تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

المواطن العربي و أسباب أخرى لمرض الاكتئاب

             

كشفت دراسة طبية حديثة لمعهد الأبحاث في العاصمة التشيكية براغ عن خمسة أسباب جديدة للإصابة بمرض الاكتئاب الذي يؤدي إلى التخلف العقلي في مراحل متقدمة، ويقود إلى الانتحار في بعض الحالات الخطرة منه.

وحسب تلك الدراسة، التي أوردتها قناة الجزيرة على موقعها الالكتروني(9/8/2010)، فإن الأسباب التي كانت غير معروفة وتم التأكد من خطورتها وهي :* نقص حامض الفوليك مع فيتامين بي 12 في الجسم، *تناول النساء لحبوب منع الحمل، *إصابة ما بين 50 و80% منهن بنوع من الاكتئاب بعد الولادة حتى الطبيعية منها، *شرب الكحول ولو بكميات ضئيلة ولفترات قصيرة، *تعاطي المنشطات التي تضاعف الجهد وترافقها حالة خطرة من الاكتئاب.

ورغم أهمية هذه الدراسة، إلا أنها محدودة جداً ويمكن لأي مواطن سوري (وعربي) عادي وغير مختص أن يضيف أسباباً أخرى عديدة للاكتئاب في سورية والوطن العربي، ومنها؛

أولاً، أنه ما إن يحلّ عيد الفطر وينتهي الصوم، حتى يهرع التجار لرفع أسعار بضاعتهم أضعافاً مضاعفة لتحقيق أكبر قدر من الربح في نهاية الشهر الفضيل بعدما كانوا قد رفعوها في أول الشهر وخلاله بتواتر مستمر؛ فترتفع أسعار المواد الغذائية والألبسة ونحن على أبواب المدارس و"شهر المونة"، وعندما يذهب المواطن إلى التسوّق لشراء بعض الحاجيات يعود مكتئباً لأنه لم يستطع أن يشتري الكثير مما يحتاج ويرغب، فالأسعار أعلى بكثير مما توقع.. وما في جيوبه أقل بكثير مما يظن ويأمل التجار.

ثانياً، أن تفتحَ كل يوم الصحف المحلية لتقرأ في أي صحيفة أربعة أو خمسة أخبار أو تحقيقات أو تقارير عن قيام الجهات المعنية بإقفال عدة مطاعم أو محطات وقود أو محلات مختلفة لمخالفاتها في المواصفات أو بسبب الغش والتزوير أو التلاعب بالمواد التموينية أو بسبب غش المواد الغذائية وتلويثها؛ من الخبز والجبنة واللبنة والزيت إلى اللحمة. فتحتارَ عن أي قيم وأخلاق نتكلم وأي منطق ندّعي وأين مبادئ الدين الحنيف في نهاية هذا الشهر الفضيل، وتخاف على صحتك وصحة أولادك ومستقبلهم، فتنقبض وتنزعج وتتأفف وتكتئب.

ثالثاً، تشعر بالاكتئاب عندما تأتي باكراً إلى عملك، لتجد زملاءَ لك يصلون بعدك بساعتين وربما أكثر.. يتحدثون عن الحاجة إلى المنحة وضرورة زيادة الرواتب، مع أنهم لا يعملون شيئاً، ولا يحضرون إلى العمل قبل العاشرة صباحاً.. ويصلون متكاسلين وكأنهم "يتكرمون" على الدولة بقدومهم (وبعضهم يعتبر سرقة الدولة مكسباً والتهرب من العمل شطارة) ولا يتركون واردة ولا شاردة إلا ويقيّمونها ولا يعجبهم العجب، ومطلوب منك أن تسمع وتهز رأسك...إلى أن تصاب بالدوار في نهاية اليوم وتعود إلى البيت مكتئباً.

رابعاً، تشعر بالاكتئاب عندما "يَخِزُك" ضميرك ووجدانك وأنت تسمع أن شركات كبيرة تسرق كهرباء بملايين الليرات .. وعندما تشاهد جيرانك وهم "يعلّقون" أشرطة كهرباء على شبكة الخطوط النظامية لسرقة الكهرباء، أو يحتالون لسرقة المياه، ثم يأتون إليك ليحدّثوك عن الفضيلة والورع والتقى.. فتصاب بالغثيان والإحباط وتكتئب لأن وزارة الكهرباء، رغم وجود النقص في الطاقة لديها، ما تزال "مطنشة" لا تقوم بأي إجراءات رادعة بحق هؤلاء..

وآخر طرفة، أخبرني بها أحد الأصدقاء أن رجلاً يدعى "أبو بنان" عوقب بالغرامة والسجن بضعة أيام لأنه زوّر الأوراق التي تؤهله للحصول على قسائم استلام المازوت من الدولة بسعر مخفض، وفي يوم خروجه من السجن، جاء في المساء للسهرة مع الجيران (بمناسبة خروجه بالسلامة)، ليرفع صوته مستهجناً ويقول في دفاعه عن النزاهة ونظافة الكف؛ إن جارهم "أبو وجيه" ما بيستحي. وعندما سأله الجيران لماذا؟ قال: لأنه زوّر قسائم المازوت.. وكأن أبا بنان لم يسمع قوله تعالى: كبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون(الصف3).

خامساً، تصاب بالاكتئاب عندما تلاحظ أن البقع والمساحات الخضراء في بلادنا تتناقص وكأن أسراباً من الجراد تأكلها، اذ تقطع الأشجار وتحرق الغابات، وكأن الناس على عداء مع الخضرة والجمال والشجر.. فيما ترتفع مكانها كتلٌ إسمنتية ضخمة تشوّه المنظر والذاكرة ناهيك عن تجمعات المخالفات السكنية التي تواصل الالتفاف حول أعناق المدن تكاد تخنقها ولا أحد يحرّك ساكناً، فيما الاجتماعات الرسمية المتتالية تتكرر والحديث عن الخطط البديلة لا ينتهي وهذه التجمعات السرطانية مستمرة بالتمدد في جسد الوطن.

سادساً، تصاب بالاكتئاب عندما تتذكر أن عدد سكان سورية، مثلاً، كان ستة ملايين نسمة قبل ثلاثين عاماً وهو الآن تضاعف ثلاث مرات ومثله عدد سكان الوطن العربي.. فيما الموارد المتاحة في تناقص مستمر وهائل.. والمشكلة أنه كلما ازداد الحديث عن برامج التوعية للحد من التزايد السكاني استمرت نسبة هذا التزايد في أماكن تزايدها في ارتفاع.. فكيف لا تصاب بالاكتئاب وأنت ترى أن جميع الخطط التنموية ستُحَاصر بهذا التزايد الفوضوي المدمّر، وأن الناس يذهبون بأرجلهم إلى المذبح دون حسّ أو تفكير.

سابعاً، وعندما تخرج بعد العيد في جولة عبر شوارع دمشق وتمر في ساحاتها وتقصد حدائقها، تشعر أن عدواً أو إعصاراً عاتياً مرّ من هناك.. فما خلّفه المواطنون من نفايات وأكياس نايلون، يجعلك تتقزز وتنكمش ويقشعرّ بدنك وتكتئب، وتحس بأن هؤلاء الناس ليسوا مواطنين سوريين قلبهم على بلدهم. فهذا البلد الجميل يستحق منّا بذل جهودٍ أكبرُ بكثير للمحافظة على نظافته وجماله.. يستحق منّا الشعور بالمسؤولية تجاهه.

ثامناً، تكتئب عندما تقرأ أن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس متمسك بـ"الثوابت"، لأنك لا تعرف عن أي ثوابت يتحدث.. وعندما تدقق في نتائج تصرفاته تشعر أن تلك الثوابت هي التهاون مع الاحتلال والتخلي عن الحقوق والاستمرار في تفريق الصف الفلسطيني وتمزيق وحدته.. وتكتئب أكثر عندما ترى أن عقوداً من الصراع مع العدو لم تتمخض سوى عن مزيد من التراجع العربي والانقسام العربي والتخلف العربي والضعف والتشرذم العربي والتخلي عن المزيد من الحقوق العربية.

تاسعاً، تكتئب عندما تشاهد وتسمع نائباً لبنانياً في بلد المقاومة التي دحرت إسرائيل مرتين، اسمه سامي الجميّل يشمخ ويتباهى بالتعامل مع إسرائيل، مع أن دستور بلاده الذي يدّعي احترامه يعتبر أن إسرائيل عدو والتعامل معها خيانة.. و"الأنكى"، قبّحه الله، أنه يتنطح ليعرّف العمالة ولا يخجل من نفسه.. بل هناك من نهضوا ليدافعوا عنه وعن مواقفه لتبرير العمالة والخيانة.

عاشراً، تصاب بالاكتئاب عندما ترى ما يجري في العراق والسودان واليمن وكأنه مكتوب على هذا الأمة الاقتتال والتناحر لتحتفظ لنفسها بمكان في آخر سلم الحضارة والتطور والتقدم.. مع أن الدّين الحنيف يعتبر "المسلمَين المتقاتِلَين في النار".

... غيض من فيض، وهناك أسباب أخرى للاكتئاب وتكفي المذكورة منها أعلاه للجلطة أيضاً.. لكن اللافت أنه رغم كل أسباب الاكتئاب التي يتعرض لها مواطننا، إلا أن نسبة إقدامه على الانتحار ما تزال منخفضة، هل تعلمون لماذا؟ .......... الإجابة عندكم!!

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.