تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الشرق الأوسط بيد أبنائه.. إلى حيز التنفيذ!!

لم يكن أكثر المتفائلين في العالم، يتوقع قبل عشرة أعوام، أن يكون الوضع في الشرق الأوسط على ما هو عليه لجهة التحولات السياسية التي ترسخت في العامين الأخيرين. فمن حالة قاربت الحرب بين سورية وتركيا في نهاية التسعينات من القرن الماضي إلى حالة تكاد تقارب الوحدة في علاقات البلدين وتشمل التنسيق والتعاون في شتى المجالات وذلك بعد تمكن الطرفين من بناء الثقة بينهما على أسس راسخة وثابتة، وما يزال الطرفان يطوّران هذه العلاقات عبر عشرات الاتفاقيات المشتركة التي تم توقيعها وتطبيقها، و أصبحت جذور علاقاتهما ضاربة في القاعدة الشعبية في كلا البلدين، وهو ما يؤمن استمراريتها وتطورها.

بالمقابل، انتقلت العلاقات التركية الإسرائيلية من حالة التعاون العسكري والاستخباري وحتى السياحي... إلى مرحلة من الخلاف والاختلاف، ووصلت حدّ القطيعة، ولاسيما بعدما أن أقدمت إسرائيل على قرصنتها المشهورة في البحر المتوسط(31أيار الماضي) والتي استهدفت سفينة تركية محملة بالمساعدات كانت متجهة إلى قطاع غزة الفلسطيني المحاصر، ولم تطوق ذيول هذه العملية إلى الآن بسبب التعنت الإسرائيلي.

هذا التحول في العلاقات أعاد الأمور إلى طبيعتها. فمن الطبيعي أن تكون سورية وتركيا على علاقات تعاون وصداقة.. وقرابة، وأن تكون العلاقات التركية الإسرائيلية علاقات تنافر واختلاف.

ولكن هذا التطور في العلاقات السورية التركية لم يعد ثنائياً، بل بدأ يتوسّع ليشمل عدداً من الدول الإقليمية ومنها لبنان والأردن. وقد يتوسّع لاحقا ليضم دولاً أخرى ستجد أنه من المفيد الانضمام إلى المنطقة الجديدة.

أجل، منطقة اقتصادية جديدة، حسب توصيف وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، الذي اعتبر أن تأسيس هذه المنطقة بين الدول الأربع تركيا وسورية ولبنان والأردن هو "خطوة تاريخية"(الحياة 28/9/2010). وقال أوغلو إن المنطقة التي سيتم الإعلان عنها قبل نهاية هذا العام ترتكز على "التعاون في التجارة والسياحة والنقل والطاقة". وبمعنى آخر، ستكون تجمُّعا قائما على الترابط الاقتصادي، والمشاريع التي تربط هذه الدول بعضها ببعض، ومن خلال الاتفاق على منطقة تجارة حرة وإلغاء التأشيرات.

وإذا ما تمكنت الدول الأربعة من تنفيذ هذا المشروع فإنه سيقلب منطقة الشرق الأوسط رأسا على عقب؛ لأنه سيعيد مصير المنطقة إلى أيدي شعوبها التي تعرف مصالحها وكيفية الدفاع عنها؛ ولأنه سيوقف التدخل الخارجي فيها ويمنع تمرير المؤامرات عليها؛ وسيوقف حرب الفتن الدائرة فيها ويضع حدّاً لأهمية إسرائيل ودورها وحروبها ووجودها. والأهم أن هذا التكتل الاقتصادي سيساهم في رفاهية شعوب المنطقة وتطوّرها ونموّها عبر قيام المشاريع المشتركة التي ستفتح المجال لمئات الوظائف والأعمال، مما يخلق حالة من الاستقرار الاقتصادي والسياسي في منطقة تعد من أكثر المناطق الملتهبة في العالم. وبكلام أخر، فإن قيام هذه المنطقة سيغيّر طبيعة ومنظومة العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية بين هذه الدول وشعوبها نحو آفاق جديدة من التواصل والتعاون الخلاق والمثمر.

وميزة هذه المنطقة أنها ليست مغلقة بل "ستكون المنطقة الاقتصادية هذه، وهي منطقة تعاون، مفتوحة أمام دول صديقة إن أرادت الانضمام إليها" كما أكد الوزير  داوود أوغلو. وهذا يعني انضمام العراق أو السعودية أو إيران أو كلهم أو غيرهم إليها مستقبلاً...ولكن ليس إسرائيل. وهذا يعني أيضاً أن هذه المنطقة مؤهلة لمنافسة التكتلات الاقتصادية الكبيرة، ولاسيما القائمة على حدودها، وأولها الاتحاد الأوروبي الهرِم الغارق في المشاكل.

فهذه المنطقة تنعم بموقع جيوسياسي فريد، إذا أنها في قلب العالم وتمتلك الكثير من الثروات الطبيعية والباطنية وخطوط النقل والتجارة وتسيطر على عدد من البحار والمضايق.

ولا تتوقع هذه الدول الأربع بالتأكيد أن يتم الوصول إلى هذه المنطقة الجديدة دون عقبات محلية وإقليمية ودولية. وهي مدركة بأن المتضررين كثر وسيفتحون النار عليها عبر وسائل مختلفة لتفشيلها. ولكن قيام هذه المنطقة أصبح أمراً ملحّاً وتمليه التطورات الإقليمية والعالمية، وهو أمر جوهري وأساسي ويستحق الدفاع عنه والتضحية في سبيله.

الشرق الأوسط يسير ليكون مصيره ومستقبله بين أيدي أبنائه.. خطوات التغيير بدأت وهي تمضي بخطى ثابتة وواثقة وهذا يؤشر إلى مستقبل أفضل للمنطقة ولشعوبها.

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.