تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

للياسمين عطر وأشواك ودموع....

 

محطة أخبار سورية

ثلاث دمعات... والرابعة تونس،  في ثورة الياسمين...

ثلاث طرقات على الخشب وتبدأ ملحمة الزيتونة الخالدة، لكنّ مؤلّفها ومخرجها وأبطالها هذه المرّة هو الشعب الذي لا يريد إلاّ الحياة.... ولا شيء غير الحياة.

ثلاث وقفات أمام شعارها الوطني الذي كُتب عليه: (نظام، حريّة، عدالة).

< الدمعة الأولى: على خدّ لم يجفّ بعد... وعلى دماء لم تجفّ بعد، سالت لتسقي علم (الخضراء) الذي كاد أن يفقد احمراره بعد غيوم امتدّت لسنوات طويلة من الغبن والظلم والإقصاء.

 أذكر حين خاطبني أبي يوماً -وهو يشاهدني أتلعثم في حفظ درس التاريخ -:إذا أردت أن تحفظ تاريخ دخول الحماية الفرنسية إلى تونس فصلّب يديك، افتح كفّيك... واقرأ في خطوط الحظّ والعمر والمال بالأرقام الهنديّة، ستلحظ الرقم: 1881.

هكذا استنبط أبي (ذو الثقافة المتواضعة) طريقة مبتكرة لتلقيني تاريخ دخول الاستعمار الفرنسي إلى تونس في مادة (تاريخ الحركة الوطنية)... والذي لم يكن يرسخ في رأسي الصغير آنذاك بأي شكل من الأشكال....

أردف أبي قائلاً وهو ينظر إلى صورة جدّي الشهيد المسجّاة على الحائط وبندقيته التي ترقد صامتة في الخزانة دون طلقات أو مواجهة: لا أستطيع أن أنظر إلى تاريخ الوطن إلاّ بالأبيض والأسود... لم يكن في ذلك الوقت آلات تصوير بالألوان.... كان كل شيء بالأبيض والأسود: الدماء والسماء، العدو والصديق... وحتى علم البلاد.

الآن وأنا أفتح يا أبي كفّي لقراءة الفاتحة على قبر محمد البوعزيزي الذي أشعل جسده معلناً شرارة الثورة في تونس...أعاهدك في قبرك بألا نسمح للأيادي المشبوهة والملطّخة بالدماء بأن تمتدّ لسرقة قوت الشعب.

< الدمعة الثانية : على دمعة أحد رجال الجيش الوطني وهو يواسي المتظاهرين، يعانقهم، ينظر إلى سلاحه ويتمنّى أن يوجّهه صوب عدوّ حقيقي...

لن ينجح أحد في ترويع أبناء شعبي وبثّ سموم الفتنة بينهم.... لقد وصلت رسالتك يا سليل الأشاوس من الذين حرّروا بلادي وأجلوا قوات الاستعمار عن مدينة بنزرت في المعركة الشهيرة.

حين اتصلت بشقيقتي قصد الاطمئنان عن حال العباد والبلاد وآخر ما تبقّى من عائلتي، قالت في حسرة:إنّي ذاهبة الآن لتعزية جارتي التي تسكن يمين بيتي بوفاة ابنها في مظاهرة الاحتجاج... وبعد قليل سأذهب لتقديم واجب العزاء أيضاً لجارتي التي يقع بيتها على اليسار... والتي قتل القنّاصة أخاها الجندي.

هكذا، ذرفت أختي دمعتين في لحظة واحدة، وفي حيّ واحد... أمّا الدمعة الثالثة فكانت من شقيقها في دمشق.

< الدمعة الثالثة: نسكبها على مقاعد الدراسة المحترقة في المدارس، لعلّنا قادرون على إطفائها... المدارس التي شيّدها أبناء شعبي بجهدهم وعرقهم وتصميمهم على أنّ الحرف (سيف آخر) يلتفّ على رقاب عشّاق الظلام ويسهم في كسر القيود.

تونس لا ترقد على بحيرة من النفط، لكنّها تصحو كلّ صباح على صياح أطفالها وهم يزحفون نحو منابع العلم صبياناً وبنات، يجلسون على مقاعد مشتركة بزيّهم الأزرق والورديّ.

تونس اليوم، صنع تغييرها أولادها من الذين يفخرون بشهاداتهم الجامعيّة –وإن كانت معطّلة وينتظر حاملوها فرصة عمل-....

أيها الأطفال، عودوا إلى مقاعد دراستكم –وإن احترق بعضها-....لن تغلقوا الأدراج على شهاداتكم الجامعيّة بعد اليوم... بإذن الله وإرادة شعبكم الذي يستجيب له القدر في كلّ مرّة.

< دمعة رابعة اسمها تونس: نقيّة وواضحة مثل دمعة، أيتها البلاد التي ولدتنا...

شفّافة وقاسية مثل حبّة ألماس، لا شرقيّة ولا غربيّة، يكاد شعبك يضيء... وإن لامسته عصيّ القمع والاستبداد.

سلام عليك أيها التونسي، سلام على جبّة الصوف والبرنس.

سلام على الفجر يصحو في مقلتيك، سلام على النور يغفو في راحتيك.

لقد عاد إلى ليلنا القمر وعاد إلى أرضنا الشجر.... وصاحت تغنّي:سلاماً سلاماً على من صمد.

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.