تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

جورج ابرهيم عبد الله

لو فكر اي منا بما عاشه من عمر الثلاثين وحتى الستين  وتخيل انه كان من الممكن ان يمضي كل هذا الوقت في زنزانة سجن، لو تخيل واحدنا نفسه وحيدا غريبا امام سجان معاد، واكتشف بعد مدة طويلة ان الرجل الذي عين محاميا له ان هو الا عميل لجهاز استخبارات الدولة التي تحتجزه. لو بقي محروما طيلة الثلاثين عاما من رؤية اخوته التسع ، والده الذي توفى بعيدا وامه التي سمح لها بزيارته مرة واحدة ثم ماتت.

لو كان لواحدنا ان يكبر ويشيب في سجن فرنسي قصي ، وكلما انتهت مدة محكوميته وطالب الدفاع باطلاق سراحه ، انهالت الضغوط واعادته سلطات الدولة الوصية على شرعة حقوق الانسان والمواطن الى زنزاته!!! لو ... لو قسنا الامور بهذه المقاييس لما قابلنا تحرير الاسير البطل جورج ابرهيم عبد الله الا بدمعة حزن. ولكن جورج سيستقبل بالفرح عندما يعود مساء الاثنين الى لبنان ، الى القبيّات،قريته الشمالية العالية، الى رفاقه، وقد ترك الوطن تحت احتلال الجيش الاسرائيلي وذهب الى الغرب لينقل معركته الى هناك كي يدق جدران الخزان الغربي، وها هو يعود ليجد الوطن محررا ،ترك رفاقه يناضلون وما يزالون يناضلون لاجل تحرير الانسان والارض . يعود ليلاقي سمير القنطار . كلاهما ذهبا من لبنان الاحتلال والمقاومة الى سجنين بعيدين حليفين في فلسطين المحتلة وفي فرنسا ، وكلاهما عادا الى نقطة الانطلاق في وطن لم يكن له ان يعرف الحرية لولا وجود مقاومين امثالهما.

كثيرا ساوموه وكثيرا ضغطوا عليه ، ولكنه ظل يكتب من سجنه : "  إن ثبات الثوار الأسرى على مواقفهم النضاليه هو الشرط الوجودي لكل اليات التضامن الثوري معهم " وفعلا ثبت جورج وثبت التضامن معه ، خاصة في المرات السبع التي كان القضاء الفرنسي يرفض فيها طلب اخلاء سبيله . كان جورج فضيحة الاحتلال الصهيوني فاذا باعتقاله يجعل منه فضيحة فرنسا وعدالتها المزيفة ، فضيحة تامر وكذب وتلفيق ،لا ندري لماذا قررت الاستخبارات الفرنسية الاعتراف بهما ، بدءا من اعترافات المحامي  مازوريه العميل للدي اس تي وحتى اعترافات ايف بونيه المدير السابق للاستخبارات . اعتراف لم يحمل جديدا الا تاكيد الاتهامات التي كان يسوقها محاميه جاك فيرجيس ( محامي جميلة بوحيرد وكارلوس) ، فيرجيس الذي اكد ان السلطات الفرنسية كانت تطلب من جورج ان ينكر التهم المنسوبة اليه ، ان يستنكر قتل ضابطي استخبارات احدهما اميركي والاخر اسرائيلي ، واذ يرفض  تلفق له لائحة اتهام تضم  قائمة طويلة من عمليات القتل والارهاب تكفي لان يحكم عليه بالمؤبد . فيرجيس الذي اكد ان موكله سجن عشر سنوات اضافية على الحكم الاصلي بسبب " ضعف ونذالة بلادنا وخضوعها للضغوط الاميركية والاسرائيلية " –كما يقول.

مفارقة ان يكون جورج قد اعتقل بجواز سفر جزائري وان يكون جلاده فرنسيا ، ان تكون الجزائر قد طالبت بالافراج عنه وكذب عليها الفرنسيون ، ان تنظم في فرنسا عدة تجمعات يسارية تتبنى قضيته كما تبنت يوما قصة الجزائر، ان يعود رئيسا الجمهورية والحكومة اللبنانييتن للمطالبة به، وان يحرر اخيرا بناءا على "صحورة ضمير" مدير مخابرات سابق . ان تنتظره في بيروت حشود تجمعت منذ اعلان الخبر، حشود من القوميين واليساريين ( بدا حياته النضالية في صفوف الحزب السوري القومي الاجتماعي ثم التحق بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومع الاجتياح عام 1982اسس " الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية " .بدعم من الجبهة الشعبية لذا كانت الحشود  تحمل صورا كثيرة تتقدمها صورة احمد سعادات، وصورة جورج حبش. اية قصة للنضال مع هذا الاسم : جورج ؟ للجبهة جورج حبش، للشيوعيين جورج حاوي، للقوميين جورج عبد المسيح، لكفاية جورج اسحق ول " لفصائل المسلحة الثورية اللبنانية" جورج ابرهيم عبد الله . ربما هو قدر اسم جرجس – الخضر  واسطورة صراعه مع التنين ، تلك الاسطورة العابرة للاديان بل ولما قبل الاديان ، المجسدة لصراع بطل مع القوة الغاشمة الشريرة المؤذية.

ثلاثة ايام وستستقبل بيروت البطل المحرر ، سيجد جورج بيروت كما هي ، مفروزة سياسيا وامنيا ، مع بعض الخلط الجديد في الاوراق ، ولكنه لن يجد عكار كما هي ، فبعد مسقط الراس في القبيات سيجد الشمال ساحة نزاع دام بين انصار المعارضة السورية ومخيمات تدريب ما يسمى بالجيش الحر والجماعات السلفية التي تعلن طرابلس ولاية في الدولة الاسلامية –من جهة – والجماعات الاخرى – من جهة ثانية ، سيجد ان عليه الحذر من المسلحين لانه ماركسي علماني وربما لانه يحمل اسما مسيحيا ، حتى لو لم يكن له منه الا الاسم . سيجد الشيوعيين انفسهم وقد انقسموا بين 14 و8 اذار ، وسيتساءل الكثيرون : هل سياتي الياس عطالله لتهنئة جورج عبد الله وماذا سيتبادلان من حديث ؟ ماذا سيقول الذي باع النضال بمقعد نيابي للذي باع ثلاثين سنة من عمره للصمود والكرامة ؟ سيجد العالم العربي كله وقد اهتز وتغير ، لكنه لن يفاجا بشيء فقد برهن طوال فترة سجنه انه كان يتابع بدقة ولم يفقد بوصلته ولا وضوح رؤيته ، في الكثير مما عبر به كتابة او شفاها ، فرايناه يكتب برؤية استشرافية في 26-10-2011 : " ان القوى الامبريالية العاجزة عن الحد من تفاقم أزمتها البنيوية ...تعي أن ما من قمع يمكن أن يحول دون تصاعد كفاح الجماهير يبقى أمامها محاولات الالتفاف على التغيير و دفع القوى نحو التآكل و التشرذم و التفتيت"  لكنه يتبع هذه القراءة الواقعية بما يدفع التشاؤم عن المستقبل اذ يقول في موقع اخر : "لكن جماهير شعبنا في كل يوم، رغم كل السائد من تشويش و تشويه،تثبت أنه لديها ما يكفي من القوة و الاصرار لتغيير مجرى التاريخ" 

انه الايمان الذي حمى هذا الرمز المناضل ثلاثين سنة من كل ضعف وحوله من رمز لبناني الى رمز فلسطيني عربي ومن ثم عالمي . "رمز كان يدافع عن الكرامة ،والكرامة تخيف في عالم الأقزام" كما يقول محاميه جالك فرجيس 

 

                                                                                                             د.حياة الحويك عطية

2، انه 2

د.حياة الحويك عطيةد.حياة الحويك عطية

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.