تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

درس تونسي ... لكل الأنظمة العربية

محطة أخبار سورية

ربما كان الرئيس زين العابدين بن علي الرئيس العربي الأكثر قرباً من الغرب وتحديداً دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية التي كان حتى الأول من أمس يطلق عليها تسمية: «أصدقاء تونس» وكانت تلك الدول تشكل الداعم الرئيس للنظام التونسي «الشريك الأول للاتحاد الأوروبي»، ولمن لا يعرف تونس فالسفارة الأميركية فيها كانت تحتل مساحات شاسعة وسط عاصمتها وكانت الأكبر في شمال إفريقية، وزعماء أوروبا كانوا يمضون إجازاتهم فيها وكانت الوجهة المفضلة للسياح الأوروبيين بتشجيع ودفع من حكوماتهم دعماً لاقتصاد «الرئيس الصديق».

حتى الآن لا نعرف حقيقة وتفاصيل ما حصل في تونس خلال الأيام والساعات الأخيرة، لكن المؤكد أن الشعب التونسي ضاقت به الحال إلى أن انتفض فارضاً إرادته وقراره ومطالبه على الرئيس والحكومة، فحصل ما حصل ورحل بن علي أمام دهشة وذهول «أصدقاء تونس» وكل من يعرفها وزارها وتذوق شمسها وضيافة شعبها الاستثنائية.

الدرس الآتي من تونس قاس والضحايا كثر، لكنه درس لا يمكن لأي نظام عربي تجاهله وخاصة الأنظمة التي تعتمد سياسة تونس ذاتها في الاعتماد على «الأصدقاء» لحمايتها وحماية كراسيها، فما حصل عاد ليذكرنا بشهامة وشجاعة الشعوب العربية وضرورة احترام إراداتها وتطلعاتها، والأهم من هذا وذاك ضرورة أن يكون الشعب والدولة منسجمين في مركب واحد يساندان بعضهما بعضاً في السراء والضراء.

اليوم يجتاح العالم العربي العديد من الأزمات والتحديات بينها المفتعل وبينها الطبيعي، وأمام هذه الأزمات والتحديات لا بد للقادة العرب المرتهنين للغرب الاستفادة من الدرس التونسي في تحديد خياراتهم وصناعة مستقبل بلدانهم، فالقرار يجب أن يكون عربياً ونابعاً من مصلحة الشعوب العربية وليس مصلحة الدول البعيدة، يجب أن يكون خدمة لأمن واستقرار المنطقة العربية وليس افتعالاً للفتن والأزمات الداخلية التي لا يستفيد منها سوى أعداء العرب، عليهم أن يراهنوا على الشعوب وليس على «الأصدقاء» المزيفين الذين كانوا أول من تنصل من حكم الرئيس بن علي والسبب بسيط وهو أنهم لا يرون في صداقاتهم سوى مصالحهم ومصالح كبرى شركاتهم ضاربين عرض الحائط بمصلحة أصحاب الأرض وأصحاب القضية وإراداتهم.

ومن تونس إلى لبنان، وإلى الأزمة التي بدأت تعصف بالبلد الجار، وهنا لا بد أيضاً من التذكير بضرورة احترام إرادة الشعب اللبناني والعمل على ترسيخ أمنه واستقراره، فالمراهنة على الدول الغربية وتدخلها لا جدوى منها، ومستقبل لبنان يصنعه أبناؤه وفي حال تعذر عليهم الأمر، فيجب أن تهب دول المنطقة كما فعلت سورية والسعودية لمساعدتهم وهذه أيضاً مهمة تركيا الدولة الجارة التي قررت مع دمشق أن مستقبل المنطقة تصنعه شعوبها ومهمة الدول العربية الحريصة على أمن لبنان واستقراره واستقلالية قراره ليخرج معافى مما يحبك له من أزمات وفتن قد تصيب كل المنطقة العربية وشعوبها.

إنه درس قاس، لكنه يعلمنا أن تجربة التفاف الشعب حول قيادته هي التجربة الصحيحة والمنيعة والضامنة لأمن واستقرار الشعوب والأوطان، وهذه تجربة سورية التي طالما كانت قيادتها إلى جانب خيارات وتطلعات الشعب، صحيح أنها دفعت ثمناً باهظاً في العقوبات وخسرت «الأصدقاء» في الغرب لكنها ربحت الشعب وكل الشعوب العربية التي تنظر إلى سورية بإعجاب وتقدير لما تمثله من طموح لكل عربي مقاوم، وربحت كذلك صداقة الدول التي تحترم بصدق حق الشعوب في تقرير مصيرها واستعادة حقوقها المغتصبة وتساندها في إصلاحاتها وتقدم خبراتها وتجاربها دون أن تفرض شروطها.. وبالعودة إلى الدرس التونسي، ولنكون منصفين وواقعيين، فالدرس ليس موجهاً للقادة العرب إنما لقادة الغرب الذين اكتشفوا من خلال التونسيين أن الشعوب العربية شعوب حرة تفرض كلمتها وإراداتها ولا تكترث بمصالح «الدول الصديقة» التي في أغلبيتها موجهة ضد كل إنسان عربي، وانطلاقاً من تونس سيكون على قادة الغرب إعادة حساباتهم والتعامل مع الشعوب العربية على أنها شعوب قادرة على فرض إرادتها وقرارها وهي شعوب حرة لا ترتهن إلا لمصالحها ومصلحة أوطانها، لا تعرف الاعتدال وهي أكثر تطرفاً مما يتوقعه «الأصدقاء» حين يتعلق الأمر بكرامتهم وحقوقهم.

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.