تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

حذام خريّف: شباب الأمة يصلح ما أفسده شيوخها

 

حذام خريّف

إذا كان الوعي والثقافة قوة فإن وسائل الإعلام في عصرنا هي "الريمونت كنترول" المتحكّم في هذه القوة التي بإمكانها أن ترفع شعوبا أعلى الدرجات وتنزل بأخرى إلى الدرك الأسفل.. ومما لا يخفى على أحد أن النهج الذي يسير فيه الإعلام العربي المرئي، بالخصوص، يأتي متوافقا، في جزء كبير منه، مع ما جاء في "بروتوكولات صهيون"، التي تشير إلى إن السيطرة على وسائل الإعلام والاقتصاد سوف تؤدي على المدى الطويل إلى ازدياد هيمنة اليهود في العالم..

 

وقتل الوعي عند الشباب العربي خطّة مدروسة، ومؤامرة حاكت خيوطها القوى الصهيو-أمريكية، التي كانت تعي جيّدا أن الشباب العربي، لو أتيحت له ظروف الحياة الكريمة، التي تنهل من ماضيه العريق وتواكب حاضره المتطوّر، لكان البوصلة التي يمكن أن تغيّر مسار التاريخ؛ فلم تدّخر هذه القوى سلاحا إلا ووجّهت فوهته نحو هذه الفئة التي تعتبر ركيزة الأمة العربية وأساس تقدّمها.

 

ويقول "حكماء صهيون" في "البروتوكول الثاني عشر": "الأدب والصحافة أعظم قوتين إعلاميتين وتعليميتين خطرتين يجب أن تكونا تحت سيطرتنا، ويجب ألا يكون لأعدائنا وسائل صحفية يعبرون فيها عن آرائهم، وإذا وجدت فلابدّ من التضييق عليها بجميع الوسائل لكي نمنعها من مهاجمتنا"؛ ويضيفون في البروتوكول الثالث عشر: "لكي تبقى الجماهير في ضلال لابد من زيادة صرف أذهانها بإنشاء وسائل المباهج واللهو والإكثار من القصور المزركشة ثم نجعل الصحف تدعو إلى مباريات فنية رياضية ومن كل جنس".. وهي حالة تكاد تنطبق على صورة الشعوب العربية اليوم التي أصبحت مدمنة على "أفيون" الفضائيات المنوّع من مسلسلات وفتاوى دينية وأغان وبرامج رياضية وبرامج تلفزيون الواقع.

 

وسيطرة اللوبي الصهيوني على وسائل السينما والإعلام الغربية وشراكاتهم مع وسائل إعلام عربية، ليستا مشاريع استثمارية ولا الهدف منهما الربح المادي، بل لأنهم يدركون أن السيطرة على الإعلام تمكنهم من التحكم في الحكومات والمؤسسات والأفراد وبالتالي السير قدما نحو تجسيد كذبة "الدولة الاسرائيلية".

 

والواقع أن حرص الحركة الصهيونية وحرصهم على تنفيذ ما خطّطت له "البروتوكولات" واستماتتهم من أجل ذلك مكنهم من النجاح فعلا فيما خططوا له وامتلكوا ناصية الإعلام.. وإذا كان هدفهم من السيطرة على الإعلام الغربي تقديم صورة "براقة" عن ماضيهم المزيّف، فإن هدفهم من الدخول إلى أعماق المجتمعات العربية ضربها في مقتل، وهذا المقتل هو الشباب؛ لأن استهداف الشباب العربي يساعد في تفتيت هذا الشعب والسعي لضياعه وانحلاله بشرذمته وتدميره حتى لا تقوم للأمة العربية قائمة...

والإعلام الفضائي هو أحد تلك الأسلحة الفتاكة التي حاولت من خلالها القوى الامبريالية المعولمة السيطرة على عقول الشباب العربي، وجعل المجتمعات العربية مجرّد "أمة" مستهلكة غارقة في بحر الكليبات ومتيّمة بالمسلسلات والأفلام.. وقد ساعد على تنفيذ مخطّطات هذه القوى عدد غير قليل من "المثقفين" و"الفنانين" أداروا دفّة مراكبهم بما تجري به رياح مصالحهم وباتوا من مطابخ الحكّام يقتاتون وودّ الفضائيات يخطبون.

 

ولأن الحكومات العربية تخشى سطوة الإعلام فقد جعلت منه "مخدّرا" لشعوبها لا وسيلة للنهوض؛ وتحت ستار مسايرة تيّار العولمة، فتحت الثقافة والإعلام والفن في الوطن العربي، أبوابها على مصراعيها ‍لثقافة الآخر، علّها تنفي صفة التخلّف والإرهاب عنها؛ وانقاد المشاهد العربي وراء شعارات الانفتاح الثقافي والرقي الحضاري، وحرية التعبير، الزائفة، معتقدا أن فضائيات الغناء والأفلام الأجنبية والمسلسلات التركية، هي سبيله لتقليص الفجوة بينه وبين الذين يعتقد أنهم متحضرون ومتقدمون، دون أن يعي أن ذلك يخدم مصالحهم، وأن هذا السيل العارم من الفضائيات العربية والأجنبية، وما تعرضه من برامج يصرف عليها بالمليارات، هدفه صناعة أجيال عربية "باهتة".

 

وحتى يبعد "شيوخ" الأمة و"عقلاءها" عنهم "ذنب" ما تعرضه الفضائيات العربية، حصّنوا أنفسهم بشعار "الجمهور عاوز كده"، وحمّلوا الشباب، "الهش الذي يسهل التأثير عليه"، وزر الضعف المجتمعي والانهيار الثقافي العربي...

 

لكن هيهات، فعوض أن يصنع الإعلام العربي التخديري شبابا خانعا سليل ثقافة تروج للصمت والانقياد، انقلب السحر على الساحر في ثورة جديدة قادها شباب تونس ومصر، وانتشرت حماها في مختلف العواصم العربية، لتخترق جدار الصمت الذي حبس أنفاسه وقتل أحلامه؛ وهاهو الشباب العربي ينتفض على واقعه، مؤكّدا فشل من أرادوا أن يجعلوا منه عقلية كسيحة عقيمة.. ومصلحا ما أفسده شيوخه.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.