تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

التكفير السياسي!!

 

 

 

التكفير الديني موجود في كل الأديان، وأهل الدين الواحد كفّر بعضهم بعضاً وسالت دماء كثيرة تحت عنوان الدين بينما كانت التفاصيل الحقيقية سياسية.

 في الإسلام ظهر التكفير مع بدء الفتنة الكبرى وكان ذلك محاولة للالتفاف على حديث رسول اللـه «ص» المتفق عليه: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قلت يا رسول اللـه هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه».

 بمعنى أن التكفير وجد لتبرير حمل السيف بين المسلمين أنفسهم.. فلا يجوز أن أحمل السيف عليه ما دام مسلماً.. فلا طريقة إذاً إلا بتكفيره!!

 هذا حدث.. وما زال لكن التكفير السياسي أسوأ وأشنع وأكثر خطورة لأنه لا يجد ما يمنع تهوره إلى أقصى حد.

 الآن ما يحدث في سورية هو تكفير سياسي بامتياز..

 فالآخر الذي لا يتوافق مع رأيي سياسياً هو «كافر» وطنياً!!

 وقائمة أوصافه تمتد من خائن.. إلى متآمر إلى دموي إلى قائمة طويلة من الأوصاف التي أقلها يحلل دمه وماله وعرضه!!

 إن ما يجري يشبه «المكارثية» على الطريقة السورية وفيها إطلاق أحكام على الآخر بالظن، والنية، والحكم عليه بالإعدام الوطني!!

 إنما ما يجري الآن من مظاهر التكفير السياسي هو إعلان القطيعة ورفض الحوار وعدم قبول رأي آخر وتحويل الاختلاف إلى خلاف والأسوأ من ذلك استدعاء الماضي وخلافاته التي تعود إلى أكثر من ألف وأربعمئة سنة وتحويلها إلى صراع حالي محكوم عليه بطول الأمد!! بل الاستعداد للتعاون مع الشيطان في الحرب مع «الكافر» سياسياً!!

 لست هنا فقط في حالة توصيف لما يحصل خلال الأزمة فقط بل هو في واقع الأمر استمرار لحالة سائدة وطويلة مرت على المجتمع السوري لم تقبل بالشريك ولا بالرأي الآخر وخلقت مجتمعاً لم يتعرف على فضيلة الاختلاف.. ولم يعتد إدارة الخلاف ولم يستطع أن يتعلم دروس قبول التنافس السياسي. فكانت النتيجة أننا وصلنا إلى هذه النقطة التي أصبح فيها التكفير السياسي هو لغة التخاطب بين السوريين.

 إننا ندفع فاتورة باهظة لعدم ممارسة الحوار السياسي وقبول الآخر المختلف سياسياً.

 إذا أردنا أن نستمع إلى الجميع وهم «يخوّن» بعضهم بعضاً ويخلع بعضهم عن بعض حق المواطنة وصفات الوطنية فإننا سنصل إلى مرحلة أخجل من توصيفها.

 إن ما وصلنا إليه أننا نجتهد في «إقناع» الآخر بالقوة وليس بالفكرة وهذا يعني صراعاً دموياً قابلاً للاستدعاء السياسي في أي وقت من المستقبل.

 لكل هذا..

 إن أولى الخطوات هي التخلي عن هذه اللغة التكفيرية والاستعداد الفعلي لقبول الآخرين بآرائهم المختلفة والمتنوعة وأن يكون الحكم النهائي بين الجميع هو مقدار ما نقنع الآخرين بآرائنا وليس بمقدار ما نفرضها عليهم..

 إن الصندوق الانتخابي الصادق والشفاف هو أفضل حكم يمكن الوثوق به.

 لكن.. الآن وفي ضوء ما يجري وفي حفلة التكفير التي تجري نحتاج إلى فئة عاقلة وحكيمة تجمع الآراء المختلفة لتصوغ رؤية واقعية وسورية للخروج من هذه الأزمة معتمدة على حاجة الناس إلى الحل وليس غيره!!

 فئة عاقلة تؤمن بأن التكفير مقبرة الأوطان!!

 

حكمة اللحظة:

يقول لقمان لابنه: بني لا تترك صديقك الأول فلا يطمئن إليك الثاني، يا بني اتخذ ألف صديق والألف قليل، ولا تتخذ عدواً واحداً.. والواحد كثير.

رحم اللـه من ترك المراء «الجدال» وإن كان محقاً. «حديث شريف».

                                                                                                عبد الفتاح العوض

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.