تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

فتحي أحمد: خط بارليف الذي طرزته جدتي

 

محطة أخبار سورية

منذ نعومة أظفاري كان بيت جدتي مزارا لنساء الحي بحكم أنها تجيد مهنة الخياطة والتطريز؛ أتذكر يوما كنت أرقد بجوارها حينما دفعني حب الفضول لأعرف ماذا تصنع؟ حيث دخلت إحدى جاراتنا إلى حجرة جدتي التي خصصتها للخياطة وجلست أمامها حاملة في يديها بضعة أمتار من القماش وحفنة من الحرير وطلبت من الخياطة جدتي أن تحيك لها ثوبا مطرزا بالحرير، على شكل خط بارليف؛ فتمتمت جدتي وهزت برأسها أنها موافقة.

 

خط بارليف اسم غريب سمعته لأول مرة، فأنا لا أعرف بارليف، ولا حتى جدتي الأمية تعرفه سوى أنها تعرف نموذج التطريز. فالفضل يعود بمعرفتي لخط بارليف إلى أستاذ التاريخ.

 

اللافت للنظر أن إسرائيل روجت كثيرا لهذا الخط، وقالت إذا حاول الجيش المصري عبور القناة فستتم إبادته، وقالت إنه أقوى من خط ماجينوه الذي بناه الفرنسيون في الحرب العالمية. فالسياسة والخطط العسكرية أضحت الشغل الشاغل لأهل فلسطين، فهي تداول في المجالس وأمام الحوانيت، حتى على ثياب نسوتنا نرى ملامح السياسة.

 

فإذاعة "لوندن"- هكذا كان آباؤنا وأجدادنا الفلسطينيون ينطقونها- قد دخلت في كل بيت وحارة، ومنها تعلم الشعب الفلسطيني كيف يحكي في السياسة ويتتبع مصير قضيته منذ الانتداب حتى الاحتلال. فمن خلالها عرفوا ما هو الجدار الترابي الذي بلغ ارتفاعه 22 مترا المسمى خط بارليف الذي أزيل بخراطيم المياه المصرية وبأيد مصرية شجاعة، وبقرار سياسي أمريكي مصري.

 

لقد حدثنا التاريخ عندما وصل الجيش المصري الباسل في حرب أكتوبر إلى أبواب غزة عاد إلى حيث انطلق بقرار سياسي، بعد ذلك اليوم بدأنا نتيقن أن غزة هي غزة ومصر هي مصر، لا يوجد شبه بينهما إلا لغة الضاد؛ غابت عن بال السادات وقتها- بقصد- مقولة سيدنا عمر بن الخطاب "لو تعثرت دابة في العراق لسألني الله عنها".

 

هنا يمتحن القادة، فسبق السادات سعد زغلول زعيم حزب الوفد إلى مؤتمر الصلح حينما طلب منه التحدث عن فلسطين الواقعة تحت الانتداب، وقتئذ أنا لا أتحدث إلا عن مصر فقط، فالشعب الفلسطيني رسمت نساؤه على ثيابهن خط بارليف ليتذكرن عارا يجب أن يزول، فرغم أنهن ارتدين خط حاييم بارليف المطرز على بضع أمتار من القماش فقد كان يعني لهن زيادة الانتماء للأمة المصرية وحسرة على تقسيم أرض الكنانة بجدار إسرائيلي في قلبها، وبالتحديد في المنطقة الأكثر حيوية، وشريان حياتها.

 

فتشرين السورية وأكتوبر المصرية ذكرى حرب واحدة خاضتها مصر وسوريا معا لتحرير أراضيهما، فلا الجولان عادت ولا سيناء حررت؛ الجيش السوري عاد بعد الحرب خالي الوفاض، وفرح العرب والمصريون بنصر الجيش المصري على الصهاينة حينما بدد خط بارليف.. هذا الحلم لم يكتمل بدون فلسطين، لماذا يحاول القادة العرب أن يكبحوا رغبة شعوبهم التواق لتحرير فلسطين؟

 

أكثر من اثنين وثلاثين عاما مضت على تحرير سيناء تفاوضيا والقيادة المصرية توهم نفسها أنها حققت شيئا على صعيدها الشخصي! "إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت"، مصر حرة ومستقلة دون تحرير فلسطين، استقلال ناقص لا طعم له ولا لون.

 

هذا واضح اليوم بعد الحصار المضروب على القطاع والمتاعب التي تعانيها الجمهورية المصرية، فلو كانت فلسطين محرره، يعني سيادة فلسطينية كاملة، فهذا يعني أنه لا توجد مراقبة أمريكية ولا إسرائيلية على مصر، أي لا تحمل الحكومة المصرية ما لا طاقة لها به اليوم يقع على كاهلها مسؤولية خرق الفلسطينيين لما يسمى الحدود المصرية الإسرائيلية، والذي اضطرها في النهاية إلى بناء الجدار الفولاذي بسبب وجود الأنفاق المخصصة لتهريب السلاح والأشخاص والبضائع.

 

فيا ليت السادات اتخذ قراره المصيري وأوعز لجنوده بتحرير غزة وباقي مدن فلسطين لكان وفر على من تربع على كرسي الحكم من بعده عناء التعب الجسدي والفكري..

 

وأخيرا، لا بارليف الجدار بقي، ولا ثوب جدتي.. تحررت سيناء حسب الرؤية الإسرائيلية، وبقيت غزة ترزح تحت الاحتلال.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.