تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

استهداف الجيوش العربية

 في دراسة لمركز بيغن – السادات في اسرائيل يعبر خبراء الانتلجنسيا الاسرائيلية عن رضى عميق لما يصفوه بتدمير القوة السورية دون اطلاق رصاصة واحدة من مخزون الجيش الاسرائيلي ، بل ويضيفون انه لن يعود من المهم بعد فترة من ياتي الى الحكم في سوريا لان الخطر الذي تمثله هذه الدولة على اسرائيل يكون قد انتفى .

الخطر المقصود ،هو الخطر العسكري الذي يمثله الجيش ، دون شك، ولكن ثمة خطر اكبر هو الخطر الاقتصادي في دولة كانت الوحيدة في العالم العربي التي ما زالت تعتمد اقتصاد الانتاج لا اقتصاد الاستهلاك ، حتى ولو زحفت بعض السلوكيات الليبرالية الى الساحة في السنوات الاخيرة ، لكنها ظلت في اطار الليبرالية الوطنية وعدم الارتهان للخارج ، ولذا كانت الدولة تتمتع باكتفاء ذاتي ، والاهم انها خارج اطار نير الديون الخارجية . كل هذا هو ما يعطي الجيش قوته وخياره الستراتيجي الذي يتضمن ، من ضمن ما يتضمن ، اختيار مصدر التسلح . وذلك بدليل وضعية الجيش المصري الذي ما يزال قويا بعداده وعتاده ، لكنه تابع مئة بالمئة للقرار الاميركي لانه لا يملك رصاصة واحدة خارج المصدر الاميركي ولم يعد بين ضباطه من لم يتم تدريبه اميركيا ، بعد ان كاد ينتهي جيل الضباط الاحرار ومن انشؤوا.

فمنذ ما بعد حرب اكتوبر اصبحت الجيوش العربية هي الهدف الاساسي للستراتيجية الاميركية – الصهيونية . استهداف كان يتوزع على خطين : اما تغيير العقيدة وربط القرار السياسي الحاكم للجيش بالقرار الصهيو- اميركي واما تقليص الجيش عددا  وعدة . تحقق الخط الاول في مصر بفعل معاهدة كامب ديفيد وسياسات السادات المرتبطة بها منطقيا، واضطر الغرب الى تاجيل الخط الثاني بسبب الحرب العراقية – الايرانية التي كانت تصب كلها في خدمته وخدمة اسرائيل ، ولذلك فما ان انتهت تلك الحرب حتى طلب الغرب من صدام حسين خفض عدد الجيش العراقي الى خمسين الفا ووقف التصنيع العسكري وتغيير نوعية التسلح – ولنذكر اخر مؤتمر قمة في بغداد عام 1989 وتمحوره حول هذه القضية – وعندما  رفض العراق هذا المطلب في واقع رفض السلام مع اسرائيل ،تذكر الغرب ان صدام حسين ديكتاتور وان المعارضة العراقية تستحق الدعم ، واصبح اولئك الذين كانت فرنسا تسلمهم قسرا لبغداد حلفاء الطائرات الفرنسية التي تقصف العراق عام 1991. دفع العراق الثمن وكان اول قرار احتلالي هو حل الجيش . جاء دور سوريا ليكون اول ما طلبه الاميركيون من فاروق الشرع ، ممثل النظام في المحادثات مع وزير الخارجية الاميركي ، طلب يحمل ضمنا الاختيار بين نموذجين : العراقي او المصري . فاما ان تركب سوريا قطار السلام وبالتالي تسليم الجيش وتحييده وعندا يمنح الاسد جائزة نوبل للسلام وتحتل زوجته وسائل الاعلام الغربية كنموذج للحداثة والحضارة ، واما ان تخوض سوريا المعركة التي خاضها العراق ، ويتذكر الغرب ان نظام الاسد هو نظام غير ديمقراطي وقمعي وان لديهم مخزون من المعارضات السورية التي يمكن استغلال توقها المشروع ومعاناتها الحقيقية احيانا واستعدادها للعمالة احيانا اخرى . وكما حصل مع صدام حسين اعتقد الاسد وحكومته ان بامكانهم نسج علاقات مع الغرب تقيهم الخيارين وتسمح لهم من اللعب على التوازنات الدولية والاقليمية وعلى حاجات الغرب في المنطقة ( خاصة اوروبا ) للنفاذ من المازق . وهنا كان السقوط في خطا التقدير مرتين : الاولى في اهمال العنصر الاسرائيلي ونفوذ اللوبيهات اليهودية في العالم – ولنذكر الحملة الاعلامية التي شنتها وسائل الاعلام الفرنسية على زيارة الاسد الاولى لباريس مشبهة تلك الزيارة بزيارة وزير خارجية هتلر قبل الحرب العالمية الثانية- والثانية في اهمال المعادلة الضرورية التي كمن في كون القوة الداخلية هي اساس القوة الخارجية ، قوة لا تتحقق الا في مناخ الحريات وكرامة المواطن والتنمية البشرية ، لان الحكم والجيش بحاجة الى حماية المواطنين كما ان هؤلاء بحاجة الى حماية الجيش والحكم وهل يمكن ان يحمي المواطن حكما لا يحقق لهم حرياتهم وكرامتهم ؟ صحيح انه لا يمكن لاي شعب في العالم ان يجمع حول حكم معين فهناك دائما موالاة ومعارضة ، معارضة قد تكون شرسة في تصديها للحكم ومحاولة اسقاطه . هكذا هو الحال في كل الدول الديمقراطية ولكن لا تمييز بين الموالاة والمعارضة في الحقوق والحريات. لا اجماع في فرنسا حول هولاند ولا في اميركا حول اوباما ، ولكن هناك اجماع حول فرنسا وحول اميركا وحول الجيش والدولة. لان هناك وعيا بمفهوم الدولة ودور الجيش وواجب التصدي للمؤامرة عليهما.

                                                                                                 د. حياة الحويك عطية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.