تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

سيادة لبنان في المزاد الغربي!!

يقوم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بزيارة إلى لبنان في الثالث عشر من الشهر الجاري. وقد أثارت هذه الزيارة ثلاثة أطراف رئيسية عبّرت عن غيظها وامتعاضها منها، فيما هناك آخرون ممن يخفون امتعاضهم وقلقهم. والأطراف الثلاثة المعنية هي: قوى 14 آذار في الداخل اللبناني، إسرائيل على جبهة الجنوب اللبناني، والولايات المتحدة الأمريكية.

وتلاقت الأطراف الثلاثة بشكل كامل في وصف الزيارة بأنها "استفزازية"، فيما وصف بعض الكتاب الإسرائيليين وأعضاء في قوى 14 آذار تصريحات الرئيس أحمدي نجاد بخصوص لبنان بأنها تشبه تصريحات هتلر.. بينما رُفعت لافتات في بعض المناطق اللبنانية تندد بزيارة الرئيس الإيراني.

لماذا زيارة الرئيس الفرنسي أو المسؤول الأمريكي أو البريطاني ليست استفزازية؟؟ ماذا لو رفعتْ أطرافٌ أخرى، مثلاً، لافتات تندد وتعتبر زيارة الملك السعودي او الرئيس ساركوزي استفزازية، ؟؟ لماذا يرى هؤلاء زيارة الرئيس أحمدي نجاد إلى لبنان استفزازية، مع أن الزيارة هي لرئيس دولة مهمة في المنطقة بدعوة من الرئيس اللبناني "التوافقي" وبالتالي هي ضمن إطار السيادة اللبنانية، بل وتعكس احتراما كبيراً للسيادة اللبنانية(ممثلة برئيس الجمهورية ميشال سليمان) على أعلى مستوى. وهي ثانياً منسقة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية في لبنان أي مع رئيسي مجلس النواب والوزراء اللبنانيين، وهذا تأكيد آخر على احترام السيادة اللبنانية. وهي ثالثاً، لدعم لبنان وتقديم ما يحتاجه، وقد بدأ تحضير الاتفاقيات المشتركة وتوقيعها بالأحرف الأولى قبل وصول الرئيس الإيراني، مما يعني ان الزيارة بدأت تؤتي ثمارها قبل حصولها.

إذن لماذا هي استفزازية؟؟ هي استفزازية للفريق اللبناني وإسرائيل والولايات المتحدة، لأنها ستعطي دفعاً للمقاومة وصمودها في وجه الاحتلال الإسرائيلي، ولأنها ستقوّي الخط العروبي والوطني في لبنان، ولأنها أعلنت عن تقديم مساعدات عسكرية مفتوحة وغير مشروطة للبنان وهنا بيت القصيد. ففي الوقت الذي لا تسلّم الولايات المتحدة الجيش اللبناني أي أسلحة تجعله قوة يمكن ان تتصدى لأي اعتداء إسرائيلي، وفي الوقت الذي تنشر وسائل الاعلام  معلومات حول تدرّب قوات خاصة محلية لبنانية لمواجهة حزب الله، يبدي الرئيس أحمدي نجاد كل الاستعداد لتزويد الجيش الوطني اللبناني بما هو متوافر لديه من أسلحة تقوّي دفاعاته في وجه إسرائيل وتسانده عسكريا في حال الاعتداء عليه. والغريب هنا والملفت، أن بعض قوى 14 آذار تضع الشروط على إيران لقبول السلاح الإيراني المجاني!!

والسؤال الذي يطرح نفسه هو، هل التسابق الدولي على تحذير لبنان من عقد أي صفقة أسلحة مع إيران هو لخدمة لبنان وسيادته؟! أليست الطلبات الأمريكية والبريطانية بعدم عقد أي صفقة سلاح مع إيران انتهاك للسيادة اللبنانية؟! هل مكافأة الولايات المتحدة لإسرائيل بتوقيع عقد معها لبيعها مقاتلات أميركية (اف – 35)، التي ما من دولة في منطقة الشرق الأوسط تمتلكها، خطوة استفزازية وإخلال بالسيادة اللبنانية المهددة بالخطر الإسرائيلي كل لحظة، أم لا ؟؟ ألا يُحدِث التصرف الأمريكي "خللا حقيقياً في الأمن والاستقرار في المنطقة" لصالح إسرائيل كما قال وزير خارجية سورية وليد المعلم..

لقد اعتدنا أن تنزعج إسرائيل والولايات المتحدة والغرب عموماً من أي محاولات لخلق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بعيداً عن الأهداف الأمريكية والإسرائيلية. ولكن لا نفهم انزعاج فريق لبناني من تقوية لبنان والمقاومة اللبنانية، وأن تتناغم أهداف هذا الفريق وطروحاته وشعاراته وتعليقاته على زيارة أحمدي نجاد إلى "حدّ التطابق" مع الشعارات والطروحات والأهداف الإسرائيلية إلا إذا... كان هناك مطبخ واحد يوزّع هذه التعليقات والتوجيهات ويرددها الآخرون كما وردت إليهم.

إن تشويش فريق لبناني على زيارة الرئيس أحمدي نجاد هو "مناكفة" لفريق لبناني آخر بغرض إزعاجه واستفزازه، ولكنّه، في نفس الوقت، تحدٍّ لرئيس الوزراء سعد الحريري الذي أعلن ترحيبه بقدوم احمدي نجاد، وربما لهذا السبب بدا جلياً تراجع حدة الهجوم على زيارة الرئيس الإيراني. وهذا التشويش يعبّر عن انزعاج قوى 14 آذار من ثبات وصمود المقاومة وازدياد منعتها، فيما هو يرى قوة لبنان في ضعفه وفي حياده الذي ثبت عملياً أنه غير ممكن.

أما التشويش الإسرائيلي، فهو يعبّر عن ضيق وقلّة حيلة حيث يصل الرئيس الإيراني إلى جنوب لبنان ليزور  الأماكن التي تمرّغت فيها الأنوف الإسرائيلية العسكرية المتعجرفة. بالطبع ستنزعج إسرائيل التي لم تنسَ بعد هزيمتها على أيدي المقاومة عامي 2000 و2006، من رؤية هذه المقاومة تبني نفسها وتؤسس "للبنان" يشكّلُ شوكة في عيونها ويضع حدّاَ لغطرستها وغرورها.. حيث الكلاب تنبح والمقاومة مستمرة في مسيرتها.

أما الصخب الأمريكي والحنق من زيارة أحمدي نجاد، فمردّه ضعف القدرة الأمريكية على التأثير والفاعلية، وهدفه التخريب وخلخلة العلاقات الإقليمية في المنطقة ومحاصرة الجمهورية الإسلامية وإضعافها وتكبيل جبهة المقاومة، وتقديم الدعم المعنوي والسياسي لإسرائيل لتقويتها بالمقابل.

الولايات المتحدة (ومعها إسرائيل) لا تريد أي تفاهم بين دول المنطقة، لأن ذلك يمنعها من خلق المشاكل والتوترات التي تخدم مصالحها. وفي هذا السياق، أتى أيضاً ضغط واشنطن على مصر لمحاصرة إيران، عندما أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر، بشأن استئناف الرحلات الجوية بين مصر وإيران، أن واشنطن "حثّت" جميع الدول وبينها مصر عدم توقيع صفقات تجارية مع إيران. والسؤال، مَن سمح للولايات المتحدة حشر أنفها في شؤون المنطقة!؟ أليس هذا انتقاص آخر من السيادة المصرية أيضاً؟؟

عندما يأتي الرئيس الإيراني أو أي مسؤول أخر، ليقدم دعما مفتوحاً إلى لبنان ولا يكون مؤيداً للمواقف الأمريكية والإسرائيلية ومن يقف في صفهما في الداخل اللبناني، تعتبره الأطراف "الثلاثة" انتقاص من السيادة اللبنانية. أما عندما تقصف الطائرات الإسرائيلية البنى التحتية اللبنانية وتخرق سماء لبنان كل يوم وتعتدي على أرضه ومياهه وشعبه، وعندما تمنع الولايات المتحدة كل أسباب القوة عن لبنان وتمنحها لإسرائيل، فلا يمثل ذلك خرقاً وانتقاصاً للسيادة اللبنانية في نظر الثلاثي المذكور.

ربما على بعض اللبنانيين أن يستفيقوا، ليروا الأوضاع على حقيقتها وقد تغيرت كثيراً، وأن إسرائيل والولايات المتحدة غير قادرتين على القيام بالفعل، وهما لا تعنيان الكثير لأهل المنطقة، الذين بدأوا مشروعهم الكبير للشرق الأوسط بعدما أسقطوا المشروع الأمريكي الإسرائيلي.. وربما على هذا البعض الاستفاقة أيضاً لمعرفة حقيقة من يخلّ بالسيادة اللبنانية ومن يحترمها، ويكفوا عن .....التهريج.

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.