تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

طلعت رميح: العرب الجدد عرابو التحولات الجديدة

 

محطة أخبار سورية

طلعت رميح

هي واقعة 11 سبتمبر العربية، لكنها للأسف بلا رد من العرب المعتدى على وحدة بلادهم واستقلالها، إذ لا يتوقع أن تقوم دورة النظام الرسمي العربي ولو بمجرد رد فعل احتجاجي ولا نقول برد فعل هجومي أو حتى مقاوم.الآن يقسم السودان عيني عينك، بغطاء من الضعف العربي لا من الاستفتاء وبتواطؤ وضغط غربي بلا مواربة لتبدأ دورة تقسيم الدول العربية الأخرى، وفي ذلك لم يأت أي رد فعل من أي نوع أو فعل.

 

وهي في مأساتها أشد وطأة من حالة انهيار روسيا ما بعد الحرب الباردة، إذ انهار الجسد المحيط بروسيا وظلت روسيا دون تفكك، وهي أن خرجت ضعيفة بحكم اعتمادها على الدول الأخرى التي كانت تسيطر عليها داخل منظومة الاتحاد السوفيتي السابق، فلأنها لم تتفكك أو تقتطع أجزاء من جسد جغرافيتها ومجتمعها، فقد عادت لتقف على أقدامها لتصارع على مناطق النفوذ في المحيط وعلى الصعيد الدولي، أما حالة تقسيم السودان فهي حالة تفرض ردود فعل قوية باعتبارها مهددا لوجود واستمرار واستقرار الدول والمجتمعات، لكنها بلا رد.

 

وهي مأساة تظهر كيف تتراجع منظومة أمننا القومي العربي، إذا وضعنا في الاعتبار أن محمد علي وأبناءه كانوا هناك وكانت بداية تشكيل الدولة السودانية في ذاك الزمن بحزم وقوة، فإذا بنا الآن في هذا الزمن نعود إلى ما قبل ما كان الحال عليه في مطلع القرن التاسع عشر، ولعل إضافة ما يجري في الصومال إلى ما جرى في السودان إشارة قوية على حجم التراجع والانهيار الذي صرنا عليه الآن.

 

وهي بداية لصناعة مستقبل جديد.. عفوا لتغيير اتجاهات صناعة المستقبل العربي، ليعيش وضعية التقسيم الأشد من كل تقسيم والهدم الأشد من كل هدم، أو لنقل إننا أمام بداية لدورة عكسية نتندم فيها على الأيام السوداء التي نعيشها الآن، حيث من يأتي بعدنا سيجد نفسه يقول إن أيام العرب صارت حالكة السواد وأنها كانت من قبل سوداء وبين الوضعين اختلاف.

 

الآن تغير العالم العربي.الآن اكتملت مرحلة من عمر هذا البنيان، حضاريا وسياسيا وتكوينيا، وصار للمؤرخين أن ينطلقوا من يوم هذا الحدث ليقولوا من هنا بدأت الحكاية الجديدة والأوضاع الجديدة. الآن ومن الآن فصاعدا تعود أمتنا إلى ما قبل تشكيل الدولة الحديثة، والآن نشطب كليا على فكرة الوحدة العربية، عفوا فقد شطبت، وإنما ما سيشطب هو تشكيل الدول الحديثة التي تشكلت خلال تنامي حركة التحرر العربية، التي نتج عنها تشكيل الدول التي نعيش ضمن حدودها الآن.

 

ويبدو أن كثرة الأقوال السخيفة التي تواجه من يكشف ما يجري من تخطيط استراتيجي غربي، كاتهامه بإتباع نظريات المؤامرة والتشنيع عليه بإتباع مناهج وشعارات خشبية مضى زمنها، قد أعمت بعض العيون وأرهبت بعضا آخر، وكل ذلك لتمر المؤامرات وتتحقق الأهداف المرتبطة بخطط جرى ويجري العمل عليها منذ سنوات طوال.التقسيم صار واقعا في السودان.

 

لا ليس في السودان وحده بل هو واقع في الصومال، إذ تجري تهيئة الأجواء الآن لإعلان اعتراف آخر بجمهورية أرض الصومال وربما غيرها في الصومال.لا ليس في السودان والصومال وحدهما، بل إن اليمن صارت الأمور تجري فيها بهذا الاتجاه وما أن تنتهي الأمور في السودان حتى يطل أمر انقسام اليمن مرة أخرى بين جنوب وشمال.لا ليس أمر اليمن وحده هو الجاهز بعد الصومال، بل العراق هو الآخر في حالة شبيهة الآن فيما تتعلق بقضية شماله الكردي.

 

ألم نسمع أقوال القيادة الكردية بأنها ستطالب بحق تقرير المصير؟ أليس هو ذاته الشعار الذي على أساسه جرى تقسيم السودان.هي دورة بدأت دوامتها في الحركة، والأمم المتحدة جاهزة بالفعل لتخصيص كراسي جديدة في الجمعية العمومية لاستقبال الكيانات المسخ الجديدة، التي تجعل بانضمامها الكيانات القديمة بأسوأ حال مما كانت عليه.

 

تجري الآن صياغة عالم عربي جديد.لا.نحن نواجه محاولة إنهاء كل الروابط التي توحد العرب من ثقافة وتاريخ وحضارة ودول ومنظومة عربية، ومن ثم فنحن أمام صياغة جديدة للمنطقة تنفي ثوابتها القديمة. لا.بل نحن أمام تفكيك الكيانات التي طالما حافظت على التفرقة والانقسام لإنتاج دويلات تحارب بعضها بعضا، تنشأ أولا داخل الدول أو تولد في أحشائها وتتغذى على دماء الدول وتولد معادية لها، ليصبح كل ميلاد جديد هو ميلاد لحرب وحروب جديدة.

 

لسنا أمام ميلاد لدول مستقلة بل نواجه اقتطاع أجزاء هشة ضعيفة لتكون قواعد مجانية لانطلاق الخطط الغربية على نحو أشد فعالية في مواجهة ما تبقى.وكل ذلك يلزم أن يكون هناك عرب من طراز جديد.عرب جدد.ليسوا بعرب وإن تحدثوا العربية.ليسوا بحاضين على التوحد وإنماء كل علاقات الوحدة بل عاملين من أجل التقسيم والتفتيت.عرب ينفذون المخططات الغربية والصهيونية.عرب ليسوا بعرب ولا بعربيين ولا منتمين لأوطانهم ولا مجتمعاتهم ولا شعوبهم ولا ثقافتها وثوابتها.

 

الآن تجري صناعة غربية جديدة وتدخل الخدمة منتجات من خطوط إنتاج هي الأغرب وهي الأخطر في تشكيل مستقبل الأمة هي صناعة للبشر على ذات طريقة صناعة السلع والبضائع وتعليبها.الآن تجري صياغة قادة في مصانع الغرب، كل بطريقة القوالب المجهزة سلفا، ليكون دوره محددا وفق طريقة تصنيعه وعلى أساس البرامج التي يجري تخزينها في عقله والتي تقتضيها مصالحه هو ومن أنتج على نفس الطريقة التي أنتج بها.

 

البعض يصنع ويجهز ويعد ويقدم باعتباره قائدا لطائفة أو قائدا طائفيا ليغرق الأمة في جحيم الفتنة الطائفية، وها هم القادة من هذا النوع أو الصنف المصنع خارج إطار دائرة الحضارة ينتشرون ويتم توزيعهم في أجهزة الإعلام وفي مختلف المناطق ويمنحون المال والجاه والسطوة لينشروا الصراع ويجيشوا المواطنين لتغرق الأوطان في بالوعات التآكل الداخلي ولا يعود أحد منتبه إلى مصالح الوطن ككل ولا الأمة كمكون.

 

والبعض يجري تجهيزه في مصانع الانتماء العرقي ليزرع الفتن ويضرب أسس الفكر الإسلامي والقومي، وها هي المصانع الغربية تأخذ مادتها من كل ما هو متخلف في أرجاء الأمة لتحوله إلى منتجات جديدة براقة تعبث بالضمائر وتلعب على غرائز الانتماء الضيق والأضيق لتنتهي فكرة الوطن ويحل محلها العرق، وهم قد دربوا جيدا على تحويل أخطاء النظم الحاكمة إلى وقود يدفع المجتمعات إلى الخلف أو التخلف لا فرق. هذه الأنواع من المنتجات –وغيرها من أصناف وأنواع كثيرة لعل أخطرها هو أصناف المدعين بالدفاع عن حقوق الإنسان مع التلاعب في طبيعة تلك الحقوق واتجاهات حلها -مثلها مثل المنتجات الغربية من السلع المادية التي غزت مجتمعاتنا، وإن كانت منتجات من بشر قادرين على إحداث التغيير الغربي المطلوب.هو تغيير للإنسان..وتغيير الإنسان هو الأخطر تأثيرا.

 

الآن يجري صياغة منظومة جديدة كاملة تتحدد فيها أطر جديدة للمفاهيم والقيم والعادات والتقاليد والأفكار والأحزاب والمجموعات ولنمط القيادات، والأهم أن صياغة كاملة تجري لجيل جديد هو الجيل الصاعد.ثمة قطع للعلاقة بين الأمة وتاريخها.ثمة إقصاء لجيل يمثل حلقة وصل بين الماضي والحاضر، بما يضمن إنتاج جيل جديد من عرب جدد، ليسوا بعرب بل هم ضد العروبة وضد الوحدة ومع الانقسام والتقسيم..الخ، وهؤلاء هم المستهدفون.فإذا كان المقصود الآن هو إقصاء الجيل الحالي وثوابته فالمستهدف هو إنتاج جيل عربي جديد عقله وثقافته وعاداته أرض صحراء جرداء، لا ثابت فيها، فيسهل زرع كل المنتجات الغربية فيها بشكل طبيعي للغاية.

 

المشكلة في مواجهة كل ما يجري، أن حالة من الصمت تعم الأجواء وكان الاستسلام أصبح هو سيد الموقف على الصعيد الرسمي بشكل حاسم وعلى صعيد معظم النخب بشكل واضح وللأسف على صعيد التحركات الشعبية.العرب الرسميون صامتون في الأغلب.والصمت متعدد.فهناك الصامتون الذين يجدون أنفسهم في خوف مما يجري، لكن حفاظهم على مصالحهم في استقرار كراسي الحكم تمنعهم من التحرك.

 

وهناك صمت من تصور البعض أن التحاقهم بالمخطط الغربي يخرجهم من دائرة الاستهداف وأن فعالية جهدهم في خدمة المخططات تلك أو غيرها، قد يجعل منهم سادة في الوضع الجديد.حالة النظام الرسمي العربي في المحصلة العامة حالة مشاركة أن بالضعف وأن بالصمت وأن بالمشاركة تحت وهم إنقاذ الذات، الذي طالما جلب الكوارث والمصائب على الأمة.والأمر لا يمنع من القول، بأن أجهزة الدول الوطنية قد نفذ إلى داخلها من هم مشاركون في المخطط علما أو جهلا أو بقصر النظر.

 

هناك نخب صارت تجد لها مكانا في عالم الدويلات الجديدة.لا نقول إنها تبحث وتلهث –إذ جرى التقدم لها بعروض مغرية –بل هي الآن فاعلة في إنجاز المخططات.ألا نرى كثرة من النخب في العراق وقد اعوجت لسانها وفهمها ونطقها وانحرفت من الوطنية إلى الطائفية؟ أو لا نرى من كانوا اشتراكيين في اليمن وقد صاروا انفصاليين وهم من بشروا من قبل بوحدة عمال العالم ووحدة حركات التحرر الوطني..إلخ.أو لم نرى كيف وصلت نخب في شمال السودان إلى فكرة هدم الكيان والقول بالتخلص من هموم الوحدة تحت شعارات وأقوال مرعبة؟.أو لا نرى لبنان؟.ألا نشاهد كيف أصبحت نخب الصومال؟.ألا نرى كيف يعيش ويتحدث بعض من نخب أفغانستان وباكستان؟.

 

وهناك من النخب من انكفأ وصار يبرر صمته لنفسه والآخرين، بأنه أصيب بالإحباط واليأس والقرف، وكأن جهاد الكلم حالة تأتي وتذهب أو أمر يتطلب رؤية الإنجاز على الأرض كلما تكلم المثقف، أو كان الكلام هو الحل وليس التخطيط وإدارة الصراع.هذا الصنف من المثقفين هو الآخر لا يختلف كثيرا ما ينتجه أو ما ينتج عن دوره كثيرا عن دور السابقين إلا على صعيد الفرق بين ارتكاب الجريمة باليد والعلم بها ورؤيتها دون التحرك لإنقاذ الضحية. وهناك صنف اكتفى بنفسه بالمشاركة والاندماج أو لنقل بصراحة بالعمل في خدمة الحكومات وغطى نفسه بوهم أو بهالة الظروف التي تمر بها المجتمعات.هؤلاء اختاروا المساهمة في ارتكاب الجريمة مقابل ما يحصلون عليه من امتيازات تحت غطاء أنهم ليسوا المسؤولين عن ما يجري وأنهم ليسوا أصحاب القرار وأنهم يحاولون المساعدة ما استطاعوا.

 

أما حال الجمهور فهو متعدد ومتنوع الاتجاهات.فهناك قسم لم يعد هناك ما يغريه لا بالكلام ولا بالحركة واختار الصمت والانكباب على حاله محاولا مداواة جراحه وإطعام أولاده وأسرته وعلاجهم ولو أدى ذلك إلى ترك الأوطان تلاقي مصيرها، سواء كان بالذهاب للخارج للعمل أو بالانطواء في الداخل على العمل.وهناك قسم لم يعد يرى أملا في شيء فصار وقودا لكل شيء حتى ولو كان إشعال الحريق وإشعاله مجددا إذا انطفأ.

 

وهناك قسم يتلفت حوله فلا يرى الطريق، وهو إذ يرفض السير في الطريق المعادي لمصالحه ووطنه وأمته ولكل ما يفهم أو يدرك وحتى لما في داخل نفسه، فهو لا يعرف كيف ينفذ إلى الحقيقة التي صارت مشوشة أمامه، خاصة وهو يرى النخب التي تعلق بها صارت تدفعه في اتجاهات عدة ملاحظا البحث عن المصالح والتناقض بين القول والفعل في سلوكها، بما أسقطها من نظره وحساباته.وهكذا وجد قسم وإن كان أقل أن التقسيم الطائفي والمذهبي والعرقي هو ما يوفر له الحماية في مجتمعات غابت عنها سلطة الدولة بسبب اختراق القانون وسيادة مناخات الفساد.

 

لكن كل تلك المكونات للصورة ليس كل شيء.وإذا كان كل هذا يجري، فإن الصورة تشمل أيضاً تحولات حقيقية في الدفاع عن العروبة ووحدة واستقلال الأوطان، فإذا تخلى النظام الرسمي أو يكاد وإذا سقطت كثرة من النخب، فثمة من صاروا يحملون كل المهام على أكتافهم حتى الشهادة.وذلك ما يبشر بخير حين الحديث عن مستقبل تلك المنطقة وشعوبها وهويتها واستقلالها.لقد عشنا من قبل وسط مثل تلك الأجواء وتحولت شعوبنا إلى مجموعات متشرزمة ومفككة تحت ضربات الغزاة والاحتلال الغربي، وجرى احتلال مناطق واسعة من أراضينا وخلالها تحول الكثير من أمراء الممالك إلى ذات الوضع الذي يعيش فيه معظم حكام الدول..إلخ، لكن الأمور عادت لتنطلق من جديد باتجاه الوحدة والتساند ومواجهة الغزاة والمحتلين ومن معهم من الطابور الخامس من النخب المتعاونة مع المحتل.

 

الآن يتشكل جيل جديد من مثل هؤلاء الذين حملوا اللواء وقدموا النموذج وانتصروا في نهاية المطاف.لنأخذ المثال الفلسطيني.لقد مر على الصراع نحو القرن وسجلت إسرائيل حالة دولية غير مسبوقة إذ حماها ويحميها كل الدول الكبرى في العالم بلا استثناء كما طال عمر القضية ومع كل ذلك ورغم كل ما يقال فإن ثلاثة من قادة إسرائيل قالوا خلال الأعوام الأخيرة إن دولتهم تنهار وآخرهم تسيبي ليفني منذ أيام.

 

وفي العراق ورغم كل الجبروت الأمريكي والضعف الرسمي العربي وانتقال قدر من النخب إلى كل صنوف الطائفية والعرقية، فإن هناك من قاوموا ومازالوا حتى تكاد أمريكا تعترف بالهزيمة الكاملة.وهكذا كان المشهد في لبنان مأساويا حين وصل الحال إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان كله وقبلها من الأردن.الآن لبنان لا تستطيع إسرائيل التلفظ بالعدوان عليه.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.