تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

كلماتي تخونني!

 

 

بعد مدة من بدء رحلتي مع الحروف أقسمت أن أستخدم ما فيها من قوة ونفوذ للدفاع عمن لا مخالب لهم ولا أظافر، ولقول ما أعتقد أنه الحق، كما عاهدت نفسي ألا أكتب أي شيء من شأنه أن يباعد بين عربي وشقيقه العربي لآخر.

 

محترفو الكتابة يقولون إنها تصبح طبيعة ثانية للكاتب الذي يمارسها يومياً أو بين يوم وآخر، وهذا المعيار ينطبق عليَّ، فرحلتي مع الكتابة اليومية وشبه اليومية تكاد تنهي عقدها الرابع وقد كانت رحلة سلسة وميسرة في معظم الأحيان لكنها كانت مضنية ومريرة في أحيان أخرى، ومستغلقة حد الرغبة بالانتحار في أحيان نادرة!

 صحيح أن كل نص حقيقي هو بمنزلة إعادة اكتشاف جديد للكتابة ومحاولة جديدة من الكاتب لمحو أميته في جانب جديد من جوانب الحياة، إلا أن الأسلوب للكاتب كالضفتين للنهر يتغير ببطء، وهذا من شأنه أن يكسب الكاتب مهارة حرفية يفترض بها أن تجعل الكتابة أكثر يسراً بمرور الزمن.

 قبل سنوات قلت إن الكتابة شجرة مرة لكنها تعطي ثماراً حلوة. وأعظم تكريم تطمح إليه الكلمة التي تحاول أن تخدم الإنسان، هو كلمة طيبة من إنسان طيب.

 أعترف أن الكتابة تزداد صعوبة بالنسبة لي منذ بدء المأساة التي نعيشها فصولاً في سورية.

 صحيح أن كلماتي لا تزال تحظى بتكريم الطيبين، إلى هذا الحد أو ذاك، فالصوت الراجع مازال يحمل لي أكثر مما أستحق من عطر القلوب الطيبة. لكن الكتابة بالنسبة لي بدأت تزداد صعوبة بسبب سرطان الكراهية، الذي تقتضي النزاهة أن نعترف بأنه يتزايد انتشاراً في جوانب مختلفة من مجتمعنا وأرواحنا يوماً عن يوم. وأنتم تعلمون أن نقطة واحدة من السم تفسد خابية ضخمة من الماء العذب.

 أمس الأول كتبت على صفحتي في الفيس بوك معبراً عن لسان حالي بالكلمات التالية: «كازية مساكن برزة التي تم تفجيرها بالأمس حازت ثقتي بعد وقت قصير من افتتاحها، فأنا أعبئ منها ست أو سبع مرات في الشهر، وأمر أمامها عدة مرات في اليوم، وأعرف شخصياً عدداً من العاملين فيها. أعترف أنني لم أستطع منذ أن رأيت آثار هذا التفجير البشع أن أجد أي سبب يدخل في العقل لمثل هذا العمل الإجرامي، فهو لا يحقق هدفاً عسكرياً ويسيء لمرتكبيه سياسياً! من لديه تبرير منطقي فليسعفني به وأكون له من الممتنين!».

 كان غرضي من (لسان الحال) هذا هو أن أضَيِّق الفجوة بين إخوتي السوريين، فمنظر بيدونات المازوت الملطخة بالدماء تحكي قصص أصحابها من المواطنين البسطاء الذين تزاحموا على هذه الكازية الحكومية للحصول على بضعة ليترات من المازوت تدفئ عيالهم، فكان أن ألحقهم هذا التفجير الإرهابي الجبان ببردٍ أبدي لا ينفع في تبديده كل مازوت الدنيا!

 ما صدمني وآلمني هو أن بعض زوار صفحتي حوَّلوا كلماتي التي تطمح أن تكون دعوة للسوريين كي يشغِّلوا عقولهم ويتوافقوا فيما بينهم، إلى موضوع للخلاف والشقاق ومناسبة للتراشق بالاتهامات الجارحة والشتائم الفاضحة، ما جعلني أحذف (لسان الحال) وكل التعليقات المتعلقة به!

 والحق أن ما طيَّر النوم من عيني لساعات، وأيقظ الكابوس في نومي المتأخر، هو أن بعضهم برر جريمة تفجير الكازية بجرائم أخرى وقعت في أماكن مختلفة وأوقات سابقة! كما لو أن وقوع جريمة بشعة في مكان ما، يبرر اقتراف جريمة بشعة في مكان آخر!

 أفلتتني الكوابيس قبيل الفجر وأحالتني إلى ابن عمها الصداع، وعندما أفقت متأخراً، على غير العادة، وجدت نفسي في مواجهة السؤال التالي: هل بدأت كلماتي تخونني؟ أم إن ما يجري معي هو امتداد لخيانات ِآخرين في أمكنة وأزمنة أخرى؟

 

                                                                                                                                                                                                            حسن م. يوسف

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.