تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

عندما اشتكى المعلّم!

مصدر الصورة
موقع النشرة

 

غريب أمر الدبلوماسية السورية. هي لا تشبه إلا نفسها وتكاد تكون الوحيدة التي لا يتعدّى عدد أفرادها، الذين يشاركون في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أصابع اليد الواحدة. ومع ذلك، فإنّهم يبقون الأبرز في عالم الدبلوماسية العربية. منذ سنوات خلت وحتى اليوم، لم يستطع أي صحافي مواكب لأعمال الجمعية العام أن يحظى بلقاء خاص مع وزير الخارجية السورية أو نائبه أو أحد أعضاء الوفد، فهؤلاء يعملون في الظل وبهدوء.

بالأمس، تجلّى ذلك بوضوح خلال جلسة مجلس الأمن، حيث تحركت الدبلوماسية السورية بخطى واحدة ولسان واحد، وكانت الكلمة التي ألقاها وزير الخارجية السورية وليد المعلم باسم الوفد خير دليل على ذلك، وإن كانت لم تحمل مفاجآت من العيار الثقيل.

الوزير المعلّم شرح الوضع الداخلي السوري من وجهة نظر الحكومة السورية وأكد وجود حملة مدروسة خلف ما يجري في سورية بهدف ضرب نهج العلمانية المتبع، كما تحدّث عن حركة تمويل وتسليح للتطرف الديني من أجل الوصول إلى فوضى عارمة تقود إلى تفتيت سورية ومن ثم المنطقة بكاملها، وصوّب أصابع الاتهام حول الفوضى والثورة المسلحة إلى الأطماع الغربية التي تهدف إلى جعل منطقة البحر المتوسط منطقة نفوذ خاصة بها، كما قال.

وفيما توجّه المعلم إلى قادة العالم قائلاً: "من منكم ليس بحاجة للإصلاح فليرجمنا بحجر"، كان لافتاً أنّ أيّ مقعد لم يكن شاغراً أثناء إلقاء المعلم لكلمته، إذ حضر الجميع واستمعوا بخشوع، أخصام سوريا قبل أصدقائها حضروا واستمعوا بهدوء وإصغاء إلى المعلم وهو يحاول تعتيم الصورة البشعة التي تمر بها سورية وتسليط الضوء على سورية الدولة الواعية والقادرة على حل مشاكلها بنفسها. وإذ قطع المعلم  أيّ أمل في نية اتصال بالأوروبيين أو الأميركيين، بدا واثقاً من كلامه على الرغم من قرارات العقوبات المفروضة على بلاده والتي إذا أراد أن يجمعها لأضحت مجلدا، أضف إلى ذلك نغمة الملف السوري النووي الذي تتذكره الولايات المتحدة الأميركية كلما شعرت بخسارة أوراقها في المنطقة.

بالفعل، غريب أمر الدبلوماسية السورية، لكنّ الأغرب منه هو أمر نظيراتها الأميركية والأوروبية. ملف سورية نار تحت الجمر وفوقه، لكنّ الغرب لم ينجح حتى الساعة في تمرير ضربة أممية للنظام السوري ربما لأنّ البعض المعرقل يجد في هذا الملف مغامرة غير مضمونة النتائج سوف تلحق ضررا بمصالحهم ومصالح منطقة الشرق الأوسط بكاملها. ومن المتوقع ان تعود سمفونية العقوبات الى العزف مجددا بعد انتهاء الجمعية العامة، وسوف تدرك الإدارة الأميركية أنّ سياستها الداخلية لا يمكن أن تكون بمعزل عن سياسة واشنطن الخارجية وانه لا يمكن امتصاص الأزمة المالية الطاحنة في أميركا إلا بتحقيق نجاحات خارجية.

ولكن، أبعد وأعمق من كلّ ذلك، حلّ ربما لاح في الأفق، ومن الممكن أن ينهي قلق الإدارة الأميركية على هيبتها في الشرق الأوسط. وعرّاب هذا الحل هو الرئيس الإيراني المتمرّد محمود أحمدي نجاد، الذي أعلن في كلمته أمام الجمعية العامة عن "عدم ممانعته" بمباشرة مفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية، وهو الأمر الذي أغضب الداخل الإيراني على ما يبدو. فلو سلّمنا جدلاً وحصل هذا التقارب، لخفّ الغضب الأميركي والأوروبي والتركي عن سورية ولتوقف تهريب الأسلحة الى داخلها وحينها فقط سوف تُترَك سوريا لتطفئ نار ثورتها بنفسها. وإذا تخيّلنا أنّ الودّ والوئام اشتعل بين إيران وأميركا بعد صفقة سياسية دولية كملجأ في زمن الشح الاقتصادي، لأدرك الشعب السوري الثائر ان لا احد يبقى الى جانبه، لا مجلس حقوق الإنسان الذي عانى كما هو لنقل صور دمائه الى العالم، ولا الاتحاد الأوروبي الذي يبذل الغالي والرخيص في سبيل الديمقراطية في الشرق الأوسط المتمثلة بأجود أنواع البترول والغاز. وعندها لن يبقى أمامه إلا العودة الى طاولة حوار والى العمل السياسي الحزبي في امتحان لصدقية الإصلاحات التي وعد بها الرئيس السوري بشار الأسد. 

ويبقى السؤال الجوهري: هل تعود سورية الى الهدوء والاستقرار  إذا هدأت العاصفة الخارجية؟ سؤال برسم أيام ودماء الربيع العربي في سورية...

 

 

                                                                                                        سمر نادر: مراسلة موقع النشرة في نيويورك

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.