تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

جنون العظمة ...عنــد سيــف وأبيـــه معمـــر..

محطة أخبار سورية

 حين خلع الشعب التونسي طاغية بحجم بن علي، خرج علينا «ملك ملوك إفريقيا» و«القايد والزعيم» (الثائر) بنص ينتمي إلى عصر ما قبل التاريخ العربي الحديث.. الكل شاهد ذاك الانفعال على خلع «الزين» وهدد الشعب التونسي بما لا يليق بثورة التونسيين.
كان يظن البعض أن هذا «القايد» يتحدث حرصاً على شعب تونس، بلغة استعمارية استعلائية تعتقد أن شعوبنا قاصرة ولا تستطيع تسيير حياتها من دون وجود هؤلاء الطغاة الديكتاتوريين الذين أصابتهم لوثة الجنون في الركون إلى صبر الجماهير العربية تاريخاً طويلاً على القمع والإذلال وامتهان الكرامة.. لم يعتقد هؤلاء أن الشعب العربي ما عاد يقدر على النظر حتى إلى صور هؤلاء الذين ينهبون البلاد ويتحالفون بالمال مع مرتزقة المصالح في الغرب والجنوب والشرق والغرب لمصالح تقابلها شلالات الدم العربي على امتداد معتقلات المسالخ باسم تحالف محاربة «الإرهاب» وإخراس الأفواه عبر جيش من العسس.. عليه كتبت فور أن خرج القذافي يعلق على ثورة تونس بأن «الرجل يقول الحقيقة» الحقيقة التي أصابت هؤلاء برعب ما زال مسلسله مستمراً.. فهذا البلد غير ذاك.. وهكذا قال كل من تحسس رأسه وهو يحتقر العقول والقيمة الإنسانية للعرب..
 
خرج مساء الأحد/فجر الإثنين وريث «القايد» بخطاب أجوف عبر شاشة الجماهيرية ليزيد الصورة وضوحاً.. سيف الذي رأى رؤية أبيه في تكرار قراءة القيمة الإنسانية لشعبه والشعوب العربية القريبة.. لم يجد هذا الشاب لغة أخرى سوى لغة أبيه في احتقار شعبه واتهام شبابه الثائر بالمخدرات والمسكرات والعمل لأجندات خارجية واللعب على وتر القبيلة والعشيرة والسلاح والنفط والإسلام والمرتزقة.. خلط عجيب لمن دفع أبوه مليارات الدولارات لتبرئته من حادثة لوكوربي والذي قدم أوراق اعتماده لواشنطن بعد غزو العراق على حين شعبه الذي يستحق كل الكرامة وكل الحياة جرى إهماله بما ينم عن علاقة شاذة بين رئيس أساء للفكر الثوري بادعاء الثورية..
لا أفهم كيف لشاب أن يطرق على الطاولة ويرفع إصبعه بوجه شعبه متوعداً ومهدداً بإعادة بلده إلى عصر ما قبل التاريخ لمجرد أن هذا الشعب كما بقية الشعوب العربية أرادت لمرة واحدة أن تغير أنظمتها التي صارت محل تندر واستهزاء بنا عند غيرنا حتى جنوب الصحراء الكبرى.. التافه في كل الأمر أن يتهم هذا الشاب مرتزقة أتى بها الشعب من الخارج، وهو انتقاص من رجولة وقدرة الشعب نفسه، ليخربوا بلدهم حسب ادعاء كاذب كذباً صريحاً وواضحاً، بل هو بنفسه يعرف أن أباه، صديق العجوز المتصابي بيرلسكوني، ظل يكيل الاهانة تلو الاهانة لشعبه بعارضات أزياء وحراسات نسائية وممرضات من أوكرانيا وغيرها.. وما فضحته الصور من مرتزقة يستخدمهم النظام لارتكاب مجازر بحق شعبه واضحة وجلية..
هل فعلاً اعتقد سيف بأنه يمكن أن يرث أباه في حكم أحفاد عمر المختار لمجرد إتقانه جنون العظمة ولوثة السلطة واللعب على عواطف الجماهير والشعب والقبائل بإعادة الخطاب إلى عصر ما قبل الدولة الحديثة في المنطقة؟.. ربما اعتقد بأن الاستعانة بربطة عنق ولباس غربي.. على عكس خيمة أبيه.. ورفع الإصبع بوجه الشعب يمكن أن تجعل منه قائداً ملهماً كما ظن «أمين القومية» قبل أن يصبح «ملك الملوك»..
هذه السلالة من أبناء الطبقة الحاكمة في بلاد العرب تعتقد بشكل جاد أن هزليتها مقبولة فرضاً وبالقوة على شعب يعيش فوق بحر من النفط وهو لا يلمس تطوراً في حياته وبناه التحتية منذ 4 عقود.. هذه البطانة ممن يراد لها أن ترث الأوطان تتعامل مع الشعب وكأنه ملك لإقطاعيات الآباء والأقارب، وهي بطانة تقطر فساداً وفجراً وفسوقاً على حين تبيعنا شعارات عن الفضيلة وعن الدين..
الكلمة التي أذهلتني، لأنها المرة الأولى التي أسمع صوت هذا الشاب، حملت قطيعة أبدية بين الدم الليبي وكرسي الحكم الذي كان يعد نفسه له.. فهو أيضاً وبلا أي أدب في الحديث عن العرب راح يكيل الاتهامات شرقاً وغرباً ويصيب الفلسطينيين بهذيان لا يحتمل.. ربما العزاء الوحيد في كل هذا المشهد العربي الهادر أن شعوبنا ما عادت تصدق صناديق الأكاذيب التي تنتقل عبر العواصم وما عادت لعبة القطرية تنطلي على أحد فما بالنا أمام خطاب يهدد بالنار والدم والإفقار وكأن سيفاً وأباه هما من يمنحان ويقبضان على الموت والحياة لشعب تخطى كل خطوط الاستهبال..
كم مرة كرر سيف جملة «احنا مش تونس ومصر»؟ وكم مرة هدد بالحلف الأطلسي وواشنطن؟.. يا للتفاهة فعلاً حين نعيش زمن الرويبضات والسفاهة بعينها..
لقد لعب القذافي سابقاً على لعبة استعداء شعبه لإخوانهم العرب بالإيحاء بأن أموال النفط تذهب نحو فلسطين وغيرها.. قبل أن يتبين أحفاد المختار أن هذا الذي وصفته المفكرة العربية نهلة الشهال بما يستحق ليس إلا حالة أخرى من حالات الجنون عند «زعامات» تترنح تحت قبضات الثائرين في هذه الأمة..
من يستخدم كل أنواع الأسلحة وكل المرتزقة لسحق شعبه، ومن يستغفل العقول ويهدد بالخارج ويخيف الخارج من شعبه ومن يحاول تأليب أبناء شعبه باسم القبيلة على بعضهم بعضاً.. ومن يشتر النفاق الدولي والغربي تحديداً بأموال نفط الشعب الليبي ليصمت على جرائمه ووحشيته، ومن يقل ما قيل بحق الشعب المصري والتونسي والفلسطيني وبقية العرب.. لا يستحق سوى أن يُخلع وهو يحاول بالدم إيقاف الزمن وإعادته إلى مربع المزايدة الأولى ولسان حاله يقول: إما أنا وإما الخراب!
هل يستحق الشعب الليبي «قائداً» يضع من لا يعجبه في أساسات البناء ويصب عليه الإسمنت (البيتون)؟ ويخطف ويذيب بالأسيد من يعارضه ويخفي خلف الشمس حتى زواره العرب، ثم ينصب «خيمة عربية» ليتشدق بعروبة مطعون عنده بها بالأساس؟
أي جنون هذا الذي يمارسه «زعيم العروبة» وهو يرمي الفلسطينيين إلى الصحراء بعد اتفاق أوسلو، ثم يطرح فكرة تسفيه الحق الفلسطيني بـ«إسراطين» والبحث الدائم عن نيل إعجاب ورضا الغرب؟
أي نوع من الرئاسات التي تحكم وكأن الأوطان عبارة عن مزارع تخصهم وأولادهم وعائلاتهم وزبانيتهم واللعب على وتر استعداء الشعوب لبعضها البعض بسبب كرة قدم وتنافس فارغ على تقديم أوراق الطاعة والولاء لأسيادهم في الغرب؟
هذه هي النوعيات من الحكام العرب الذين يقبضون على كراسي المافيا والفساد في الحكم، ولمن يسأل عن الحال العربي المتأخر في معظم القضايا فعليه أن يمعن وينصت إلى هذه النوعية لنفهم أي مستقبل كان يعمل عليه هؤلاء الحكام المرتعدون من قيام الثورة العربية لتكنس مدنها من عار يتحرك باسم العرب الذين يشعرون بالخجل من أن يولى عليهم مثل هؤلاء الذين ينفخ فيهم الغرب روحاً فاسدة وصمتاً مريباً على مجازرهم..
لكن كل هؤلاء سيعلمون حين تصل إليهم قبضات الشعب العربي أي «حب» يكنه لهم الغرب بنفاقه الذي بان من تجربة بن علي وبعده مبارك بنسق لا يختلف الواحد فيه عن الآخر.. ولا شك في أن هذا الغرب المنافق والممارس لكل الازدواجية في معايير الحرية والعدالة والديمقراطية يزرع المزيد من الوعي في صفوف الشباب العربي الذي يراه من واشنطن حتى فرنسا عارياً تماماً ولن تمر مواقف هؤلاء مستقبلاً من دون أن تدفع الثمن الباهظ لنفاقها.. عندها فليسأل هؤلاء: لماذا يكرهوننا؟ لكنهم يعرفون الأجوبة من الآن..
لثورة الشعب العربي في كل مكان سلاماً.. والعار كل العار على حكام وزبانية الفساد والمافيات!
 

ناصر السهلي

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.