تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

صفقات العيش المشترك‏..‏ وحرب باردة جديدة بين أمريكا وروسيا

مصدر الصورة
الاهرام المسائي

 

في الفترة من منتصف الأربعينيات وحتي أوائل التسعينيات‏,‏ ظهر مصطلح الحرب الباردة علي الساحة السياسية‏,‏ أي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية‏,‏

 وكان يخص تحديدا الولايات المتحدة الأمريكية ومنافسها الاتحاد السوفيتي سابقا وروسيا حاليا‏,‏ وفي ظل غياب حرب معلنة بين القطبين الدوليين‏,‏ قامت القوتان بالاشتراك في عمليات بناء عسكرية‏,‏ وصراعات سياسية كانت لكل منها حساباتها الخاصة‏,‏ وعلي الرغم من أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي كانا حلفاء ضد قوات المحور‏,‏ فإن القوتين اختلفتا في كيفية إدارة ما بعد الحرب‏,‏ وإعادة بناء العالم‏.‏

اقتربت الحرب الباردة من نهايتها في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات‏,‏ بوصول الرئيس الأمريكي رونالد ريجان إلي السلطة‏,‏ حيث ضاعفت الولايات المتحدة ضغوطها السياسية والعسكرية والاقتصادية علي الاتحاد السوفيتي‏,‏ بعدما تسببا معا بأزمات كان من شأنها أن تجر العالم إلي الحرب العالمية الثالثة‏,‏ فكانت أزمة حصار برلين عام‏1948,‏ والحرب الكورية عام‏1953‏ التي استمرت نحو ثلاث سنوات‏,‏ ثم أزمة برلين عام‏1961,‏ وحرب فيتنام‏1956‏ التي دامت نحو‏19‏ عاما‏,‏ والغزو السوفيتي لأفغانستان‏,‏ خاصة أزمة الصواريخ الكوبية عام‏1962,‏ ثم آخر أزمة‏,‏ التي حدثت خلال تدريبات قوات الناتو‏.1983‏

وشهدت العلاقات الروسية ـ الأمريكية من فترة لأخري‏,‏ خاصة بعد الأزمة الجورجية‏,‏ ترديا ملحوظا‏,‏ وقد خلفت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش لخليفتها إرثا ثقيلا من الإجراءات والخطوات التي صبت في مجري توتر أجواء العلاقات بين البلدين‏,‏ وتعود جذور الأزمة كون الوجود العسكري الأمريكي في منطقة آسيا الوسطي والقوقاز يشكل تهديدا لمصالح روسيا القومية‏,‏ وأن التوسع الأمريكي كان من أهم الأسباب التي أدت بروسيا إلي تعليق مشاركتها في معاهدة الحد من الأسلحة التقليدية في القارة الأوروبية‏.‏

وتعود الحرب الباردة من جديد‏,‏ لكن هذه المرة من خلال البوابة الجورجية‏,‏ فمنذ وصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلي الكرملين في دورته الأولي‏,‏ أخذت حدة التوتر بين موسكو وواشنطن في التصاعد‏,‏ واشتدت أوتارها عندما قررت الولايات المتحدة نصب قواعد للصواريخ علي حدود روسيا في جمهوريتي التشيك وبولونيا حليفتي موسكو السابقتين‏,‏ الذي قوبل بانتقادات روسية شديدة‏,‏ وتهديد بتطوير أنظمة مضادة للصواريخ للتغلب علي هذه الصواريخ تعبيرا عن رفض روسيا لها‏,‏ لما تمثله من تهديد مباشر للمصالح الروسية‏.‏

وعندما جاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلي السلطة‏,‏ وخلال فترته الأولي في الحكم‏,‏ كان عليه أن ينظر بشكل مدقق في أهم شباك دولي‏,‏ وهي نافذة العلاقة القديمة مع روسيا‏,‏ وكيف يمكن تطويرها مع مراقبة الأوضاع جيدا‏,‏ والتحكم فيها حتي لا ينفلت زمام الأمور‏,‏ وتنقلب الآية وتعود روسيا إلي سابق عهدها‏,‏ فقد أنتجت العلاقات الثنائية نتائج رئيسية عدة‏,‏ لاسيما منذ نوفمبر عام‏2009,‏ بما في ذلك معاهدة ستارت الجديدة المعالم‏,‏ وعضوية روسيا في منظمة التجارة العالمية‏,‏ والتعاون علي كبح جماح إيران في طموحاتها النووية‏,‏ ومع ذلك في العام الماضي تعثرت العلاقة وسط الاضطرابات الداخلية في روسيا‏,‏ والخلافات بين البلدين حول البنود الرئيسية علي جدول الأعمال الدولي‏.‏

وتحت عنوان حرب أمريكا الباردة الجديدة ضد روسيا‏,‏ كتب ستيفن كوهين أستاذ الدراسات الروسية بجامعتي نيويورك و برنيستون مقالا في ذي موسكو تايمز الروسية‏,‏ رأي خلاله أن ثمة توترا في العلاقات الروسية ـ الأمريكية‏,‏ بسبب نزاعات جوهرية حول الدرع الصاروخية‏,‏ وحول قضايا الشرق الأوسط‏,‏ وحول سياسات روسيا الداخلية‏.‏

ولكوهين رأي آخر في بداية الحرب الباردة الجديدة‏,‏ حيث يري أنها اشتعلت قبل مجيء بوتين إلي الكرملين بعقد من الزمان‏,‏ أي في تسعينيات القرن الماضي‏,‏ بما يعني في فترة حكم إدارة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون التي دشنت سياسة استمرت في إدارة بوش الابن وأوباما‏,‏ ألا وهي‏:‏ توسيع نطاق حلف شمال الأطلنطي ناتو‏,‏ ونشر تجهيزات صاروخية قرب الحدود الروسية‏,‏ وتتضمن تلك السياسة ما سماه الكاتب التعاون الانتقائي‏,‏ أي الحصول علي تنازلات من موسكو دون مقابل‏,‏ بالإضافة إلي التدخل في الشئون الروسية ضمن إطار ما يعرف بـ الترويج للديمقراطية‏,‏ وحسب الكاتب فقد حظي منطق الحرب الباردة طوال عشرين عاما‏,‏ بدعم كبير لديالجمهوريينولديمقراطيين وعلي النخبة السياسية الأمريكية‏,‏ ووسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة‏.‏

وأوضح الكاتب أن أوباما كان يريد من موسكو ثلاثة تنازلات‏:‏ المساعدة في تموين قوات الناتو في أفغانستان‏,‏ وعقوبات أكثر قوة ضد إيران‏,‏ وامتناع موسكو عن استخدام حق النقض الفيتو ضد فرض منطقة حظر طيران في ليبيا قبل اغتيال الزعيم الليبي معمر القذافي‏,‏ وانتهاء العملية العسكرية في ليبيا‏.‏

لقد حصل البيت الأبيض علي الأمور الثلاثة‏,‏ وفي المقابل ترغب موسكو في وضع نهاية لتمدد الناتو شرقا‏,‏ والوصول إلي اتفاق بشأن الدرع الصاروخية في أوروبا‏,‏ ومنع الانخراط الأمريكي المباشر في حياة الروسيين‏,‏ وبدلا من ذلك لم تحصل موسكو إلا علي تصعيد في السياسات الأمريكية تجاهها‏,‏ وضمن هذا الإطار كان قد أصدر الكونجرس الأمريكي في ديسمبر الماضي قانونا يدعي ماجنتسكي من خلاله تتم معاقبة المسئولين الروس‏,‏ وربما أسرهم‏,‏ إذا ثبت اتهامهم في انتهاكات حقوق الإنسان في روسيا‏,‏ وسرعان ما رد مجلس الدوما الروسي بحظر تبني الأمريكيين للأيتام في روسيا‏,‏ وسيدخل الحظر حيز التنفيذ في عام‏2014,‏ فمتي تنتهي الحرب الباردة التي لن يخسر فيها الطرفين الأمريكي والروسي فقط‏,‏ بل العالم بأسره‏,‏ لأن المعركة الآن انتقلت إلي الشرق الأوسط أيضا‏.‏

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.