تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

من أين لكم هذه الحبوب..ليتنا كنا حشاشين من قبل

 

طارق القيزاني

اذا كان ما يفعله الشعب الليبي اليوم في المدن والشوارع متحديا الدبابات والطائرات والقناصة والمرتزقة بصدور عارية، كل ذلك من قبيل الهلوسة، فليتنا كنا نحن العرب حشاشين ومهلوسين منذ عقود.

 

لقد جن جنون هتلر من قبل وادعى أفضلية العرق الآري على أجناس العالم وتبجح موسوليني بعظمة روما وطالب بحقها في ملكية المتوسط، نجحا الاثنان بالحلف الفولاذي في تركيع نصف العالم وعندما بدأت الدوائر تدور عليهما لم ينعت أيا منهما شعبه بالجرذان ولم يلقيا الاتهامات جزافا الى شعبيهما بتناول حبوب الهلوسة والمخدرات. الأول اختار أن يموت بشرف والثاني اقتص منه شعبه التائق الى الحرية. ورغم ذلك فإنه بعد عقود من نهايتهما، مازال النازيون الجدد في ألمانيا ورابطة الشمال في ايطاليا يرفعون القبعات لهتلر وموسوليني لأنهما تركا ما يمكن الاعتماد عليه، حسب اليمينيين، كإيديولوجيا محركة داخل المشهد السياسي التعددي في أوروبا.

 

وبالعودة الى ليبيا، فإن ما يحدث هناك منذ أيام حسب نظرية القذافي ليس تعبيرا سياسيا بقد ما هو نتيجة عملية تخدير جماعية وقعت في زمن واحد وفي منطقة جغرافية مترامية الأطراف لتشمل ستة ملايين فرد من الشعب الليبي، اذا ما استثنينا بضعة مئات او الآلاف على أقصى تقدير من أنصار القذافي. ويعني هذا التفسير ان الشعب الليبي ظل يتعاطى حبوب الهلوسة على مدار الساعة وطيلة أيام متتالية جعلته فاقدا للوعي ويتصرف كالمهلوس.

 

واذا صحت نظرية القذافي فيجدر التساؤل في هذه الحالة عن حجم الحبوب الموجودة أصلا في ليبيا والتي أدت الى تخدير شعب بأكمله؟ وكيف أمكن توزيع كمية بهذا الحجم؟ ومن هي الشبكة التي استطاعت ان تفعل ذلك في زمن قياسي لتشمل كامل التراب الليبي الذي يمتد على مساحة لا تقل عن المليوني كيلومتر مربع؟

 

واذا صحت نظرية القذافي كذلك فإنه لا مفر من الاستنتاج التالي: وهو أن ثورة البوعزيزي التي انطلقت من تونس وشملت بعدها مصر وعدد آخر من الأقطار العربية هي في الأصل ثورة ليبية انطلقت بفعل حبوب الهلوسة التي تم تسريبها غربا الى تونس وشرقا الى مصر. وبعد ان اثبتت تلك الكميات المسربة فاعليتها في هلوسة الشعوب وقلب الأنظمة الديكتاتورية المجاورة بدأ تطبيقها فيما بعد على التراب الليبي.

 

لم يكن خافيا على الأنظمة العربية ان المخدرات وشبكات الإجرام كانت تضرب بأطنابها في المجتمعات العربية منذ زمان وان شعوب هذه المنطقة جربت أصنافا كثيرة من الحبوب والمخدرات بل ان بعضها يصحو وينام عليه ولا يمكن ان يعيش من دونه لأنه بات جزءا من هويته الثقافية، والحديث هنا يتعلق بالنموذج اليمني الذي اختص بنبتة القات.

 

ولكن في الواقع أيا من تلك الأصناف لم تكن ذات جدى وفاعلية في هلوسة الشعوب وتخديرها الى الحد الذي تجعلها فاقدة لبصيرتها وثائرة على الديكاتورية وقمع الحريات والفساد. فأي نوع هذه الحبوب التي تناولها الشعب الليبي بكامله وجعله يقلب الطاولة على "ولي نعمته" منذ أربعة عقود مرت بسرعة أربعة قرون من الكلام والتغيير والتنظير والفراغ المؤسساتي وحكم الجماهير داخل القاعات.

 

اذا كان ما يحدث في العالم العربي هي حبوب هلوسة ليبية في الأصل فإننا سنظل شاكرين على مدى التاريخ الى ليبيا التي ساعدتنا على تعاطي الوصفة السحرية للهلوسة لنكون حشاشين على أصول ونثور ضد الطغمة الحاكمة من أجل كرامتنا وحريتنا وأموالنا المنهوبة. فإلى الأمام، دقت ساعة الهلوسة ولا مجال للعودة الى الوراء.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.