تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

يوميات كيلو بندورة

مصدر الصورة
صفحة الكاتب على الفيس بوك

 

 أخرج كل يوم للتريّض، وتحريك أطرافي المتيبسة من برودة البيت، ومن المسافات المبتسرة فيه بسبب ضيق مساحته.. ودائماً أحرص على تفقد هويتي الشخصية في جيبي.. ومن باب الاحتياط، أحمل شهادة سواقة السيارة جنباً إلى جنب مع هويتي، وهي شهادة لا قيمة لثلاثة أسباب: الأول منهما أني أخرج لممارسة رياضة المشي.. وليس للتنزّه في السيارة... والثاني: من باب الاحتياط، أن أكون قد نسيت حمل بطاقتي الشخصية.. والسبب الثالث: أني لا أمتلك سيارة!...

 ودائماً قبل خروجي للتريض، ألتفت إلى زوجتي، باعتباري زوج حضاري، لأسألها إن كانت تحتاج إلى شيء من السوق الذي سأمر بالقرب منه مرغماً بسبب الحواجز الأمنية... وفي آخر خروج لي، بقيت على عادتي المهذبة ذاتها، وسألتها السؤال الروتيني ذاته.. وقالت لي: اشتريت في ضحى اليوم كيلو بندورة ما من جارنا الخضرجي أبي جساس.. ويبدو أن كيلو البندورة الذي اشتريته من أبي جسّاس بخمسين ليرة، لا يكفي لطبخة الغد بسبب الجفاف الذي فيه... ورفعت زوجتي إصبعها أمام ناظري، وقالت بلهجة تشبه لهجة القوانين التي تصدر عن برلمان غواتيمالا: عليك التأكّد من أن

 في جيبك خمسين ليرة..

 *

 /فاصل قصير بين فصلين من المسرحية/: حيث المواطن وليد معماري، اقتنى هاتف محمول، في وقت متأخر جداً عن مستخدمي مثل هذه الأعجوبة، وقد استخدمه في حالات طارئة نادرة، ومؤخراً، فرضت عليه إحدى الجهات الاقتصادية المجهولة الهوية، تلقي نشرات تزوّده بأسعار العملات.. وأخبار البورصة، وحركاتها الثعبانية، وانتصاراتها الخلبية.. قرر الموما إليه في بداية هذه الفقرة، إيجاد وسيلة تخلصه من مثل هذا الكابوس الاقتصادي!..

 *

 فتشت جيوبي.. ومن باب المصادفات، وجدت في جيب سروالي الرياضي ورقة بقيمة مئة ليرة.. فمضيت وأنا أركض في مشواري التنفيسي.. وتوقفت بعد المشوار أمام دكّان أبي جساس، وطلبت منه شراء كيلو غرام بندورة، لأجل تكملة طبخة اليوم التالي التي ستطبخها زوجتي... وقام أبو جسّاس بانتقاء أفضل حبتيي بندورة لديه، ثم أكمل البقية الباقية من الكيلو، بحبات بندورة تشبه حبات البطاطا.. ولم أعترض على حشفه، وسوء كيلته.. وسألته بكل تهذيب، متأصل لدي، عن ثمن البضاعة التي اشتريتها منه...

 وانتظرت جواباً منه.. لكنه، قبل الجواب، أخرج من جيبه هاتفه المحمول.. وضرب مفاتيح فيه.. وقرأ أسراراً لا أعرف أسرارها، ثم أجابني: حسابي معك، حسب أسعار العملات الصعبة الآن، سبعين ليرة!...

 .. قرأت المعوذتين قبل أن أرد عليه.. ثم قرأت: إن الله مع الصابرين.. ووضعت بين يديه المئة ليرة اليتيمة ، المغسولة التي كانت في جيبي.. فأخذها، وتأملها بقرف.. وقبل أن يعطيني الكيس الذي يحتوي البندورة.. عاد وأخرج هاتفه المحمول من جيبه.. وأعاد ضرب مفاتيح سريّة فيه، وقال: هذه المماطلة منك لم تكن في صالحك.. صار حسابك لديّ مئة وعشرين ليرة... وكرمى لخاطرك، باعتبارك زبون قديم لدي، سأقبل احتساب المئة ليرة المغسولة لديك بخمسين ليرة.. وحيث أن شعار حانوتي الذي تراه معلقاً في صدر الدكان، يقول: الدين ممنوع، والعتب مرفوع.. عليك ترك الكيس الذي يحتوي كيلو البندورة لدي ريثما تأتي ببقية الحساب!..

 *

 /أرجوكم العودة إلى المقطع الذي تحدثت فيه عن /فاصل قصير بين فصلين من المسرحية/..

 *

 أخرجت من جيبي هاتفي المحمول.. وقدمته لأبي جساس...

 ثم حملت الكيس الذي يحتوي كيلو البندورة.. ومضيت لكي أسعد به شريكة عمري لأجل طبخة يوم غدٍ، لأن الغد أجمل من كل الرسائل الاقتصادية (المزعجة) التي وردتني على هاتفي المحمول!...

 

                                                                                                         وليد معماري

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.