تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الحملات الإعلامية.. حقيقية أم رقصٌ في الظلام؟؟

خاص / محطة أخبار سورية

 

تجتهد وزاراتنا المختلفة وأحيانا بعض محافظاتنا بإطلاق الحملات الدعائية والإعلامية كل عام، مثل؛ حملةٌ إعلامية تحت عنوان: النظافة مسؤولية وعنوان.. حملةٌ لحماية البيئة.. حملة إعلامية لتنظيم الأسرة وصحة الأمهات...الخ. الفكرة جيدة، ولكن هناك الكثير من النقاط التي يمكن الإضاءة عليها والتوقف عندها مع بعض الأمثلة، مع أنها جميعها متداخلة.

أولاً، أن هذه الحملات جميعها تشكّل، وإن بنسبٍ متفاوتة، تسطيحاً للمشاكل التي تتصدى لها. فهي ترفع شعارات براقة ولكنها عملياً، بعيدة عن الواقع والمواطن الذي توجه له ولا تدخل في عمق الأشياء ولا تطرح الأسئلة التي يجب طرحها.. ولذلك لا تترك تأثيرها الذي تأمله الجهة المنظمة لها. فمثلاً رغم الحملات الكثيرة والإعلانات التي بثتها ونشرتها إدارة المرور إلا أن حوادث السير لم تتراجع. وتراجعت فقط عندما أحسّ السائقون أن هناك كاميرات تراقبهم على الطرقات وعقوبات ستطالهم بدءاً من حسم النقاط إلى سحب رخصة السوق إلى الغرامات المالية.. إذن الطاعة للقانون المطبّق بالقوة وليس بالاختيار والرغبة، لماذا لأنه لا توجد لدينا ثقافة احترام القانون، بل أغلبنا يحاول الالتفاف على القانون والتشريع  متى أمكنه ذلك.

وبالمقابل، لماذا يلبي المواطنون بالسرعة القصوى نداء وزارة الصحة لتلقيح أطفالهم ضد أي مرض تعلن الوزارة توفر اللقاح ضده!! ببساطة لأنهم لا يستطيعون الالتفاف على أحد أو تحميله المسؤولية ...والمسألة تعني أطفالهم مباشرة؛ فإما يمرض هؤلاء أو ينجون من المرض. ولذلك فوجود القناعة بأهمية ما يقومون به والمصلحة في ذلك، تدفعهم للقيام به دون تأخير أو تلكؤ.

ثانياً، معظم هذه الحملات الإعلامية وهمية. والسبب أنها تجري في غرف وقاعات مغلقة أو في صالونات الفنادق الفخمة أو الأماكن البعيدة عن الناس الموجّهة أصلاً إليهم؛ يجلسُ عدد من الخبراء.. يتحدثون بشكل أكاديمي في ورشة عمل معينة.. يأخذون استراحة يشربون خلالها الشاي ويتناولون الكاتو.. يعودون للنقاش.. تنتهي الورشة يتقاضون تعويضات عليها.. يصدرون توصيات تظل حبراً على ورق دون متابعة النتائج وتقييمها.. تنشر وسائل الإعلام خبراً عن هذه الورشة أو النشاط وينتهي الأمر. كمن يصرخ داخل الحمام، فقد أصم أذنيه فقط.. أما ماذا عرف المواطن عن الورشة أكثر من خبر؟ لاشيء. هل كل المواطنين سمعوا عن النشاط؟؟ أبداً. يتكرر النشاط أو الورشة أو "الحملة" كل عام عبر نفس الأشخاص.. يتغير الزمن والمكان فقط.. وتبقى المشكلة تتفاقم والأضرار تتزايد وكلٌ يغني على ليلاه.

مَن يصدّق أن الحملة الإعلامية: "ماما بخير.. كلنا بخير" لتنظيم الأسرة وصحة الأمهات، قد أدت الغرض المطلوب منها!! أي شيء تعرفه الأمهات العاملات في ريف دير لزور والرقة أو ريف طرطوس أو شمالي حلب وجنوب درعا عن هذا الترف وحوار الصالونات والغرف المغلقة!! كلُّ أمٍّ هناك في تلك المناطق تعتقدُ ان "المولود يأتي ويأتي رزقه معه" و"الله يبارك بالعيلة الكبيرة"... وإلى أن نغيّر هذه القناعة وهذه المفاهيم، عندها يتم تنظيم الأسرة ووقف الزحف السكاني الذي بدأ يلتهم كل شيء وكلّ خطط التنمية التي أصبحت تقف شبه عاجزة أمامه..منذ أن بدأت حملات التوعية السكانية تحولت منطقة الجزيرة السورية من خزان طعام ومصّدرٍ له إلى مصدّرٍ للجياع والعاطلين عن العمل والمهاجرين إلى المدن المكتظة أصلاً..

ثالثاً، الحملات الإعلامية معزولة. هي حملات على الورق أو عبر إعلانات صغيرة ومحدودة وضيقة، وهذا يتنافى أصلاً مع تسميتها حملة. لا تقوم النقابات مجتمعة بهذه الحملات، ولا تشارك بها. لا تعرف وزارة ماذا تقوم به الوزارة الأخرى من نشاط عام. حتى أن بعض الموظفين في الوزارة الواحدة لا يسمعون بالحملة التي تقوم بها وزارتهم!! ولمن لا يصّدق عليه ان يذهب ويسأل موظفي أي وزارة  - ونقدم وزارة الاعلام مثلا- تقوم بحملة إعلامية معينة عن هذه الحملة إن كانوا يعرفون عنها شيئاً أكثر من اسمها، وأحيانا كثيرة لم يسمعوا بها. وإذا كان حال أهل الدار هكذا، فكيف بباقي فئات الشعب التي لا تواكب وسائل الإعلام ولا تصلها الصحف ولا وقت لديها ولا مساحة ولا مكان لحضور الندوات وورشات العمل وهي منتشرة في معاملها وحقولها تكدّ وتكدح لتحرث أرضها أو لتجني محاصيلها.

وبالطبع، لا تشكّل جولةٌ "اطلاعية سياحية" إلى الخارج يقوم بها موظفون معينون قائمون على رأس عملهم منذ عشرات الأعوام حملة إعلامية ولا جانباً منها. ولا يمثل وجود موظفيَن أو ثلاثة في دائرة إعلامية، أياً تكن الكفاءة التي يملكون، كادراً إعلامياً لينهض بالتنمية ويوجّه البلاد نحو تنمية صحيحة مستدامة ومستمرة. كما أن وجود مديرية أو دائرة للتنمية أو للإعلام التنموي في أي مؤسسة أو وزارة (للبرستيج) لا يعني أننا نقوم بدعم التنمية وأنه لدينا إعلام تنموي بحجم الحاجة السورية الكبيرة.. والتلفزيون العربي السوري مثال واضح لما نتحدث عنه.

رابعاً، استمرارية الحملات. إن كل ما يطلق عليه حملة إعلامية عندنا لا يتجاوز تأثيره تأثير مؤتمر صحفي أو حفلة ليوم واحد. الحملة الإعلامية يجب أن تكون منظمة وفق قواعد وأسس وتتطور للوصول إلى الأهداف والغايات المطلوبة، وهذا يستلزم وقتاً طويلاً، لاسيما وأن كانت الحملة تتناول موضوعاً معيناً يحتاج الأمر فيه الى تغيير القناعات مثل موضوع التدخين وتنظيم الأسرة أو العناية بالبيئة وما شابه.

خامساً، الحملات الإعلامية مهمة وضرورية، ولكن الأهم هو "الثقافة"، وهنا بيت القصيد؛ ثقافة النظافة وحبّ الجمال وحماية البيئة والغابات وليس حرقها وقطعها، وثقافة احترام النظام وتطبيق القانون وثقافة تنظيم الأسرة وتربية الأولاد وليس فقط إنجابهم، وثقافة أداء الواجب وثقافة "الضمير الحي" وصحوة الوجدان...الخ.

كلّ الحملات على التدخين لم تقدْ إلى نتيجة. مَن منّا لا يعرف ضرر التدخين المادي والصحي والنفسي، ولكن بعض المدخنين لا يقلعون عن التدخين رغم معرفتهم بهذه الأضرار.. الكثيرون، رغم المرسوم الرئاسي بمنع التدخين، ما زال بعضهم يتباه برفع سيجارته في الأماكن العامة، أو أمام أطفاله أو حتى في بعض الحافلات العامة أو المكاتب الرسمية.. المسألة مسألة فهم وثقافة وقناعة.

والمفارقة انه عندما تسمع العاملين في الوزارات المعنية بالحملات الإعلامية يتحدثون عن نشاطاتهم، تشعر أن الأمور "بألف ألف خير". ولكن عندما تذهب إلى ارض الواقع تجده مختلفاً كلياً. وعلى سبيل المثال: أين جهود تنظيم الأسرة ونتائجها التي تدعي الجهات المعنية أنها حققتها! وإذا كانت هذه الجهود تثمر نتائج إيجابية كما يدّعون وتشير أرقامهم، فعلام يتضاعف عدد سكان سورية كل /15/ عاماً؟؟!!

في الحملة الإعلامية يجب أن يكون الكل مستهدف. ولذلك، يجب استخدام كل ما أمكن من أطراف؛ رجال الدين والمعلمون والكتّاب ووسائل الإعلام... وكل قادة الرأي في المجتمع والمؤسسات والنقابات والجمعيات وكل الإمكانات والوسائل ورصد الأموال وتوفير المستلزمات، وإيجاد الآليات وعبر استخدام الدراسات والبيانات والمنهجية، وعبر الابتعاد عن العشوائية والارتجالية للوصول إلى مَن نريد الوصول إليهم والتأثير عليهم و"إقناعهم" بأهمية ما نطرحه وفائدته لهم ليُقبِلوا على الالتزام به ويعتنقوه ثقافة جديدة صحية يبنون عليهم حياتهم ومسار عيشهم..

ما يتم القيام به  حاليا هو تفريغ الأشياء من مضمونها. والحملات الإعلامية التي يتم الحديث عنها أو القيام بها هي تقليد فاشل للحملات الإعلامية الحقيقية ولا تتضمن منها سوى اسمها.. ومجرّد إنفاق مبالغ معينة على الدعاية أو السفر والتنزه والترفيه لا يشكل حملة إعلامية، بل خدعة إعلامية لا تؤدي إلى أي تطور.. وكل النشاطات الإعلامية غير المنظمة وغير المنسقة وغير المدروسة منهجياً وغير المبرمجة لا تؤدي إلى أي مكان، بل ربما تكون نتائجها عكسية وخطيرة مثل الدواء الذي لا يتم تداوله بانتظام ووفق إرشادات الطبيب.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.