تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

قراءة الاقتراح الروسي؛ أمريكياً وسورياً!!

                                                                                                                                    10/9/2013

كان واضحاً أن عدة أمور تحدث في الأيام الماضية، بشأن الأزمة السورية؛ منها، حديث الوزير وليد المعلم قبل اللقاء مع نظيره الروسي سيرجي لافروف أن سورية ستنزع ذريعة استخدام الكيماوي من أيدي الأمريكان؛ أحاديث إيرانية عن توجه إيجابي لدى المرشد علي خامنئي للتعامل مع أوروبا والولايات المتحدة؛ "الزكزكات الأمريكية" والتصريحات المتناقضة ولقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما نظيره الروسي فلاديمير بوتين بعدما نفى الأول إمكان حدوث مثل هذا اللقاء على هامش قمة العشرين في السابق؛ الموقف الروسي القوي الداعم لحليفته سورية؛ وتصويت البرلمان البريطاني.. الخ، كل هذه الأمور كانت تشي بأن هناك "طبخة" ما يتم إنضاجها.

أمَا، وقد جاء الاقتراح الروسي الذي أعلنه الوزير لافروف ورحبت به سورية بشأن وضع السلاح الكيماوي السوري تحت رقابة دولية، فإن هذا الاقتراح يثبّت أولاً دور روسيا ومكانتها على المسرح الدولي قائدة لعالم متعدد الأقطاب، في مواجهة الغرب المتهالك. أما انعكاس الاقتراح أمريكيا وسورياً، فيمكن الحديث عن عدة نقاط:

أمريكياً، سجّل الاقتراح الروسي هدفاً في المرمى الأمريكي بأن روسيا تحاول العمل على تحقيق السلام في العالم وتقدّم الاقتراحات لذلك، فيما أمريكا ورئيسها الحائز على جائزة نوبل للسلام تخطط وتسعى للحرب. كما أن الاقتراح الروسي يمكن النظر إليه من زاويتين متعاكستين؛ إنْ قبلت به الإدارة الأمريكية، فهو سيساعد هذه الإدارة والرئيس أوباما على الخروج من المأزق الذي وضع الأمريكان أنفسهم فيه والحفاظ على صورة أوباما والولايات المتحدة، وتجنب حرب يعلمون متى تبدأ والله وحده يعلم متى قد تنتهي... وما إلى ذلك، وتالياً، تجنّب الحرب ضد سورية حليفة روسيا وهذا هو الجانب المهم جداّ للقيادة الروسية لتهدئة الاشتباك مع أمريكا. وقد ترك الاقتراح الروسي أثره مباشرة عندما أعلن رئيس الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور هاري ريد أنه تم إرجاء التصويت الأولي الذي كان مقرراً غداً الأربعاء في المجلس حول مشروع قرار يجيز توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا.  

أما إذا رفضت الإدارة الأمريكية الاقتراح الروسي، فهذا الرفض سيضعفها أكثر مما هي ضعيفة ومعزولة شعبياً وعالمياً، وسيجعل إقبالها على الحرب أمراً ممجوجاً وقبيحاً ومخالفا للقانون الدولي ولشرعة الأمم المتحدة؛ وبالتالي تكون روسيا قد وضعت الولايات المتحدة في خانة الدفاع بعد أصوات الحرب الصاخبة التي مارستها طيلة الفترة الماضية. كذلك تبرز أهمية الاقتراح الروسي بأنه كشف تناقض الأهداف بين الولايات المتحدة وحلفاءها؛ فواشنطن تريد الخلص من السلاح الكيماوي خدمة لإسرائيل، فيما الحلفاء العرب والأتراك يريدون الحرب على سورية لتخريب سورية وإسقاط الدولة السورية، ولذلك بدا الوجوم والارتباك على الحلفاء العرب والإقليميين الذين يريدون الحرب على سورية ولا شيء آخر، وقد انعكس ذلك التخبط في إعلامهم بشكل واضح، ولاسيما الإعلام السعودي!!.

سورياً، يمكن البدء من كلمة الوزير المعلم؛ نزع الذريعة التي تهدد بها الولايات المتحدة. فالسوريون قدّموا ورقة يطلبها الأمريكان وهم لا يريدون الاحتفاظ بها لأنها أصبحت عبئاً عليهم. كيف؟ السوريون لا يريدون الاحتفاظ بما لديهم من السلاح الكيماوي ولكنهم لا يريدون التخلص منه مجاناً. فالسلاح الكيماوي ـ إن وجد؟؟ ـ لايمكن استخدامه في أي حرب مقبلة أولاً، والاحتفاظ به يحمّل الحكومة السورية مسؤولية كبيرة إنْ لحمايته أو لمنع انتشاره ثانياً، ولأن سورية لديها أسلحة ردعية أخرى أهم من الكيماوي ويمكن استخدامها دفاعاً عن النفس وضمن القانون الدولي، إذا ما تمت مهاجمتها من قبل أي عدو خارجي ثالثاً، فلماذا يحتفظ السوريون بالكيماوي؟ وإذا ما عدنا إلى تجربة حزب الله في الحرب ضد إسرائيل، فقد ركّع الحزب الصغير الجيش الإسرائيلي مع أنه(الحزب) لا يمتلك طائرات أو أسلحة فتّاكة مثل الكيماوي أو النووي الإسرائيلي؟

أمر آخر، وهو آن سورية وبعدما انتزعت ذريعة الحرب، يمكنها الانتقال للمفاوضات مع الولايات المتحدة، وبالتالي، يمكنها الدفع لوقف تمويل وتسليح الإرهابيين الذين تجلبهم السعودية وقطر وتركيا من كل بقاع العالم للقتال في سورية؛ فهؤلاء سيتوجهون للقتال في أوروبا وأمريكا بعد سورية، وسورية لديها الكثير من القرائن والدلائل والإثباتات التي تؤكد ذلك.

قد يقول البعض إن موافقة سورية على المقترح الروسي جاءت بسبب الضغط العسكري ألأمريكي، لا يهم. ومع ذلك فالرد بسيط وهو أن التردد الأمريكي والتراجع البريطاني والتلكؤ الفرنسي كانوا أيضاً بسبب قوة سورية وحلفاءها، وإلا لكان الغرب مشى إلى الحرب مختالاً دون أي حجة أو منطق أو ذريعة، أو رأي عام شعبي، وقد فعلها سابقاً!!

بالمحصلة، فإن خيار السلام هو الأفضل للجميع، لكن الواضح أن المقترحات الروسية لم تكن معزولة عن حزمة تطورات يجري بلورتها، كما أنها لم تكن وليدة الصدفة. ويبدو أن هناك اتفاقات مهمة ستحصل في المنطقة برعاية روسية وتنسيق أمريكي وتضم إيران وسورية، "سيستدعى إليها السعوديون والقطريون والأتراك: بعضهم لدفع فاتورة العشاء والبعض الأخر لتنظيف المائدة.

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.