تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

هل يورّط أردوغان تركيا!!

خاص/محطة أخبار سورية

 

 

منذ سنوات طويلة لم تشعر تركيا باستقرار الحكومات التركية كما شعرت في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامية برئاسة رجب طيب أردوغان. ويمكن تقسيم المرحلة الأردوغانية إلى طورين؛

الطور الأول: وقد اتسم بتحقيق الاستقرار الداخلي وتحسين الأوضاع الاقتصادية وتحجيم ووضع حدود لدور الجيش التركي الذي كان مؤثراً دائماً في الحياة السياسية التركية. كذلك اتسمت هذه المرحلة بطرح شعار "صفر مشاكل مع دول الجوار"، حيث بدا أن الحكومة التركية كانت جدية في حلّ المشاكل مع دول المحيط التي عانت علاقاتها مع تركيا من الكثير من الإرباكات والمشاكل والتوترات من اليونان إلى سورية والعراق وصولا إلى أرمينيا وقبلها إيران.. وفعلاً شهدت العلاقات التركية بعض التحسّن المؤقت مع بعض دول الجوار مثل سورية وهدوء مع اليونان وقبرص اليونانية و تقارب مع إيران وجرت محاولة تحسين العلاقات مع أرمينيا.

وقد أعطى استقرار الوضع التركي الداخلي والخارجي حكومة أردوغان مزيداً من الثقة بالنفس وأكسبها بشكل متدرج شعوراً متزايداً بامتلاك فائض من القوة أخذت تستعد لاستثماره في السياسات الخارجية. وكان لتركيا، إلى جانب البرازيل، محاولة للتعامل مع الموضوع النووي الإيراني، لكن الولايات المتحدة أفرغت تلك المحاولة. كذلك كانت استعراضات أردوغان في منتدى دافوس وغيرها بشأن القضية الفلسطينية.

الطور الثاني: وبعد الشعور التركي الكبير بالقوة، أخذت الحكومة الأردوغانية تسعى لتوسيع خطواتها وخلق منطقة نفوذ في المحيط والإقليم. ولكنّ هذا العنفوان "العثماني السلجوقي" الجديد لم يرق لأوروبا ولاسيما فرنسا نيكولا ساركوزي التي ابتلعت المواقف التركية على حدود القارة العجوز ولكنها لم تهضمها. ولعل هذا الرفض والتحجيم الغربي الأمريكي ـ الأوروبي لتركيا جعلها تتجه شرقاً وجنوباً لصرف طاقاتها واستخدامها في تحقيق المزيد من المصالح القومية التركية.

وبما أن "الربيع العربي" كان قد بدأ، ومعظم الدول العربية شبه غائبة عن الساحة الإقليمية وعن ممارسة دورها، استغل السيد أردوغان الفراغ الحاصل وبدا يصول ويجول مستخدماً الكاريزما التي يمتلكها لتحريك المشاعر فيما يخص القضية الفلسطينية والحريات وموضوع الديمقراطية. وبعدما كان الحديث عن "صفر مشاكل"، أصبح الجميع يتحدث عن "صفر سلام" مع الجوار التركي. وانقلبت المواقف التركية وتغيرت الأحوال وبدا ذلك واضحاً في العلاقات مع مصر وليبيا وبشكل فاقع أكثر في العلاقات مع سورية، حيث انقلب الموقف التركي بشكل معاكس تماماً، بطريقة لم يفهمها حتى الجمهور التركي. كذلك تردت العلاقات مع اليونان وقبرص وإيران وهي متردية أصلاً مع أرمينيا. أما العلاقات التركية مع إسرائيل فلا تزال لغزاً غير واضح، حيث يشكك الكثيرون بمواقف أردوغان من إسرائيل، لاسيما بعد الالتفافات التي قام بها في الفترة القصيرة الماضية؛ إذ كيف تكون العلاقات التركية الإسرائيلية سيئة فعلاً، بينما الحكومة التركية تنصب الصواريخ الأطلسية على الأراضي التركية لحماية إسرائيل، كما تقول المعارضة التركية نفسها.. مع التذكير أن لإسرائيل مصالح فقط وليس أصدقاء.

وبالعودة للسؤال الرئيسي: هل "يورّط" أردوغان تركيا بسبب فائض القوة الذي يشعر به؟ نقول إن التدقيق في السياسة التركية الخارجية يبيّن بعض الأمور؛

أولاً، لم تكن الحكومة التركية صادقة النية في الاتفاقيات والمواقف التي عقدتها وأعلنتها مع دول الجوار والتي وصلت حدّ إعلان التحالف الإستراتيجي في كثير من الأحيان. فالدول لاتستطيع، منطقياً وواقعياً تغيير مواقفها بهذه السرعة التي مارستها حكومة أنقرة؛ والعلاقات الإستراتيجية لا تتغير خلال ستة أشهر!! وهذا يؤكد أن التوجه التركي للشرق والجنوب كان مؤقتاً وزائفاً وليس جدّياً وإستراتيجياً، مما يشرح سرّ التحوّل التركي السريع من دول الجوار والانقلاب المفاجئ على السياسات المعلنة وتبني سياسات نقيضة دون خجل.

ثانياً، لم تخرج تركيا من حلف الأطلسي، وهي بالمطلق ما زالت تنفذّ سياساته التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا يجعلها وإن ابتعدت عن إسرائيل مرحلياً، إلا أنها تظل إلى جانبها تحت وصاية الراعي الأمريكي وحلف الأطلسي المشتركة لهما وهذا له نتائجه أيضاً وقد يكون سلاحا ذو حدين.

ثالثاً، رغم كلّ ذلك، فإن تركيا ما زالت تسعى إلى "تكبير" حجم دورها الإقليمي، وجولة السيد أردوغان الأخيرة إلى مصر وتونس وليبيا والتصريحات التي أدلى بها في هذه الدول ومن ثم التصريحات التي يرسلها من نيويورك (على هامش اجتماعات الأمم المتحدة) تبيّن بشكل لا غموض فيه هذا التوجه التركي. وهذا المسعى التوسعي التركي المهيمن سيكون بالتأكيد على حساب أدوار وأحجام الآخرين ومصالحهم، وبالتالي لن يكونوا مسرورين به ولا مستعدين للتسليم والقبول بضغوطه وتفرده.

يبدو السيد أردوغان فرحاً كثيراً بالدور الذي تقوم به بلاده، والثناء الأمريكي الذي تحظى به، ولكنه بدأ يثير المشاكل والقلق في الجوار وفي أماكن متعددة أخرى. وإذا كان أردوغان يركن إلى الغرب، فعليه أن يتذكر أن هذا الغرب "يرفض بشراسة وجوده في ناديه الأوروبي" وربما يحضّر له مصيدة كبيرة؛ فالغرب يبحث عن مصالحه بالدرجة الأولى، وإذا كان الدور التركي يحقق هذه المصالح آنياً، فقد لا يحققها لاحقاً خاصة مع تضخم "الأنا" التركية. وهو ما قد يدفع الغرب لاحقاً إلى التخلي عن تركيا وإغراقها في قضايا كثيرة ومعقدة لإنهاكها وتدمير ما حققته خلال السنوات الماضية ومن ثم العودة لتطبيق مشاريع الاتفاقيات القديمة؛ تقسيم تركيا إلى دويلات صغيرة تخفف من ثقلها على المنطقة وأوروبا وربما روسيا.

إن فكرة تشظي (Fragmentation) تركيا ستكون أكثر احتمالاً كلما أصبحت العثمانية الجديدة عبئاً أكبر على أوروبا والمحيط وعلى مصالح إسرائيل. وبما أن تركيا تسير سريعاً بهذا الاتجاه فإن تقسيم تركيا يمكن أن يصبح أكثر واقعية مع مرور الوقت، لاسيما وأن الأرضية والتركيبة الداخلية التركية مهيأة لذلك.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.