راهبات جديدة أطلقت عليه اسم «راهبات المحبة» ليهتم بالأطفال المشردين والعجزة، وفي عام 1952 افتتحت أول بيت لمساعدة المحتضرين في كالكوتا واسمته «بيت القلب النقي» وامتاز باستقباله الفقراء من جميع المذاهب والأديان والأعراق والألوان وتقديم المعونة لهم واحترام طقوسهم الدينية، حيث كان المسلمون يقرأون القرآن، والهندوس يستحمون بمياه الغانج، والمسيحيون يتلقون التعاليم الإنجيلية قبل الموت، وفي عام 1957 اهتمت بموضوع المجذومين والعناية بهم ومع اتساع عملها أسست سلك للرهبان تحت اسم أخوة المحبة عام 1963.

توسعت نشاطات الأم تيريزا خارج الهند حيث باشرت بافتتاح فروع لأخوات وإخوة المحبة في كافة أرجاء العالم لمساعدة الناس دونما تمييز، فساعدت ضحايا انفجار مفاعل شيرنوبل في أوكرانيا عام 1986، وزلزال أرمينيا 1991، والمجاعة في أثيوبيا، كما قامت عام 1982 خلال الحصار الإسرائيلي لبيروت بترتيب إخراج 37 طفلاً محاصراً في أحد المستشفيات المحاصر من قبل القوات الإسرائيلية المعتدية، وبلغ عدد راهبات ورهبان المحبة عام 2007 خمسة آلاف راهبة و450 راهباً يديرون 600 إرسالية ومدرسة وملجأ في 120 دولة.

لم تهتم الأم تريزا بالمال يومًا فقد عرفت برفضها للمال والتبرعات المالية حيث كانت تصر على المساعدة والمشاركة الشخصية من الراغبين، مؤكدة أن أن النجاح ليس المقياس بل الصدق والأمانة والإخلاص في العمل هي المقياس، وقد تم تكريم الأم تيريزا بمنحها جائزة نوبل للسلام عام 1979، وغيرها من الجوائز والميداليات التقديرية من كافة أنحاء العالم، وتوفيت الأم تيريزا 5-9-1997 بعد صراع طويل من المرض، وقام البابا يوحنا بولس الثاني آنذاك بتطويبها في 19-10-2003.

طوال عملها لم تميز يوماً الأم تيريزا بين محتاج أو آخر، ولم ترى العرق أو اللون أو الدين أو المذهب عاملاً يقرب أو يباعد بين الناس، بل رأت أن حاجة الفقير والمحتاج والمريض والمحتضر واحدة، سواء أكان هندوسياً أو بوذياً أو مسيحياً أو مسلماً.. إلخ دونما تفريق.

ونختم بقول للأم تيريزا: «هناك ألوف من الناس ترغب في أن تكون مثلنا، ولكن الله اختارنا نحن لنكون حيث نحن، وذلك كي نساهم في فرح الآخرين ونحن نحبّهم. إن الله يريد أن يحب بعضنا بعضاً، وأن يقدم واحدنا ذاته للآخر حتى ولو كان ذلك صعباً للغاية. ما هم كم نعطي للآخرين، المهم أن نعطي  الحب. وحيثما يكون الحب، يكون الله هناك، وحيثما يكون الله يكون الحب كذلك هناك. فالعالم عطشان إلى الحب، لذلك علينا أن نحمل إليه هذا الحب الذي هو الله».

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.