تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

فؤاد السنيورة: نكبة الوطن

 

ما يقارب الـ 10 أعوام من حياته السياسية الحافلة بالتناقضات والشبهات أمضاها وزيراً للمال، وغادر المنصب مخلّفاً وراءه خزينة خاوية. 4 أعوام قضاها رئيساً للحكومة، حيث لمع نجمه بكاّءًا في حرب تموز 2006، وعُرف متآمراً على المقاومة وشعبها. وسنوات أُخَر زاحم فيها فؤاد السنيورة حب قيس لليلى، فصار مجنون "الأسير".

ربّما لو كان يعلم دولة الرئيس سليم الحص أن تلميذه يستطيع أن يُحدث هذا الحجم من الخراب في بلد صغير كلبنان، لاعتزل التعليم في الجامعة الأميركية منذ ذلك الحين. فمهندس السياسات المالية للبنان منذ التسعينات، تتلمذ على يدي الرئيس الحص في الجامعة الأميركية. حتى أن بعض عارفيه يؤكدون أن الرئيس الحص هو من أوجد السنيورة، وهو الذي اقترح اسمه ليكون عضواً في لجنة الرقابة على المصارف، قبل أن يصبح الرئيس الشهيد رفيق الحريري كفيله، فيعيّنه مسؤولاً عن بنك البحر المتوسط. الى أن استطاع السنيورة بدهائه أن يطيح بوضاّح الحاج، المسؤول عن المجموعة المالية للحريري آنذاك، ويحل مكانه. ثم عيّنه الرئيس الشهيد وزير دولة للشؤون المالية.. وبدأت مسيرته مع الفساد..

الرئيس الذي أمسك بمفاصل السياسة المالية للبلاد منذ عام 1993، لم يترك مجالاً لابرائه لكثرة ما ارتكب. فماذا جنت يدا فؤاد السنيورة على الاقتصاد اللبناني؟

يستشهد رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان في كتاب "الابراء المستحيل" بالمادة 87 من الدستور التي تنص على أن "حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة يجب أن تعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة الثانية التي تلي تلك السنة وسيوضع قانون خاص لتشكيل ديوان المحاسبات"، ليقول إن "هناك من يعتبر نفسه فوق الدستور وخارج نطاق موجب تقديم الحساب فيمتنع عن التقيد بهذا الموجب، لا بل يلجأ إلى تصفير الحسابات حيناً، ويدعو إلى تكرار عملية التصفير كلما جرت مطالبته بهذا الموجب، عنيت بذلك رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة والفريق السياسي الذي ينتمي إليه".

ويؤكد كنعان بموجب الوثائق الواردة في الكتاب "أن هذا الفريق السياسي قد لجأ إلى تصفير الحسابات في مطلع العام 1993، وقدم حسابات منقوصة عن السنوات من 1993 ولغاية 2003، وامتنع عن تقديم أي حساب منذ ذلك التاريخ، ولم يحترم أحكام الدستور وقانون المحاسبة العمومية في إعداد الموازنة وتقديمها إلى المجلس النيابي، وأنفق على أساس مشاريع موازنات لم تُقدَّم إلى المجلس النيابي، أو قُدِّمت بعد انتهاء السنة المالية، وتجاوز في الإنفاق العام خلال السنوات 2006 – 2009 وحتى ما قبلها، وخالف أحكام الدستور وقانون المحاسبة العمومية في تدوين الهبات والمساعدات النقدية المقدمة إلى الدولة، ومنح سلفات خزينة خلافاً لأحكام قانون المحاسبة العمومية، لا بل عاد ليطالب على لسان بعض نوابه بتصفير الحسابات مجدداً بنهاية العام 2010".

فصول الكتاب تتوالى الواحد تلو الآخر، تماماً كما تتوالى تجاوزات السنيورة المالية وغيرها. والحساب في لبنان في طيّات السياسة يضيع. وبما ان الحساب غائب، لا عتب على المرتكب.

وللهبات أيضاً روايتها. خرق الرئيس فؤاد السنيورة الأصول المعتمدة في الدولة اللبنانية لجهة قبول الهبات. بعد عدوان تموز 2006 تدفّقت الهبات الى لبنان لمساعدته في اعادة الاعمار، فكان لها الرئيس بالمرصاد. قانوناً، يجب أن تقبل الهبة من مجلس الوزراء، قبل أن يتم تحويلها الى حساب الدولة اللبنانية، وهو حساب رقم 36 التابع لوزارة المال. أما الرئيس السنيورة، فابتدع مخالفات جديدة. استقبل الهبات بعد حرب تموز دون قرار من مجلس الوزراء، الذي كان فاقداً لميثاقيته آنذاك بسبب غياب مكوّن أساسي عنه. الهبات لم تدخل الى حساب الخزينة اللبنانية، ذهبت الى حساب خاص فتح بمصارف خاصة أو بمصرف لبنان، أو ذهب الى حسابات خاصة بالهيئة العليا للاغاثة.

لم يحترم دولته آليات قبول الهبات وادخالها الى حساب وزارة المالية، كما حال الهبة السعودية التي فَتح فيها حساباً خاصاً في مصرف لبنان، وقال "إنه فتح الحساب حتى يستدين من المصرف"، علماً أن الاستدانة من مصرف لبنان يحتاج الى قانون خاص، وهو ما لم يحصل عليه السنيورة طبعاً.

ونتيجة المخالفات التي حصلت أعلاه، يوجد اليوم خلاف جدي كبير حول قيمة الهبات التي وردت الى لبنان في حرب تموز. السنيورة يقول إن قيمتها هي مليار وثلاثمئة وثمانين مليون دولار، لكن لاحقاً تبين أن قيمة الهبات هي 600 مليار دولار. فمن يحسم الأرقام؟

جرائم السنيورة المالية طعّمها الأخير بنكهة سياسية في حرب تمّوز 2006. لبنان يتعرّض لعدوان اسرائيلي شامل. رئيس كتلة "التيار الأزرق" يسعى لسحب الغطاء الحكومي عن المقاومة في مجلس الوزارء. مجازر بحق أطفال قانا ومروحين بدعم أميركي، والسنيورة يستقبل بالأحضان والقبل عزيزته "كوندي". عشاء عوكر الجامع لجوقة التآمر والتباكي على الوطن واعلانه وطنه منكوباً منذ بداية الحرب، هذه هي أدوار الرئيس العتيد لحكومة لبنان في أحلك الظروف التي يمر بها البلد.

ولأن عملية غسل الأدمغة جارية من قبل فريق لا يخجل من اتهام غيره بما هو فيه، يصبح التذكير أمراً ضرورياً. الرجل السبعيني الذي يرتدي ربطة العنق ويجول من مؤتمر لآخر ليتحدّث عن الوطنية ويتّهم المقاومة بإلحاق الضرر بلبنان، لم يكن سوى المدافع الأوّل عن أمن كيان العدو طيلة حرب تموز، والحريص على المصالح "اللبنانية - الاسرائيلية المشتركة".

بتاريخ 1/8/2006، وخلال لقائه مع السفير الأميركي في لبنان حينها، تروي وثيقة ويكيلكس التي تحمل رقم (06beirut2504) كيف حذّر السنيورة من كون الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية "تغرقان في التفاصيل وتوشكان على خسارة الهدف الرئيسي: الأمن والسلام لإسرائيل، وحزب الله المنزوع السلاح للبنان". وفي وثيقة أخرى (06beirut2535، 5/8/2006) يقول السنيورة لولش وفيلتمان إن إسرائيل رغم المعاهدتين اللتين تربطانها "بمصر والأردن، لم تتمتع بحدود آمنة ومستقرة. لكنها بإنهائها احتلال مزارع شبعا يمكنها ان تضمن سلاماً على حدودها الشمالية".

أمن الحدود الشمالية اذاً هو ما يركز عليه رئيس الحكومة. وفي لقائه مع فيلتمان يوم 28/7/2006( الوثيقة رقم 06beirut2489)، حين كان يعبر عن شعوره بالانتصار لأن مجلس الوزراء تبنى خطة "النقاط السبع" التي عرضها في مؤتمر روما، أمل السنيورة أن تتنبه إسرائيل الى كون بسط سلطة الدولة اللبنانية على الجنوب هو "مفتاح أمن اسرائيل".

وهنا، لا يبدو غريباً ما سبق أن رواه أحد الوزراء السابقين من أن الرئيس رفيق الحريري خلال عودته والوزير السابق الفضل شلق والسنيورة من زيارة للولايات المتحدة مطلع التسعينات، سأل الحريري الشلق إذا كان قد لاحظ شيئاً غريباً، وطلب شلق أن يكتب كل منهما على ورقة ما لاحظه، وكانت النتيجة أن كتب الرجلان أن ما استوقفهما هو الاهتمام الأميركي الكبير بالسنيورة. "الاهتمام" الأميركي الذي أقلق الحريري نفسه، أضاف اليه أحد الوزراء أن أداء السنيورة المعروف بحذره الاقتصادي وبخله في وزارة المال ورعايته أكبر عملية هدر للمال العام في تاريخ لبنان، يؤكد أنه كان يعرف ماذا يفعل على صعيد توريط لبنان في دين كبير.

حقبة فؤاد السنيورة في رئاسة الحكومة خصوصاً في فترتها الغير ميثاقية، كانت بامتياز "فترة السعي الى تحقيق فتنة سنية شيعية من أجل اخراج لبنان من الموقع السياسي الجيو ساسي الموجود فيه، وهو حتى اليوم مستعد للعب أي دور في سبيل الوصول الى هذا الهدف"، يقول مراقبون.

بخلاصة يصفه بعض عارفوه بأنه "شخص يعتقد نفسه ذكياً لكن ذكائه مدمّر". والّدمار هو ما جنته حقاً يدا السنيورة على الاقتصاد اللبناني، وعلى صيدا بوابة المقاومة.

لم يكن ينقص تاريخ الرجل المليء بالمخالفات المالية والتجوزات السياسية سوى دعم العصابات الارهابية الخارجة عن سلطة الدولة، والتحريض ضد المؤسسة العسكرية. يكاد السنيورة يخرق الرقم القياسي في موسوعة غينيتس لجهة تنوع مخالفاته وجرائمه بحق الوطن.

يحاول السنيورة أن يلعب بنجاح دور الوكيل الحَدق كائناً من كان الأصيل. فهو وكيل الرئيس المغترب في بلاد النفط العربي، يرأس الاجتماعات نيابةً عنه ويرسم السياسات والتحالفات أيضاً. كذلك هو وكيل السياسات الأميركية - الاسرائيلية في لبنان. وهو المتماهي بخطاباته وأفعاله دوماً مع الخطاب الاسرائيلي الرسمي. يطالب بنزع سلاح المقاومة حيناً ويحرّض عليها من البوابة المذهبية حيناً أخر. لكنه كان ولا يزال يحقق الفشل تلو الآخر، من خيبة تموز 2006 الى هزيمة مشروعه الفتنوي الأخير في صيدا، التي لم يجلب اليها الا الخراب.

من يحاسب فؤاد عبد الباسط السنيورة على جرائمه بحق الوطن ؟ ميساء مقدم

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.