تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

سياسة اللامبالاة تعبير عن ضعف..

رئيس تحرير مجلة البيادر السياسي المقدسية: جاك خزمو

 

 

 

عندما كان كُتّاب وصحفيون يتناولون موضوع التواجد الاسرائيلي في جنوب السودان، كان الكثيرون يهزأون بهم ويتهمونهم باختلاق قصص وروايات صحفية بهدف الكتابة، أو إثارة القارىء. وعندما قال دريد لحام في إحدى مسرحياته أن اليمن ستصبح يمنين، وعدد الدول العربية سيزداد، ضحكنا وسررنا من هذا القول أو المشهد المسرحي، وعندما قيل أن اسرائيل متواجدة أيضاً في شمال العراق تدعم التمرد ضد النظام العراقي قبل أكثر من أربعين عاماً، كان العالم العربي يتفرج على ما يجري ضد العراق الذي كان نظامه يحارب التقسيم، وها هي اسرائيل تدخل العراق مرّة أخرى بصورة غير مباشرة عبر الحليف الاميركي الذي احتل هذه الدولة العربية القوية، وحوّلها إلى دولة تعاني من الفوضى والانقسام، إضافة إلى ما تعانيه من الاحتلال.

سقط العراق وخطة تقسيمه ما زالت قيد التنفيذ والتطبيق، وقد يحتاج هذا بعض الوقت، ومخطط تقسيم السودان إلى دولتين أو أكثر بدأ تطبيقه على أرض الواقع من خلال نتائج الاستفتاء التي أعلنت مؤخراً، والتي صوت ابناء الجنوب لصالح هذا الانقسام. وقبل سنوات فقط أغتيل زعيم الجنوب جون غارينج (قرنق)، وتمت تصفيته أثناء عودته إلى مقر إقامته في الجنوب السوداني إثر تحطم طائرته بسبب الأحوال الجوية السيئة علماً أن طائرة أخرى مرافقة لطائرته لم تتأثر بحالة الطقس، وتبين فيما بعد أن سبب تصفيته يعود إلى أن غارينج الذي كان يدعو إلى إنفصال الجنوب عن شماله، بدأ يتراجع عن ذلك، وبدأ يطالب بالوحدة مقابل تحسين الظروف المعيشية في الجنوب والاهتمام بأبنائه، أي أنه خرج عن المخطط  فتمت إزاحته عن طريق معارضته.

العراق، الدولة القوية أصبحت دولة ضعيفة، والسودان التي تعتبر أكبر دولة عربية في المساحة والخيرات الطبيعية، على وشك الانهيار بعد أن أرهقوها بموضوع دارفور، وجعلوا هذه المنطقة وما يحدث قميص عثمان لتحقيق وتنفيذ خطط ومآرب اسرائيل واميركا.

تتواجد اسرائيل في تونس أيضاً إذ أن العشرات من الاسرائيليين تم إجلاؤهم عنها بعد الانتفاضة الشعبية هناك، مما يعكس أن اسرائيل على علاقة جيدة بالنظام الذي سقط.. ولا ننسى أن النفوذ أو التواجد الاسرائيلي ممتد إلى كثير من المناطق العربية والإسلامية لسبب رئيسي ومهم ألا وهو سياسة "اللامبالاة" التي يتبعها القادة العرب، إذ أن ردة الفعل على أي حدث، هي ضعيفة وخجولة جداً، فسياسة اللامبالاة تعبّر عن عجز وضعف، ولولا هذه السياسة العربية لما استطاعت اسرائيل أن تفعل ما تريد في وطننا العربي، ليس كله بالطبع، ولكن في مساحات شاسعة منه، وخاصة المساحات العربية الافريقية.. ولو كانت هناك جدية في التعامل مع ما يحدث لما تهوّدت القدس، وأصبحنا نبكي على عروبتها.. ولو كانت هناك اهتمامات بما يجري ومتابعات لها، وكانت هناك سياسة ردع – ولو كلامية – لما تمادت اسرائيل في اعتداءاتها على قطاع غزة، وعلى لبنان، ولما واصلت سياسة القمع بحق أبناء شعبنا، ولما واصلت التهرب من استحقاقات السلام.

سياسة اللامبالاة العربية تجاه كل ما يجري في وطننا العربي هي سبب من أسباب ما وصلنا إليه من ضعف وعجز، وهذه السياسة أنتجت إنقساماً في المواقف، واستسلاماً لما تمليه الإدارة الاميركية، وخنوعاً للمخططات والأوامر الخارجية.

قد تكون هذه السياسة ناجحة إلى حد ما لأحد القادة العرب، وقد تكون هي سياسة، "أقل وجع رأس" ولكن في النهاية، لها المردود السيء على الجميع، لأن ما يحدث في منطقة ما، قد ينتقل إلى منطقة أخرى، وهذا الحدث أو ذاك قد يتسع ويمتد ليأكل الأخضر واليابس في عالمنا العربي.

إنه لعيب كبير أن يتفرج عالمنا العربي على ما وصلنا إليه من وضع مأساوي ضعيف، ولا يفعل قادته شيئاً لانقاذ أمتنا من تبعات هذا الوضع المؤلم والمخزي.

أليس ما يجري هو من مسؤولية القادة "الضعاف" جداً الذين جاءوا للحكم وهم يحملون ويطلقون الأطنان من الوعودات الجميلة لشعوبهم.. وألم يحن الوقت ليغيّر هؤلاء القادة من توجهاتهم قبل أن تُغيّرهم شعوبهم، وتنتفض على سياستهم الاقتصادية والمالية والاجتماعية.

يجب، وقبل فوات الأوان، أن يستفيق القادة العرب من سباتهم، ويهتموا بمطالب شعوبهم السياسية والاقتصادية، ويهتموا أيضاً بالقضايا العربية جميعاً، لأن ما يمس دولة ما سيمس كل أقطارنا العربية، وأن عدم الاهتمام بكل ما يطرح عن نفوذ أو تواجد اسرائيلي هنا أو هناك في وطننا العربي لأمر مرفوض، إذ يجب متابعة كل شأن صغير أو كبير، ويجب الاهتمام بكل المعلومات الواردة للعالم العربي.

إن سياسة اللامبالاة قد تقضي على عالمنا العربي، فهي سبب غياب الوجود العربي على الساحة الدولية، وهي سبب تمادي الدول علينا، واستباحة أراضينا العربية.

لقد حان الوقت كي يغيّر العرب من سياسة اللامبالاة، سياسة التهرب من المسؤولية، ليتبعوا سياسة الاهتمام والمتابعة والعمل والحسم لكل قضية من قضايانا العربية.

بالأمس كان العراق، واليوم السودان، وغداً كل أقطارنا العربية ستتعرض لمآسٍ وويلات ومؤامرات. فهل ننفض غبار العجز واللامبالاة والكسل عن عقولنا وننطلق نحو مرحلة جادة في التعامل ومواجهة الأخطار التي تحدق بعالمنا العربي.

إنه سؤال، لا نريد الاجابة عليه فقط بقطع وعودات وإصدار بيانات، بل بالتصرف السليم وتحمل المسؤولية والانطلاق فعلاً وبصورة جدية لانقاذ ما يمكن إنقاذه وقبل أن تقع الفأس على كل الرؤوس من دون استثناء.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.