تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

نقطة البوعزيزي

مصدر الصورة
الوطن

 

«على قلق» والريح ليست تحتي كي «أوجهها جنوباً أو شمالاً» على حد قول أبهى شعراء العربية؛ المتنبي. على قلق وليلة الجمعة– السبت، تمتد بي بلا نهاية، وريحها تعصف بهواجسي، تدحرجها كرة من شوك في عتم ليلة لا تكاد تنتهي.

في العشية كنت قد رأيت مجموعة صور فوتوغرافية للخريج الجامعي التونسي الشاب محمد البوعزيزي، الذي سكب الكاز على نفسه وأضرم النار في جسده، أمام مقر بلدية سيدي بوزيد في السابع عشر من كانون الأول 2010.

وكالات الأنباء قالت: إن محمد البوعزيزي العاطل عن العمل والبالغ من العمر ستة وعشرين عاماً قد أقدم على الانتحار «احتجاجاً على قيام شرطة بلدية المدينة بمصادرة العربة التي كان يبيع عليها الفاكهة والخضار». إلا أن بعض التقارير أضافت بعداً آخر للقضية، إذ قالت: إن البوعزيزي أراد أن يندد «برفض سلطات المحافظة قبول شكوى أراد تقديمها بحق شرطي صفعه أمام الملأ».

إذاً هم لم يظلموه وحسب بل صَمُّوا آذانهم عن مظلمته، ومنعوه من التقدم بشكوى! وهذه قسوة مزدوجة قد تكون فوق احتمال الإنسان، فكان أن قرر محمد البوعزيزي تحويل كيانه برمته إلى صرخة احتجاج!

أعترف لكم أنني، كنت ولا أزال، لا أقر الانتحار، بغض النظر عن الأسباب الداعية إليه، إلا أن انتحار محمد البوعزيزي، اضطرني لإعادة التفكير بالمسألة من جديد. والحق أن النيران التي أودت بحياته بعد عذاب أليم دام نحو أسبوعين، ما تزال تواصل اضطرامها في رأسي حتى الساعة.

سألت نفسي قبيل فجر أمس وملح القلق يحرق عيني، بماذا كان يفكر محمد البوعزيزي قبل أن يقدم على الانتحار؟ وخلال لحظات وجدتني جالساً أمام الكمبيوتر أطرح السؤال نفسه على محرك البحث «غوغول» فعثرت على رسالة الوداع التي وجهها البوعزيزي إلى أمّه من خلال موقع «فيسبوك» باللهجة المحكية التونسية:

«مسافر يا أمي، سامحني، ما يفيد ملام، ضايع في طريق ما هو بإيديا، سامحني كان عصيت كلام أمي. لومي على الزمان ما تلومي عليّ، رايح من غير رجوع. يزّي (يكفي) ما بكيت وما سالت من عيني دموع، ما عاد يفيد ملام على زمان غدّار في بلاد الناس. أنا عييت ومشى من بالي كل اللي راح، مسافر ونسأل زعمة السفر باش ينسّي».

ثمة مفردات قد تكون غير مفهومة للقارئ المشرقي لكن الأسى لا يخفى!

ممتلئاً بحضور ذلك الشاب المقهور محمد البوعزيزي الذي صنع بكيانه التغيير، أتذكر كلاماً كنت قد كتبته قبل سنوات:

«عندما تدفع الروح الشجاعة الجدار، يختفي! حتى الباستيل؛ أسمك جدر في التاريخ، تبخَّر بلمسة بسيطة من الروح!».

«أكبر خزان في العالم يفيض بنقطة واحدة… وكل من راهنوا على خنوع الماء، جرفتهم نقطة

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.