تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

طرطوس تغرق في المياه الملوثة.. أما العذبة فإلى البحر

محافظة طرطوس على شاطئ المتوسط غرب سورية. تتمتع بطبيعة خلابة، جبالها خضراء طيلة فصول السنة. تكثر فيها الغابات والنباتات الطبيعية، وتنمو مختلف أنواع الأشجار ولاسيما البرية مثل السنديان والبلوط والبطم والخرنوب والدلب، والمثمرة مثل الزيتون والبرتقال والليمون والجوز. أمطار طرطوس تتجاوز الـ/1000/ملم سنوياً، ومنها المعدنية أيضاً في منطقة الدريكيش.. أما تربتها فمعظمها غضارية نفوذة. في طرطوس نهضة عمرانية وعلمية كبيرة وهي من المحافظات المتقدمة علمياً، ولكنها تقبع أيضاً على آثارٍ قديمة وجميلة تحكي قصة الحضارة التي كانت سائدة هناك وتؤكد أن المدينة ليست غرّة في تسلق المجد..

طرطوس، التي يفترض أن تكون مدينة سياحية من الدرجة الأولى، تكاد لا ترى إلا قليلا من السياح السوريين الذين "تناسبهم" أسعارها الرخيصة نسبياً، أما السياح العرب والأجانب فهم عملة نادرة في المحافظة. ربما لأن المحافظة لم تكتشف بعد أو لأنها مهملة في قاموس وزارة السياحة.

طرطوس التي يفترض أن تكون واحة من الجمال والتنظيم تعاني من مصاعب كثيرة، ونِعمُها التي ذُكِرتْ أعلاه تكاد تكون لعنتها التي ابتلت بها.. فالتلوث يكاد يكون في كل مكان ويهدد المدينة وريفها.

أولاً، مشكلة الصرف الصحي ومخلفات المعامل وتحديداً مخلفات معاصر الزيتون. وهذه المياه الآسنة والمخلفات تذهب إلى الأنهار وتصب في البحيرات والإحراج والوديان وبعضها يواصل طريقه على البحر. أما خطرها الكبير فهو على المياه الجوفية التي بدأت بالتلوث. وهذا التلوث يظهر في المياه المتدفقة من بعض الينابيع وهو ما بات يشكل خطراً كبيرا على سلامة المواطنين في المحافظة.

ورغم مخاطر التلوث التي لم تعد سراً، فإن الحلول ما تزال عقيمة ومحدودة ومحطات معالجة الصرف الصحي لا زالت على الورق فيما المشكلة تتسع وتتفاقم.

وإلى جانب ذلك هناك النفايات الصلبة التي تملأ الوديان وأطراف الأحراج والعديد من المناطق، والتي أصبحت بدورها، مشكلة خطرة لم يتم التصدي لها إلى الآن. وهذه النفايات جميعها تسبب الروائح الكريهة والمضرّة ولاسيما عند إحراقها. كذلك تسبب انتشار الحشرات الناقلة للأمراض والأوبئة.

وفي طرطوس أيضاً مشكلة خاصة بها، هي تلوث الهواء. فإلى جانب حرق النفايات وما يتركه ذلك من روائح قاتلة، هناك الغازات والغبار الذي يطلقه معمل إسمنت طرطوس ومحطة بانياس ومصفاتها. ولعل انتشار مرض السرطان بأنواعه أحد نتائج هذه السموم والأبخرة.

ثانياً، تعاني المحافظة من مشاكل جديدة لم تكن موجودة فيها مسبقاً، وأهمها الخلل البيئي الذي بدأت تظهر آثاره في الأمراض الغريبة التي بدأت تصيب النباتات والأشجار المثمرة والمحاصيل الزراعية. ولعلّ استقدام أنواع جديدة من المزروعات والأشجار مثل الموز والخرما وانتشار البيوت البلاستيكية بشكل هائل واستخدام المبيدات الحشرية، أخل بالتوازن البيئي بشكل كبير جداً، وسبّب انتشار أمراض وأوبئة لم تكن تعرفها المحافظة من قبل..

ثالثاً، ضياع المياه العذبة في طرطوس. فرغم ان المحافظة تشهد أعلى نسبة هطول مطرية في سورية كل عام تقريباً، إلا أن معظم هذه الأمطار تذهب إلى البحر، لأن السدود التي تم تنفيذها قليلة جداً ولأن السدود المنوي تنفيذها تعاني البطء والتأخير مستهلكة الزمن والمال العام. ولذلك، فإن مناطق كثيرة ما تزال تعاني، ولاسيما في الصيف، نقصاً كبيراً في مياه الشرب والسقاية وري الأراضي والمحاصيل الزراعية. ولعل منطقة القدموس وقراها التي يتجاوز عدد سكانها الـ/20/ ألف نسمة، أكثر المناطق حرماناً وحاجة للمياه.

وفي نهاية المطاف، تحتاج طرطوس إلى اهتمام خاص ومتابعة حقيقية و"حلول عاجلة" لإنقاذها عبر عملية إسعافية سريعة، قبل ان تغرق في بحر من التلوث أو تختنق من سحب حرائق النفايات ودخان الأبخرة السامة، فيما لا تجد ماء نظيفاً تستحم به في صيفها الحار والرطب، "كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء على ظهورها محمول".

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.