تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

غابريال غارسيا ماركيز

ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين طفرة في الأدب المكتوب باللغة الإسبانية من أدباء ينتمون إلى دول أمريكا اللاتينية، وعبر هذا الأدب عن عالم مختلف تماماً عن عالم شبه الجزيرة الأيبيرية (إسبانيا والبرتغال) حيث تختلط الحيوانات والفواكة الاستوائية لمجاهل غابات الأمازون بالديكتاتوريات وجمهوريات الموز والأسماء العريقة للعائلات النبيلة بالأسماء العربية والإفريقية والإيطالية والإيرلندية لتشكل بمجملها عالم أمريكا الجنوبية الغامض والساحر. وقد ظهرت في تلك الطفرة أسماء كبيرة أمثال أوكتافيو (باث – بورخيس – إيزابيل اللينديباولو كويلهو – ماريو فارغاس يوسا) وحاز العديد منهم على جوائز اشتورياس ونوبل، لكن الاسم الذي فجر صدمة أدب أمريكا اللاتينية بواقعيتها العجائبية هو "غابرييل غارسيا ماركيز"، الذي سحر العالم بمدينته الصغيرة المتخيلة "ماكوندو" التي جمعت في شوارعها وأشخاصها وطاعون أرقها وغجرها وسينماها الإيطالية وبائعيها العرب والشركات الاحتكارية الأمريكية وبليبراليها ومحافظيها قارة بأكملها وأدهشت العالم القديم بسحر إحدى أكثر مناطق العالم غموضاً وحداثة وعزلة. ولد غابرييل خوسيه غارسيا ماركيز في 6 آذار/مارس 1927 في مدينة (أراكاتاكا) في منطقة (ماجدالينا) الكولومبية والده (غابريال إليجيو غارسيا) صيدلاني وأمه (لويسا سانتياغا ماركيز) من عائلة ليبرالية، وتمكنا من الزفاف بعد قصة حب عنيفة ومعارضة شديدة من عائلتيهما وقد ألهمت قصتهما ماركيز في رائعته "الحب في زمن الكوليرا". افترق ماركيز وهو طفل عن والديه وعاش بين كنفي جديه الذين كانا على طرفي نقيض وتجمعهما رتبة الكولونيل حيث كان أحدهما ليبراليا والآخر محافظاً وحاربا ضد بعضهما البعض في حرب الألف يوم الأهلية التي عصفت بكولومبيا نهاية القرن التاسع عشر، وكان جده هو من أخذه ليكتشف الثلج وأورثه ميوله اليسارية وحكى له عن مجزرة عمال الموز التي حدثت في العام الذي ولد فيه غابريال غارسيا ماركيز والتي كانت الحكومة الكولومبية ترفض الاعتراف بحدوثها ومثلت القصص التي رواها له جده عن الحياة في كولومبيا في تلك الفترة المادة الأساسية لكتابه روايته الأشهر "مائة عام من العزلة". أما جدته فهي التي علمت ماركيز فن رواية القصص وعرفت على عالم الغرائبية وما فوق الخيال بالقصص التي كانت تحكيها له عن المعجزات والأشباح والعفاريت والتمائم والطلاسم التي كانت تحيط ببيتها حيث عاش ماركيز طفولته الأولى. بدأ ماركيز حياته المهنية كصحافي في عدد من الصحف الكولومبية بينما كان يدرس الحقوق في جامعة قرطاجنة حيث عمل في صحف (اليونيفرسال – الهيرالدو) قبل أن ينتقل إلى العاصمة بوغوتا ويعمل في صحيفة (إل اسبكتادور) هناك حيث كان يكتب الافتتاحيات والمراجعات الفنية لأفلام السينما، وكان آخر افتتاحياته في تلك الصحيفة سلسلة من 15 مقالة عن حادثة غرق سفينة تحت عنوان (قصة البحار الناجي من الغرق) حيث أستمع ماركيز إلى قصة بحار نجا من غرق السفينة وفضح كيف أن الإهمال والحمولة الزائدة كانت السبب في غرق السفينة التي حاولت البحرية الكولومبية إلقاء اللوم بغرقها على العواصف، وقد جمع ماركيز تلك المقالات ونشرها في كتاب واحد تحت هذا الاسم (قصة البحار الناجي من الغرق) ويعد هذا الكتاب أهم أعماله غير الأدبية. لكن هذا التحقيق جلب على ماركيز امتعاض السلطة الديكتاتورية بزعامة "الجنرال جوستافو روخاس بنيلا" التي كانت تحكم كولومبيا آنذاك، مما حمله والصحيفة على إيفاده خارج كولومبيا كنوع من المنفى الاختيار كمراسل في الخارج بدءاً من روما ومن ثم باريس وبرشلونة وكراكاس ونيويورك، قبل أن ينتهي المطاف به أخيراً في العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي حيث استقر هناك ويعيش إلى يومنا هذا. تزوج غابريال من "مرسيديس بارشا" عام 1961 وله ولدان "رودريغو غارسيا" وهو مخرج سينمائي وتلفزيوني، و"غونزالو" وهو فنان ومصمم غرافيكي. ساهم مركيز بالإضافة إلى الأدب والصحافة في عالم السياسية حيث جمعت علاقة قوية مع كل من الرئيس الكوبي السابق وزعيم الثورة الكوبية فيدل كاسترو، كما جمعته معرفة بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، واستغل شهرته ومكانته الأدبية للتوسط من أجل إحلال وقف إطلاق نار وبدء مفاوضات سلام بين الثوار اليساريين في كولومبيا والحكومة الكولومبية عدة مرات وبخاصة أعضاء منظمة الدرب الساطع (فارك)، ورغم ميوله اليسارية والشيوعية إلا أنه لم يكن يوماً عضواً في أي حزب أو هيئة سياسية. حاز غابريال غارسيا ماركيز على العديد من الجوائز وأهمها جائزة نوبل للأداب عام 1982 وكان أول كولومبي يحصل عليها ورابع شخص في قارة أمريكا اللاتينية، وقد اعتبر ماركيز أن الجائزة هي تكريم لأدب أمريكا الجنوبية بشخصه وعنون خطاب قبوله للجائزة بـ "عزلة أمريكا الجنوبية". أصدر ماركيز خمس روايات طويلة هي: (ساعة الشؤم 1962 – مائة عام من العزلة 1967 (التي ترجمها عن الفرنسية الراحل د. سامي الجندي)– خريف البطريرك 1975 – الحب في زمن الكوليرا 1985 – الجنرال في متاهته 1989)، وخمس روايات قصيرة: (عاصفة الأوراق 1955 – ليس لدى الكولونيل من يراسله 1961 - يوميات موت معلن 1981 – عن الحب وشياطين أخرى 1994 – مذكرات عاهراتي السوداويات 2004)، كما أصدر أربعة مجموعات قصصية هي (عيون الكلب الأزرق 1974 – إرنديرا البريئة وقصص أخرى 1978 – قصص مجموعة 1984 – قصص مهاجرة 1993) وقد نقل هذه الأعمال إلى اللغة العربية من اللغة الإسبانية الصديق صالح العلماني، بالإضافة إلى سبعة كتب غير أدبية (قصة البحار من السفينة الغارقة 1970 - عزلة جنوب أمريكا 1982 – عطر الجوافة 1982كلاندستين في شيلي 1986 – أنباء الاختطاف 1996 – بلد من أجل الأطفال 1998 – العيش من أجل أن أحكي الحكاية 2002). وقد قيل عن غابرييل غارسيا ماركيز الذي ما زال يصارع مرض السرطان منذ سنوات بأنه أكثر الكتاب باللغة الإسبانية شعبية وربما أهمهم منذ ميغيل سرفانتس في القرن السابع عشر. مختتمين باقتباس شهير لماركيز: إن الإنسانية كالجيوش في المعركة، تقدمها مرتبط بسرعة أبطأ أفراده

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.