تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

النفوذ الأمريكي يتراجع.. والأحادية القطبية إلى زوال!!

 محطة الاخبار السورية

 

عقب نهاية الحرب الباردة بين الشرق والغرب وانهيار الاتحاد السوفيتي ومعه حلف وارسو، بدا أن النشوة الأمريكية لا حدود لها. تحدث الرئيس جورج بوش الأب عن نظام عالمي جديد. صار الحديث يتسع عن بزوغ إمبراطورية أمريكية هي الوحيدة في العصر الحديث. شنت الولايات المتحدة منذ بداية تسعينات القرن الماضي وحتى الآن العديد من الحروب؛ في أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط ووصلت إلى أفغانستان، مرّة باسم نشر الديمقراطية وتارة تحت شعار تحرير الكويت وطوراً ضد الإرهاب.. وفي كلّ مرّة كانت تسعى لتوسيع وتعزيز هيمنتها، كانت تكسب المزيد من الأعداء وتخسر العديد من الأصدقاء الذين باتوا يخافونها أكثر من خصومها. وبدا أن السياسات الأمريكية المتعاقبة في العقدين الماضيين، ركنت إلى غرور القوة ولم تستطع أن تخرج من ذاتها لتلاقي العالم بانفتاح وتعاون لطالما رغب هذا العالم أن تسعى القوة العظمى إليهما.

<<فشِلَ مشروع الأحادية القطبية ومشروع إقامة النظام الاقتصادي العالمي على أساس العولمة>>

وفي كلّ مرّة أيضاً كانت تخسر القوة العظمى( Supper Power) الأولى في العالم المزيد من قوتها العسكرية التي تآكلت هيبتها بسبب فشلها في العديد من الصراعات وبسبب انتشارها المترامي في كل أنحاء العالم وتدخلها في نزاعاته.. ولم يكن تراجع القدرات العسكرية النتيجة الوحيدة للحروب الطويلة، لكن الكلفة المالية كانت ترتفع كل يوم. وقد تخطت، مثلاً، هذه الكلفة لحربي العراق وأفغانستان حتى الآن الـ/1050/ مليار دولار. وبعد زيادة عدد القوات الأميركية في أفغانستان، من المتوقع أن تصل الكلفة الشهرية لهذه القوات الى أكثر من 7 مليارات دولار، وهي كلفة بالتأكيد، مرهقة لاقتصاد يعاني أزمة مالية حادة.

وعليه فليس الاقتصاد الأمريكي أحسن حالاً، والأزمة المالية العالمية لم تنته بعد. وكل الإجراءات الاقتصادية والمالية التي اتخذتها إدارة الرئيس باراك أوباما لإخراج البلاد من أسوأ أزمة اقتصادية تواجهها منذ ثلاثينات القرن الماضي، "لم تنجح حتى الآن في إيجاد الوظائف الجديدة أو تنشيط النمو الاقتصادي أو زيادة حجم التبادل التجاري مع العالم لخفض العجز المالي"، (النهار 29/8/2010).

أكثر من ذلك، فإن الإجراءات التقشفية القاسية، وقطع الخدمات الحيوية للمواطنين في مجالات التعليم والنقل والأمن العام وتسريح الموظفين وخفض الميزانيات في العديد من الولايات الأميركية هذه السنة، تهدد ليس فقط بزيادة معدلات البطالة بل بإدخال تغييرات جذرية على حياة الأميركيين للمرة الأولى منذ أجيال.

وللتوضيح، ووفقا لصحيفة السفير(9/10/2010) فقد شهد سوق العمل تدهورا كبيرا في الولايات المتحدة في أيلول الماضي، حيث خسرت البلاد فرص عمل للشهر الرابع على التوالي، وبوتيرة أسرع من الشهر السابق، كما أفاد التقرير الشهري حول فرص العمل الذي تعده وزارة العمل. وألغيت في أيلول 95 ألف فرصة عمل أكثر مما استحدث، ما يعني ارتفاعا لفقدان فرص العمل بنسبة 67 في المئة مقارنة بشهر آب. وفي أيلول شهدت الولايات المتحدة للشهر السابع عشر على التوالي مستوى من البطالة العالية التي تزيد أو تساوي 9،4 في المئة، وهذا ما لم يحصل منذ العام 1948 على الأقل.

وإذا كان تراجع وانحسار قوة الولايات المتحدة عسكرياً واقتصاديا قد أثّر على دورها العالمي ومكانتها الاقتصادية والعلمية والتقنية في العالم، فإن هناك عوامل خارجية أخرى لعبت دورها وما زالت، أيضاً في تراجع القوة الأمريكية على الساحة الدولية.

ففي المجال العالمي الأوسع، هناك عدّة قوى تقف متفرجة على الغرق الأمريكي المستمر؛ تعيد روسيا، مثلاً، بناء قدراتها الذاتية وسط محيط تسعى أن يكون مؤيداً لها، وتعزز قدراتها للانطلاق نحو المركز العالمي الأول عندما تحين الفرصة، وقد تخلصت من الضغوط والتحديات والأحمال التي كان يواجهها الاتحاد السوفيتي السابق. أما الصين فقد تحولت قوة اقتصادية هائلة تكاد تسيطر على الاقتصاد العالمي دون منازع. وفي مفارقة لم يكن في الإمكان تخيلها قبل ربع قرن، فقد تحولت الصين إلى أكبر "مصرف" خارجي لأميركا.

والوضع العالمي الذي اتسم بحالة اللانظام المائلة أكثر للفوضى، سمح باختراقات لقيام دولة إقليمية قوّية، كما لنجاح ثورات ومقاومات وانتفاضات شعبية. وهناك قوى بدأت تمدّ رأسها بعد فشل الولايات المتحدة في إقامة نظام عالمي متعدّد القطبية بقيادتها مثل الهند والبرازيل وتركيا وغيرها. وهذه القوى الصاعدة لا تجد نفسها مضطرة لقبول الإملاءات الأمريكية. وهي بدأت، رغم الضغوط الأمريكية، تشق لنفسها طريقاً وتحجز لذاتها مكانة على الساحة الدولية عبر انتهاج مسار جديد يقوم على التعاون الدولي وليس الصدام لحل المشاكل القائمة والمعقدة غير المسبوقة، التي تواجه البشرية وتهدد مستقبل الأجيال.

وإذا كان الاعتراف سيّد الأدلة، فقد جاء الاعتراف بتراجع النفوذ الأمريكي العالمي على لسان  الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون الذي أكد "أن الولايات المتحدة تفقد نفوذها كدولة عظمى بسبب النمو الاقتصادي السريع لدول أخرى كالصين والهند بشكل خاص. وأكد إن "بلاده في حاجة إلى إصلاحات تضمن استمرارية التقدم الصناعي ولكن على حساب أسباب الراحة لسكانها إلى حد ما" (الخليج3/10/2010).

بل، ويذهب كثيرون أبعد من ذلك، ويشيرون إلى أن انهيار أمريكا مسألة وقت فقط. ويعتمدون في تحليلاتهم على الضعف الاقتصادي للولايات المتحدة التي باتت تستورد أكثر مما تنتج وتبيع ثروتها غير القابلة للاستبدال، وأصولها المالية الأخرى لدفع ثمن المستوردات وخدمة الدين وما يتعلق به، وأنها تخسر السيطرة الاقتصادية وأن النمو ليس إيجـابيا وأن سـياسـة الدولار القوي ولّت إلى غير رجعة.

وتضعضع مكانة أميركا عالمياً انعكس خوفاً لدى أصدقائها وحلفائها وضاعف قلقهم من المستقبل. ويأتي قلق إسرائيل أولاً، لأن التراجع الأميركي أثّر أيضاً على محيط الاعتدال العربي الذي بات مكوناً من مكونات الأمن القومي الإسرائيلي. والفشل الأمريكي في العراق بات واضحاً في طريقة الانسحاب المتخفية للقوات المحاربة من بلاد الرافدين، وفي العجز عن تشكيل حكومة في العراق رغم مرور عدة أشهر على الانتخابات البرلمانية هناك. وفي أفغانستان لا ضوء يلوح في آخر النفق ولا موعد للخروج من المستنقع هناك.. أما إيران فقد دشنت مفاعلها النووي في بوشهر، ويبدو ان أمريكا لن تتجرأ على إسقاط النظام الإيراني، وربما لن تفكر حتى في ذلك، لاسيما بعدما أسقطت نظامي صدام حسين وطالبان ورأت النتيجة.

وفي هذا السياق، يمكن ملاحظة أن الشراكة الأوروبية الأمريكية لم تخدم القارة العجوز التي تبدو حريصة على عدم الابتعاد عن أميركا لئلاّ يؤدي الابتعاد إلى تزعزع نفوذ الغرب عموماً ولذلك تبدو أوروبا مرتبكة في مواقفها..

وبالنتيجة، يمكن أن يلاحظ المرء أن الوضع العالمي الراهن أخذ يتشكل الآن من الوضع الناتج عن فشل الإستراتيجية الأميركية وسقوط نظرية إقامة نظام عالمي أحاديّ القطبية وبسبب فشل مشروع إقامة النظام الاقتصادي العالمي على أساس العولمة، وأن المحصّلة هي دخول الدور الأميركي حجماً وفعالية في وضعٍ من الضعف والارتباك النسبييْن بشكل لم يسبق له مثيل منذ انتهاء الحرب الباردة.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.