تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الوجه الاخر للثورات العربية

لكل حدث سياسي وجهه المعلن ووجه الاخر الذي يظل للتاريخ ان يزيح النقاب عنه . وما يسميه السذج او المتحذلقون نظرية المؤامرة، ان هو في الحقيقة الا تضارب مصالح الدول والقوى بدءا من المصالح الاقتصادية التي تقع في اساس المصالح الاخرى .فما من قوة عظمى اقليمية او دولية تصبح كذلك الا بناءا على ستراتيجية دقيقة وواضحة الاهداف، فان تضاربت هذه الستراتيجيات كانت خطة كل قوة لتمرير ما يخصها بكل الاساليب (المؤامرة) وان تلاقت كان التحالف. واذا كانت كل ستراتيجية ناجحة  لا ترسم الا بناءا على الخريطة الجغرافية بابعادها السياسية والاقتصادية والثقافية،فانها لا تكون فعالة الا بقدر ما تكون استشرافية قادرة على التوقع ووضع الاجابات لكل التوقعات والاحتمالات.

من هنا لم تكن الثورات العربية الا حتمية طبيعية للتطورات التي شهدها العالم العربي والعالم ، ولكن لم يكن للقوى العظمى الا وان تتوقع ذلك وتضع احتمالاتها وخططها . وكما في كل حدث عربي لا تنفذ خطط القوي الا بواسطة الضعفاء الذين ينتفخون اذ يوكل اليهم دور ما ، خاصة عندما يشعرون بان لهذا الدور ان يساهم في ضمهم الى نادي الاقوياء او على الاقل في حمايتهم . خاصة عندما يصبح الهدف الوحيد للتغيير هو القفز الى السلطة ، السلطة داخل البلد المعني او السلطة على مستوى الفضاء العربي ، ولا قيمة لما تتم تغطية هذا الهدف به من حجب المصطلحات الجميلة والقيم السياسية وحتى الدينية مما تشتاق اليه نفوس شعوب عانت من غياب حقوق الوطن وحقوق المواطن.

 ثمة وجه للثورات العربية عاشته الشوارع وثمة وجه قدم لنا الا اعلاميا ، ولكن ثمة وجه اخر صنع، كالعادة،بعيدا عن الكاميرات، في عواصم الغرب . ومن هنا يكون للصحافيين وللباحثين العرب المقيمين هناك فرصة كبيرة في التقاط الاحداث والوقائع والوثائق والمعلومات التي يمكن لها ان ترسم مشهدا للعمق الحقيقي للقصة .مشهد لا يكتمل الا بمعايشة اخرى للارض الساخنة ، ارض الحدث نفسه . وهو ما يتطلب ثلاثة شروط : وضوح الرؤية ، شبكة العلاقات ، والاستعداد للجهد والتعب . شروط ثلاثة تامنت لعمل وثائقي بالغ الاهمية قدمه لنا الصحافي اللبناني ، المقيم في باريس نضال حمادة في كتاب صادر عن دار الفارابي في بيروت بعنوان : الوجه الاخر للثورات العربية . تناول اربعة ملفات اساسية هي الملف الليبي ، الملف التركي ، الملف القطري واخيرا الملف السوري . ولا شك في ان اختيار الملفات المذكورة يعود ، اضافة الى اهميتها، الى دور العاصمة الفرنسية في كل منها ، حيث يفاجؤنا حماده بكم كبير من المعلومات التي تغير الكثير من زوايا النظر الى كل من هذه الملفات . معلومات يوضح الكاتب انه اعتمد فيها الى ستة انواع من المصادر : سياسيون وبرلمانيون وصحافيون فرنسيون ، العسكر ورجال الامن ( الذين يصفهم بانهم الاكثر دقة والاكثر منهجية في تحليلهم )، الباحثون في مراكز الدراسات الستراتيجية واساتذة العلوم السياسية وناشطو حقوق الانسان،رجال المال والاعمال ، الوسط السوري المعارض في فرنسا، الاحزاب الاوروبية والاحزاب الكردية الناشطة في العاصمة الفرنسية .

بالتواصل مع كل هؤلاء ، وبحركة حثيثة بين باريس ،بيروت، القاهرة ودمشق ، تمكن حمادة ان يعرض لنا الاحداث كما تدبر وتحاك في دوائر التاثير والقرار الدوليين اعتمادا على الخبر من مصدره الاساس بعيدا عن انفعالات المشهد التللفزيوني الضاغط الذي يفرض على الانسان العربي – كما يقول الكاتب مؤكدا على انه حرص على تجنب الخوض في التحليل وعن الدخول في التفسيرات احادية الجانب ، تاركا للقارىء حرية الاستنتاج .

غير ان كم المعلومات التي يوردها الكتاب بخصوص الشان الاقتصادي  لا تترك مجالا للقارىء الا وان يستنتج ان الاقتصاد هو السبب الاول والاخير في كل ما جرى ويجري على الارض العربية . وان توق الشعوب للحريات، للتغيير، للديمقراطية وللتخلص من الفساد ، هو حقيقة واقعة ومحرك بخاري لاية ثورة ، لكنه استغل من قبل الغرب وتركيا وبعض العرب لتحقيق تلك الاطماع الاقتصادية اضافة الى مصالح اسرائيل في الفضاء العربي . كلام قد لا يبدو جديدا ، فقد قاله الكثيرون ، لكن الجديد هنا ان كتاب نضال حماده يقدمه بالوقائع والارقام والادلة ولا يترك مجالا للتحليل الذي يحتمل الصح والخطا .

 

 

                                                                                   د.حياة الحويك عطية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.