تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أمريكا...إمبراطورية الجماجم

 

 

 

 

سقط في يوم إحياء ذكرى النكسة العشرات من المواطنين السوريين و الفلسطينيين بين شهيد و جريح على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي، و فور ورود الأنباء من مجدل شمس و القنيطرة، تسابقت وسائل الإعلام على استضافة محللين و خبراء في القانون الدولي، و أعيدت على مسامعنا محاضرات حفظناها عن ظهر قلب، و مللناها حتى أن وقعها على أسماعنا ما عاد يعطي أي أثر، فالمشكلة باتت واضحة بالنسبة لنا كما هي الحلول، و نعرف تماما التعقيدات السياسية و اللوجستية التي تعترض هذه الحلول، لكننا نحار أمام مشهد هذه الفضائيات من نضوب المخيلة الإبداعية لدى القيمين عليها، أو ربما محدودية ثقافتهم غير المبررة مع تطور وسائل الاتصال و توفر المعلومات بشكل كبير.

 

و لكي ندرك صوابية الحلول المتوفرة أمامنا و نحددها، لا بد لنا من العودة إلى التاريخ لنعرف أي عدو نواجه و أي الوسائل و الأساليب يستخدم ضدنا، و قبل كل شيء علينا أن نحدد هذا العدو، فقد كان على مر العصور هو الإمبراطوريات الاستعمارية التوسعية، و هو اليوم الولايات المتحدة الأمريكية.

 

بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تاريخها بكذبة غير مسبوقة في تاريخ البشرية اقل ما يقال فيها أنها وقحة، فعيد "الاستقلال" التي تحتفل فيه بلاد "العم سام" في الرابع من تموز يشكل نقطة البداية لتشريع الاحتلال و منطق القوة ضد الشعوب المستضعفة في عصرنا الحالي، في هذا التاريخ من عام 1786 أعلن جورج واشنطن استقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن بريطانيا بعد حرب (التحرير) التي خاضها ضد الوجود البريطاني في القارة الأمريكية، و هنا سؤال ملح يطرح نفسه بقوة، كيف تكون "حرب تحرير" و طرفاها مستعمران يتنازعان السيطرة على مقدرات شعب آخر؟ و ممن حررت هذه الأرض، من المستعمر البريطاني أم من أصحابها الأصليين؟

 

قامت الولايات المتحدة الأمريكية على أشلاء أكثر من 100 مليون ضحية من الهنود الحمر و غيرهم، و أكد الباحث في علوم الإنسان منير العكش أن 18 مليون و نصف من الهنود الحمر ينتمون إلى 400 حضارة أبيدوا عن بكرة أبيهم، و وصفت أمريكا الغازية هذه الإبادة بأنها "أضرار هامشية لنشر الحضارة"، و أورد الكاتب الأمريكي هنري دوبنز في كتابه "أرقامهم التي هزلت" تفاصيل 93 حربا جرثومية خاضتها (الأمة الأمريكية) ضد السكان الأصليين فكانت 41 حربا بالجدري و 4 حروب بالطاعون و 17 حربا بالحصبة و 10 حروب بالأنفلونزا، يضاف إلى ذلك 25 حربا بالسل و الديفتريا و التيفوس و الكوليرا، وعلق حاكم مستعمرة بليتموت الأمريكي وليم برادفورد على هذه الأعمال الشيطانية بالقول: "إن نشر هذه الأوبئة بين الهنود يدخل السرور و البهجة إلى قلب الله .... و هكذا يموت 950 هندي من كل 1000 و ينتن بعضهم دون أن يجد من يدفنه، انه على المؤمنين أن يشكروا الله على فضله هذا و نعمته".

 

في عام 1830 شرع الكونغرس الأمريكي -أبو الديمقراطيات في العالم- شرع طرد الهنود الحمر أو قتلهم، فتمت إبادة 5 شعوب هندية بأكملها عن طريق تهجيرهم إلى مناطق موبوءة بالكوليرا، و في عام 1846 احتلت جيوش (المحرر) جورج واشنطن كاليفورنيا، و تمكنت من إبادة 80% من سكانها الأصليين عن طريق تسخيرهم حتى الموت لتنفيذ مشاريعها (التنموية)، ناهيك عن الاتجار بنسائهم و أطفالهم.

 

و على خطى جورج واشنطن، أمر توماس جيفرسون الملقب برسول الحرية الأمريكية و كاتب وثيقة الاستقلال، أمر وزير دفاعه بالقضاء على كل من يقف في طريق التوسع الأمريكي من الهنود الحمر قائلا: "قد يقتلون أفرادا منا و لكننا سنفنيهم و نمحو آثارهم عن وجه الأرض".

 

و برغم التفوق العسكري الأمريكي لم تتخل القوات الغازية عن الدبلوماسية في تعاطيها مع السكان الأصليين كما هي عادتها اليوم، ففي عام 1837 أهدى قادة الجيش الأمريكي أغطية مسمومة بالجدري لهنود المندان نقلت على متن قارب اسمه "القديس بطرس"، قتل جراء تفشي الوباء مائة إلف هندي بين طفل و شيخ و امرأة و شاب، و هناك وثيقة تؤكد هذه الواقعة تعود إلى نفس التاريخ و غيرها الكثير من الوثائق التي تشير إلى حالات أخرى كثيرة و كثيرة جدا.

 

و للعنصرية في تاريخ هذه الإمبراطورية حصة كبيرة لا تختلف كثيرا عن حاضرها و إن كانت مبطنة في شعارات و قوانين فضح زيفها إعصار كاترينا عام 2005، ففي عام 1855 قال اشهر أطباء عصره "إبادة الهنود هو الحل الضروري للحيلولة دون تلوث العرق الأبيض، و أن اصطيادهم اصطياد الوحوش مهمة أخلاقية لازمة لكي يبقى الإنسان الأبيض على صورة الله"، و حمَل المؤرخ فرانسيس ياركن الهنود الحمر مسؤولية دمار حضارتهم لأنهم "لم يتعلموا الحضارة و لا بد لهم من الزوال ... و الأمر يستحق العناء"، و لم تقف عنصرية الغزاة عند هذا الحد، فقد كان رائجا في ذلك الوقت أن يتبادل الأصدقاء "البيض" فيما بينهم هدايا هي عبارة عن فروة رأس هندي أو جلود أعضائهم التناسلية الذكرية التي كانت تستخدم بعد تجفيفها لحفظ التبغ، بينما كانت تزين قبعات البعض منهم الأعضاء الأنثوية لنساء السكان الأصليين، و كدست الجماجم للمفاخرة بأعداد الهنود المقتولين حتى باتت تسمية إمبراطورية الجماجم تصح في الحالة الأمريكية.

 

بمقارنة بسيطة لن نجد الكثير من الفوارق بين (حضارة) العم "سام" و (حضارة) "بنغوريون"، فهذا و ذاك ربيبا إمبراطورية توسعية استعمارية عنصرية، أجبرت في يوم من الأيام إمبراطور الصين على استيراد الأفيون و شرعت الاتجار به بعد حرب عرفت بحرب الأفيون، و هي التي غزت الهند عسكريا بعد فشل بعثات التبشير في استمالة القارة الهندية و إخضاعها للتاج الملكي البريطاني، و لا ننسى عمليات محو الذاكرة و تزوير التاريخ التي رافقت هذه الغزوات التوسعية من خلال إطلاق حملات إعلامية مبكرة بالوسائل المتاحة، كان لها الأثر الكبير في تحقيق نتائج كبيرة نتلمسها على أرض الواقع.

 

و مع إدراكنا للصعوبات السياسية و الاقتصادية و العسكرية على المستويات العربية و الإقليمية و الدولية التي تواجه الحلول المتاحة أمامنا، و ربما استحالة تطبيقها في الوقت الراهن، و التي تتمثل بالقول الشهير للرئيس المصري جمال عبد الناصر "ما اخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"، لكن هذا لا يعني أن نسقط خياراتنا الوطنية و القومية و نعلن استسلامنا، و الإعلام واحد من تلك الخيارات التي لم نحسن استخدامها حتى الآن، بينما نجح أعداؤنا في تحقيق انتصارات كبيرة عبر تفعيلهم لهذا الخيار و حسن استخدامه.

 

محمد عيسى

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.