تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

لماذا تصف إسرائيل علاقتها بنظام مبارك بالكنز الاستراتيجي؟

محطة أخبار سورية

 الاهتمام الإسرائيلي الاستثنائي بما يجري في مصر كان لافتاً ويستحق الوقوف عنده، حيث بات من الواضح أن إسرائيل تسبق الآخرين في حرصها على استمرار نظام حسني مبارك بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية.
إن مثل هذا الاهتمام يعكس دون شك ما رددته بعض الأوساط الإسرائيلية، بأن نظام مبارك «هو كنز إسرائيل»، ويعكس من جهة أخرى مقولة إسرائيلية مفادها أن اتفاق السلام مع مصر «اتفاقيات كامب ديفيد» هو الحدث الأكبر أهمية في تاريخ إسرائيل منذ قيام كيانها في فلسطين.
 
من هنا يمكن لمن يتابع هذا الاهتمام الإسرائيلي بما يحدث في مصر أن يدرك حجم القلق الإسرائيلي الذي يصل إلى حدود الهستيريا من إمكانية انهيار الوضع المصري وانفتاح الأفق أمام «شرق أوسط جديد» وفقاً لما تردده التعليقات الصادرة عن الأوساط الإعلامية والرسمية في الكيان الصهيوني، والآن نأتي إلى تناول هذه المقولة الإسرائيلية التي جئنا على ذكرها بشيء من التفصيل، لنتعرف على عناصرها، وبالتالي الوقوف على دلالاتها.
بدايةً يتضح أن اتفاقية كامب ديفيد التي وقعت بين السادات وإسرائيل عام 1978 أدت إلى حصول انقلاب جذري في البيئة الاستراتيجية لإسرائيل، عندما أخرجت أكبر دولة عربية وهي مصر من الصراع العربي الصهيوني، وشطبتها من دائرة التهديدات المحيطة بإسرائيل، هذا الواقع الجديد لم يحيد مصر فقط، بل فتح الطريق أمام حصول عدد من التغييرات البعيدة الأثر على أكثر من صعيد ولاسيما بعد أن جعل النظام المصري في عهدي (السادات ومبارك) من نفسه حارساً لهذه الاتفاقية ومدافعاً عنها.
فعلى الصعيد السياسي كسرت اتفاقية كامب ديفيد الحرم العربي بشأن عدم الاعتراف بإسرائيل، وعبدت الطريق أمام اتفاق وادي عربة بين إسرائيل والأردن لاحقاً، وبين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية (اتفاق أوسلو) السيئ الذكر وما تلاه، وفتحت الباب واسعاً أمام تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدة دول عربية، وأمام القبول الرسمي بإسرائيل، بعد أن كان هذا الأمر شبه مستحيل، إذ كانت إسرائيل تتمنّى فقط أن تُخفف المقاطعة العربية عنها على الأقل قبل أن تُلغى – بعد كامب ديفيد إلغاء شبه كامل، كما أدت إلى اعتبار النزاع مع إسرائيل نزاع حدود وليس نزاع وجود، وأخيراً وليس آخراً بلور نظام مبارك ما يسمى «معسكر الاعتدال» وهو في الحقيقة ليس معسكر اعتدال، بل هو حلف عربي مع أميركا وإسرائيل يقوده حسني مبارك، وما تبع ذلك من الترويج إلى ما يسمى «الخطر الإيراني» ليكون بديلاً من الخطر الإسرائيلي. وهنا نتساءل: ألم يحاصر نظام مبارك حركة حماس وقطاع غزة بدلاً من إسرائيل؟ ألم يبن جداراً فولاذياً على طول الحدود المصرية في غزة بأموال أميركية بذريعة منع تهريب الأسلحة إلى غزة؟ ألم يقف نظام مبارك ضد المقاومة الوطنية اللبنانية عندما شنت إسرائيل حربها عليها وعلى لبنان عام 2006؟ كثيرة هي مواقفها المخزية والتي لا تعد ولا تحصى.
أما على الصعيد العسكري فقد قدم مبارك لإسرائيل الكثير الكثير من خلال ترسيخه لاتفاقيات كامب ديفيد والبناء عليها والالتزام بها، ففي ضوء تحالف نظام مبارك مع إسرائيل وتنسيقه مع قادتها عملت إسرائيل على إجراء تعديلات جذرية على هيكل جيشها حيث حلت فرقاً عسكرية نظامية في قيادة المنطقة الجنوبية، وحولت فرقاً أخرى إلى فرق احتياط، وخفضت ميزانية الدفاع لمصلحة تحقيق أهداف اجتماعية واقتصادية، كما خففت أعباء الجاهزية القتالية عن كاهل جيشها، وخفضت سن الإعفاء من الخدمة الاحتياطية، ونقلت مركز الثقل العسكري إلى الجبهة الشمالية. وجاء التغيير الأبرز في بناء الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية منذ عام 1982 /عام الانسحاب من سيناء/ على فرضية أن إسرائيل لن تضطر بعد اليوم إلى القتال على جبهتين في وقت واحد في ظل نظام حسني مبارك. ومع تأمين إسرائيل لظهرها المصري في ظل تحالف مبارك معها على مدى ثلاثين عاماً، أخذت إسرائيل تهدد وتشن حروباً واعتداءات على جبهات أخرى دون أن تخشى أي رد من جانب مصر، وهذا ما حصل أربع مرات في لبنان/ اجتياح لبنان عام 1982 وعملية الحساب والعقاب عام 1993، وعملية عناقيد الغضب عام 1996، وحرب تموز على لبنان صيف عام 2006، وثلاث مرات في فلسطين قمع: الانتفاضة الأولى عام 1987، وعدوان السور الواقي عام 2003 وعدوان الرصاص المصهور على غزة أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009، ومن ثم هذا الحصار الجائر المفروض بالتعاون مع مصر على أهالي غزة حيث يحرم أبناء غزة حتى من الغذاء والدواء.
وعلى الصعيد الاقتصادي أدت سياسة الرئيس مبارك في التحالف مع إسرائيل إلى توفير مليارات الدولارات على الخزينة الإسرائيلية، من خلال بيع نظامه الغاز لإسرائيل بأسعارٍ تفضيلية لا تتجاوز كلفة الإنتاج، علماً أن إسرائيل تعتمد من استهلاكها الغازيّ بنسبة 40% على الاستيراد من مصر.
وكانت آخر صفقة وُقعت مع مصر في كانون الأول 2010 لشراء الغاز المصري بقيمة 19 مليار دولار ولمدة عشرين عاماً، وبسعر نحو 3.1 دولارات للمتر المكعب الواحد، بينما يبلغ سعره في البورصة العالمية نحو 4.5 دولارات، إضافة إلى ما تكسبه إسرائيل من الخفض الهائل في أكلاف الشحن البحري الذي أتاحه فتح قناة السويس أمام الملاحة البحرية المتجهة إلى إسرائيل والصادرة عنها.
في ضوء ذلك كله، يمكن للمرء أن يدرك بوضوح المعنى الحقيقي لمقولة إسرائيل «الذخر الاستراتيجي» التي ردّدها الإسرائيليون لوصف علاقتهم مع نظام حسني مبارك، وفي ضوء ذلك تتضح عبارة أن مصر هي الدولة الأهم بالنسبة إلى إسرائيل من مختلف النواحي والاعتبارات!
وثمة بُعدٌ مستجدٌّ للحدث المصري يزيد من قلق إسرائيل وحتى من ذعرها لدرجة الهلع، وهو أنَّ التغيير في مصر يمكن أن ينتقل إلى الأردن الذي يمتلك أطول حدود برية مع إسرائيل نحو 700كم، بحيث يصبح الخطر الذي تمثّله منطقة رفح في قطاع غزة بالنسبة لتهريب السلاح إلى المقاومة الفلسطينية لا يساوي شيئاً أمام إمكانية فتح هذه الحدود الطويلة (أي الأردنية + الإسرائيلية).
إذاً الخوف الإسرائيلي الأساسي مما يحصل في مصر إذا ما فُقِد الكنز الاستراتيجي، هو أَنْ تعود مصر إلى تاريخها العروبي والنضالي، وأن تعود البيئة المحيطة بإسرائيل إلى ما كانت عليه سابقاً.
 
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.