تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

عن حكومة الفتنة العتيدة وتسجيلات التحقيق الدولي

 

قال رئيس تحرير صحيفة "السفير اللبنانية طلال سلمان في افتتاحيته اليوم: ها هو لبنان يُقاد، مرة أخرى، إلى ميدان المواجهة المباشرة مع مشروع الهيمنة الأميركية ـ الإسرائيلية، في غفلة من حكامه، إذا ما نحن أحسنّا الظن فيهم، أو عبر تواطؤهم على سلامة وطنهم الصغير وشعبه عاشق الحياة والذي أكد ـ بدمائه ـ أنه يستحق مجد هويته العربية المهددة الآن بالفتنة، بعدما نجح في مواجهة الحرب الإسرائيلية في تموز 2006 والتي كانت إدارتها أميركية مباشرة، ورأيناها بالعين المجردة عبر حديث كونداليزا رايس أمام سرايا الحكم في بيروت كما في السفارة الأميركية في عوكر ولقائها الفريد في بابه.

يمكن أن نفهم، بالطبع، أغراض العدو الإسرائيلي المعززة بأهداف مشروع الهيمنة الأميركية على المنطقة... ولكننا لا نفهم أن يتغافل أو يتعامى مسؤولون كبار وقادة سياسيون أفذاذ في لبنان عن ذلك كله، وأن يندفعوا في طريق الغلط بما يهدد هذا الوطن الصغير في وحدته، وهي ضمان سلامته، بل وفي حق شعبه في الحياة بكرامة، وهو قد دفع ثمنها من دمائه جيلاً بعد جيل.

ألا ينتبه هؤلاء القادة المتطلعون إلى السلطة إلى خطورة الأحداث التي تخلخل الكيانات وتضرب وحدة الشعب في أكثر من دولة عربية (العراق، اليمن، فضلاً عن السودان الذي تمزق مرة وربما يتمزق مرة ثانية..) والدور الأميركي فيها، ومعه دائماً وكيله الإسرائيلي الذي ارتفعت رايته في جنوب السودان، وتكشف ضلوعه في مجازر العراق، ولم ينف عن نفسه أبداً ضلوعه في تغذية الحرب الأهلية في اليمن إلى حد تهديد وحدة شعبه بالفتنة، جنباً إلى جنب مع الإدارة الأميركية؟!

ألا ينتبه هؤلاء إلى ثورة شعب أبي القاسم الشابي في تونس وتصديه للطاغية زين العابدين بن علي حتى خلعه وطرده من البلاد التي حكمها بالنار والحديد طيلة ثلاث وعشرين سنة، وعز عليه المنفى حتى قبلته السعودية لاجئاً على عادتها في تأمين المأوى لمن ضيّقوا على أنفسهم الأرض فصاروا عبئاً على مضيفيهم؟

أية حكومة في لبنان يمكن أن تستولدها المحكمة الدولية التي حددت موقفها، مسبقاً، وعبر لجنة التحقيق الدولية، بتبرئة إسرائيل من جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري (حتى من قبل أن تسألها..)، ثم بتوجيه التهمة ـ عبر وسائل الإعلام والأبواق السياسية المأجورة ـ إلى أهل المقاومة في لبنان؟!

أية حكومة يمكن أن تستولدها السفيرة الأميركية في بيروت التي تتنقل برشاقة من جهة إلى أخرى لحشد أصوات التكليف ليس للرئيس سعد الحريري بشخصه بل لبرنامج الفتنة الذي سيفرض عليه، إذا ما أحسنّا النية، مرة أخرى، واعتبرناه غافلاً عما يدبّر له وللبنان ـ المنقسم على نفسه ـ عبر تشكيلة اللون الواحد، إذا ما قدّر لها أن ترى النور... ومن أين سيأتي النور والعملية تآمرية بطبيعتها؟!

إنها حكومة تجريم المقاومة، كيفما كانت تشكيلتها،

وهي حكومة اتفاق 17 أيار الجديد، الذي ستحاول عبره واشنطن ومعها دائماً إسرائيل، الانتقام لإسقاط الاتفاق السابق الذي أجهضته الإرادة الوطنية قبل إقراره، وكادت تسقط معه أبطاله الذين ساهم في كشفهم رفيق الحريري، ولم يكن قد دخل ميدان العمل النيابي أو الحكومي بعد... ولعل هذا الدور، على محدوديته، قد ساهم في المرحلة التالية بتأهيل «القومي العربي» المتحدر من صيدا، والقريب من أهل الحكم في السعودية، والذي نجح في كسب ثقة دمشق، لكي يصير رئيساً للحكومة ولمرات عدة.

هل يحتاج أي مواطن إلى أكثر من سليقته ليعرف أن الإدارة الأميركية لا تستطيع فرض حكومة في لبنان بالاستناد إلى محكمة دولية مشبوهة الدور، وإلى الشهادات الإسرائيلية المتكررة ـ مجاناً! ـ للمساعدة على تركيب قرار ظني يهدف إلى تحقيق ما عجزت عنه حرب تموز، أي محاولة تشويه صورة المقاومة وتقديم مجاهديها بصورة القتلة؟!

إن حكومة جديدة تبنى على هذه الأسس المتهالكة لن ترى النور، وإن كان الإصرار على محاولة تشكيلها هو إصرار على إثارة الفتنة بالنيابة عن الإدارة الأميركية والاحتلال الإسرائيلي.

واللبنانيون، بمختلف أطيافهم وطوائفهم، قد واجهوا من التجارب والمحن ما يكفي لتجنب الفتن، واستنقاذ بعض من يأخذهم الغرور بقوة أعدائهم إلى ما لا يقبله منهم أقرب الناس إليهم.

... هل من الضروري التذكير بمصير الذين خالفوا إرادة شعبهم أو حاولوا إهانة تاريخه وتضحيات أبطال صموده والذين حموا استقلاله وكرامته بدمائهم؟

أليس زين العابدين بن علي المثل الصارخ على استجابة القدر لإرادة الشعب؟!

[ [ [

ملاحظة شخصية، أرجو أن يسمح لي القارئ بإبدائها:

لقد استمعت كما استمع كثير من اللبنانيين إلى الشريط المسجل للقاء الذي تم بين الرئيس سعد الحريري وبين المحقق في لجنة التحقيق الدولية السيد لجمي محمد علي، وبثه تلفزيون «الجديد» ليل أمس.

ومع التنويه بالسبق الصحافي لتلفزيون «الجديد»، والذي يشكل وثيقة هي غاية في الأهمية لمن أراد معرفة الرئيس سعد الحريري عن قرب، وطريقة تناوله الموضوعات ذات الأهمية الاستثنائية، فإن ما ورد على لسانه متصلاً بي شخصياً إنما يسيء إليه وإلى ذكرى أبيه الشهيد أكثر مما يسيء إليّ.

فليس سراً أن صداقة متينة قد ربطت بين الرئيس الشهيد وبيني، ابتداء من خريف العام 1982، وكانت البداية في دمشق حين كان يجيئها بمعية الأمير بندر بن سلطان في جهد من أجل إقامة وحدة وطنية في لبنان.

ولقد امتدت هذه الصداقة التي شهدت خلافات حادة وافتراقاً في الرأي في العديد من الأحوال حتى عشية استشهاده، إذ كنت بين آخر من التقاهم ليل الأحد الواقع فيه الثالث عشر من شباط 2005.

وأحفظ للرئيس الشهيد الذي تجرأ على «السفير»، في سابقة نادرة، فعطلها عن طريق النيابة العامة لمدة أسبوع (بين 13 و20 أيار 1993)، أنه وبعدما وعى خطورة ما أقدم عليه، والتفاف اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم من حول «السفير»، تمسكاً بحرية الرأي والتعبير، واحتراماً لدور هذه الجريدة في خدمة وطنهم، قد بادر بعد ارتكابه هذه الغلطة مباشرة إلى دعوة نقابة الصحافة وتكليفها بالاشتراك في تعديل قانون المطبوعات بما يكفل عدم تكرار خطيئة التعطيل السابق للمحاكمة والإدانة..

ولعل الرئيس الشاب يتذكر، أو يجد إلى جانبه من يذكره، أنني تعرضت لمحاولة اغتيال إجرامية، فجر يوم الرابع عشر من تموز 1984، وأثناء عودتي من لقاء مع أبيه لم يكن مقرراً، بل ذهبت إليه ـ تحت ضغط إلحاحه ـ ... للسمر!

في ذلك الفجر أصيب معي رفيقان، أصيب أحدهما في عينه، وأجريت للثاني سبع عمليات جراحية، وأصبت في وجهي مما جعلني مهدداً بالشلل، لكن الله أكرمني بأن كتب لي الحياة.

وغني عن البيان أن ثروات الأرض جميعاً لا تعادل قطرة دم واحدة تهدر غيلة...

أما تاريخ «السفير» فيشهد لها بما يشرفها ويحصنها بالتفاف جمهور القراء في لبنان وفي دنيا العرب من حولها، ولن تسيء إليها فرية أطلقها من لا يعرف ومع ذلك يتجرأ على توزيع الشهادات على من لا يحتاجونها لا منه ولا ممن هم أعرف وأغنى وألصق بتاريخ البلاد وناسها.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.