محطة أخبار سورية
في الأيام القليلة السابقة تلقيت عدة مكالمات هاتفية واميلات، الجميع يسأل لما هذا التقصير الإعلامي السوري في نقل الأحداث التونسية أستطيع الرد على الجميع بإجابة جد مقتضبة بما أنني من داخل المطبخ الإعلام السوري الحكومي على الشكل التالي:
أولا: لقد تم نقل الخبر بصيغته الرسمية جدا وكما وصل من المصدر والإعلام السوري لم يتغاضى عن نقل الخبر بل لقد تم التعامل مع الحدث كما وصل إلينا.
ثانيا : الإعلام الحكومي يختلف تماما عن الإعلام المستقل لأن كل ما يمكن أن يصدر عن الإعلام السوري الرسمي فهو يعبر بالتأكيد على رأي القيادة السورية أو الحكومة السورية وقد عرف عن القيادة السورية ترويها في التعاطي مع أي حدث عربي أو عالمي ريثما تتكشف خفايا الأمور.
ثالثا: ما حدث في تونس الشقيقة هو شأن داخلي لم تتكشف إلى الآن خلفيات الحدث أو اللعبة السياسة من تقف خلف هذه الأحداث التي غالبا ما يستخدم الشعب فيها كأداة لا أكثر ولا أقل ، ونخشى ما نخشاه أن تذبل بسرعة فائقة ثورة الياسمين وما سنتابعه من أحداث متلاحقة قد يبين المغزى الحقيقي لهذه الثورة .
رابعا: لقد مثل الرئيس المخلوع تونس لمدة تزيد على العشرين عاما وكان الممثل الرسمي للبلاد يحضر القمم العربية ويشارك في المؤتمرات الدولية وكان الآمر الناهي في بلاده قبل أن يتنحى ، وكان مواليا بطريقة مكشوفة ومنبطحة للغرب وأمريكا وأن تنقلب عليه أمريكا ويسارع الرئيس الأمريكي إلى مباركة ثورة الياسمين وأن تطالب معظم الدول الأوربية بن علي بالتنحي ومغادرته تونس أمر يدعوا للريبة فعلا .
إذا بعد هذا السرد الترقيمي لأبعاد تقصير الإعلام السوري في تغطية الأحداث التونسية أرجو التروي في قراءة جيدة للبنود المذكورة التي لا تعتبر تبريرا لأن تعاطي الإعلام الرسمي الرصين مع الموضوع لا يحتاج الى تبرير، بل هي حالة تحليلية بعيدة عن الضجيج الإعلامي غير المبرر لدى البعض ممن أحترم أقلامهم وأحترم سؤالهم ، لكن وبما أنني أكتب هذا المقال على صحيفة مستقلة أستطيع أن أطرح الأسئلة التي يمكن أن تقود الى فرضيات ومن ثم الى نتائج .
لقد زرت تونس البلد الجميل والسياحي بالدرجة الأولى وقد لفتني في أرض المطار التونسية التشديد الأمني الا محدود والذي لم أعهده في معظم البلدان العربية خصوصا وأن معظم سفراتي كانت لدواعي ثقافية أي أنني موجودة في البلد ضمن دعوة رسمية وبرفقة فريق أي أنني وفريقي لا يمكن أن نشكل أي خطر على أمن البلاد التي نزورها ومع ذلك كان التشدد الأمني فظيع ، ثم أنني عندما قمت بزيارة في أرجاء تونس لم ألحظ الا التهليل لبن علي وأن أمور الشعب مرتاحة ومعدل الفقر عندهم منخفض قياسا بفقر ثروات البلاد الباطنية .
ثم هناك حقائق لا يمكن التغاضي عنها ، فقد صنفت تونس ك "بلد صاعد" نظرا للنجاحات العديدة المسجلة في جميع الميادين و المعتمدة أساسا على العنصر البشري كرأس مال يستمد قيمته من قيمة الذكاء الذي يعتبر المحرك الأول للاقتصاد اللامادي.
وتونس هي أول بلد في حوض المتوسط أمضى اتفاقية الشراكة مع الإتحاد الأوروبي و ذلك منذ العام 1995, و كان الرئيس بن علي قد وصف إندماج تونس في الفضاء الأورومتوسطي بأنه "خيار إستراتيجي".
هذا بالإضافة الى تقرير صادر عن مدير برنامج الأمم المتحدة للتنمية بتونس قال فيه " إن برنامج الأمم المتحدة للتنمية يثمن مجهودات تونس الكبيرة لتحقيق أهداف الألفية للتنمية " الذي تم وضعه من قبل قادة العالم سنة 2000 ويهدف الى تقليص نسبة الفقر في العالم الى النصف مع حلول 2015، وأضاف :إن التقرير الدوري حول أهداف الألفية أكد هذا العام أن تونس استطاعت أن تقلص من نسبة الفقر " لدينا ثقة بأن يزداد تقلص نسبة الفقر إلى حدود الواحد ونصف بالمائة مع حلول عام 2015 ".
ما حصل بتونس لا يمكن فصله عن ما يحصل بالسودان وما يحصل بالعراق ولبنان واليمن هناك أيدي خفية تدرك تماما كيف تفرق وكيف ومتى تؤجج الرأي العام إنها لعبة أكبر من سوريا وأكبر من الوطن العربي و بذلك تصبح كل التحقيقات والتعليقات والتهليل والتبريك وتسخيف الأمور الكبيرة واختصارها بصراعات سخيفة أمر يجب إدراكه بعيدا عن التسرع في إطلاق أحكام قيمة بعيدة كل البعد عن المنطق الحقيقي للأحداث.
ميساء نعامة
