تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

التوازن الدولي الجديد ومنعكساته الإقليمية!!

                                                                                                                             15/10/2013

لم يعد سراً أن الأحادية القطبية الأمريكية في آخر أيامها. ولم يعد سراً أن التعاون الروسي الصيني إضافة إلى تبلور مجموعة دول البريكس أفرز ما يمهّد لنظام دولي جديد متعدد الأقطاب. ملامح هذا التراجع الأمريكي بدأت في مجلس الأمن الدولي بعد الاستخدام المزدوج للفيتو ثلاث مرات من قبل الصين وروسيا بشأن الأوضاع في سورية. واستمر التراجع الأمريكي والتقدم الروسي حتى حصل الانعطاف الكبير أو التوازن الجديد في الاتفاق المشترك بينهما بشأن السلاح الكيماوي السوري. لقد غيّر هذا الاتفاق الكثير من المعايير والمعطيات والتوازنات في العالم؛ لم يتوقع الكثيرون حدوثه وخاصة أصدقاء الولايات المتحدة الأمريكية فكانت خبيتهم وإحباطهم شديدين؛ فبعد الاتفاق ليس كما قبله؟!!

أولاً، أصيب أصدقاء الولايات المتحدة بالحرج والإحباط واليأس لأنهم لم يكونوا يتوقعون هذا التراجع الأمريكي عن العدوان على سورية؛ ونعني فرنسا والسعودية وتركيا وقوى ما يسمى الرابع عشر من آذار في لبنان والمعارضة السورية، وإسرائيل. وكلٌ له أسبابه وطموحاته وأهدافه وغاياته. الإحباط كان واضحاً وكان كبيراً لأن الولايات المتحدة لم تخبر أياً من هؤلاء بما كانت تتفاوض من أجله مع الروس، وقد كشفت تطورات الأحداث والأيام التي تلت الاتفاق حقيقة ذلك ولاسيما مواقف هذه الأطراف نفسها والتي بدأت تنتقل من فشل إلى فشل ومن تلعثم بالكلام والمواقف إلى الارتباك والتخبط والضياع. بكلام آخر لم تعد الإدارة الأمريكية راغبة بالقيادة ـ لا من الخلف ولا من المقدمة ـ التي يريد هؤلاء توجيهها إليها؛ أي فتح جبهات جديدة وخوض حروب جديدة هي تهرب منها. الإدارة الأمريكية نفضت يديها من كلّ ما تخطط له هذه الأطراف لأسباب تتعلق بها وبهم؛ إذن بقيت هذه الأطراف دون رابط قوي يجمع بينها أو يوجهها أو يقودها!! وهذا التراجع الأمريكي سمح لبعض الدول بإعادة تصويت مواقفها ـ مثل الأردن الذي ساير المواقف السعودية والقطرية، في ظل القيادة الأمريكية، فيما لم يعد مضطراً لهذه المسايرة التي تقود إلى الهاوية بعد أفول الدور الأمريكي.

ثانياً، بالمقابل، فإن مجموعة الدول التي تقودها روسيا، إلى حدّ ما، أثبتت تلاحمها وتعاونها وبالتالي حضورها الفاعل على الساحة الدولية. وانطلاقاً من الحرب على سورية وفيها، استطاعت روسيا بعد الصمود السوري المؤيد منها ومن خط المقاومة وإيران والصين ودول البريكس والكثير من دول العالم، أن تضع بهدوء وتأن وصبر ودبلوماسية ذكية، حداً للأحادية الأمريكية دون أن تكسرها. هذا التموضع الجديد للعلاقات الدولية الذي فرضته الحرب السورية انتبه إليه البعض بذكاء فسارع إلى التقاطه والتعاطي معه بروح إيجابية؛ قطر والمملكة البريطانية المتحدة. ولا يعني ذلك أبداً أن قطر لن تدفع ثمن دورها السابق في الحرب التخريبية في سورية؛ وعاند البعض الأخر هذا التحول محاولاً إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فكان أن تم تجاهله، فرنسا؛ أما السعودية فغرقت في إحباطها وراحت تنفذ سياسات ارتدادية تعبّر عن فقدان التوازن، في حين وقفت تركيا تراوح مكانها ـ كما يقول المثل؛ لا معلّق ولا مطلّق ـ وقد خسرت كل شيء في الاقتصاد والسياسة والأمن والمجتمع وانتقلت من سياسة صفر مشاكل مع الجيران إلى كل المشاكل معهم وإلى بناء الجدران مع الجيران؟؟

ثالثاً، ترافق كل ذلك ببدء تحريك المصالحة الإيرانية ـ الأمريكية، والبريطانية ـ الإيرانية. وبعد الخطوات التصالحية التي بدأت في الأمم المتحدة، أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قبل أيام أن النافذة بين بلاده وإيران تزداد اتساعاً، وهذا كلام مهم جداً لمن لا يزال يشكك بالتقارب الأمريكي الإيراني وينتظر فشله. بالطبع لا يمكن فصل هذا التقارب الأمريكي الإيراني عن الاتفاق الروسي الأمريكي بشأن السلاح الكيماوي السوري. فالروس، كما يبدو، وضعوا الأسس لمرحلة جديدة في الشرق الأوسط والعالم بدءاً من سورية. أما مصر فبدأت رحلتها باتجاهين؛ الابتعاد عن الولايات المتحدة والتقارب مع روسيا، وهذا سيكون له تأثيره بالتأكيد على العلاقات الإقليمية وإعادة تموضع الكثير من الدول.

رابعاً، هذا التبدل في توازن القوى الدولية والعلاقات الدولية يشير إلى عدّة أمور؛ أولها أن الولايات المتحدة جاهزة لتبديل تحالفاتها كما هو معروف وفق أولوية مصالحها ومن لا يريد أن يفهم ذلك فهذه مشكلته لا مشكلتها وهي لن تخوض حرباً لمصلحة أحد؛ وثانيها، أن الولايات المتحدة اقتربت من الخط الذي تقوده روسيا لأن هناك الكثير من الأمور المشتركة بين الطرفين وأهمها محاربة الإرهاب الخطير الذي ترعاه حليفتها السعودية في العالم وفي سورية تحديداً. ثم أن الاكتشافات النفطية لديها تجعلها تستغني عن النفط الخليجي، فلماذا عليها تحمّل القرف الذي تمارسه القيادة السعودية. وثالثها، أن هذا الخلل سيتيح إقامة علاقات جديدة بين الأقوياء المنتصرين وبعض الذين تمكنوا من التخلص من الوصاية الأمريكية والسعودية. وفي هذا السياق، يمكن التذكير بتجاهل القيادة السورية للدور الأوروبي ولاسيما الفرنسي منه منذ بداية الأزمة السورية وحتى قبلها، لأن هذه القيادة كانت تدرك أن هذا الدور تحكمه المواقف الأمريكية وتقلباتها ولذلك لم تعره أي اهتمام جدي. والآن وبعد التحول الأمريكي، وثبات دمشق وصمودها، بدأ الأوروبيون والكثيرون من العرب وغيرهم التهافت إلى دمشق من كل الأبواب وعبر كل الطرق.

الأمر المهم حالياً هو محاربة واجتثاث الإرهاب الذي زرعته تركيا والسعودية وقطر وفرنسا في سورية حتى لا ينتقل إلى بلدان أخرى؛ هذا هو هدف المرحلة للانتقال بعدها للاستقرار والحل السياسي في سورية؛ وبالطبع لن تكون هذه الأطراف المخرّبة في عداد القوى التي يمكنها محاربة الإرهاب إلا بعد أن تنظف نفسها ممن عملوا على تغذية الإرهاب بكل السبل.

الارتجاج الدولي الروسي ـ الأمريكي أحدث خلالاً في المواقع والتحالفات والتوازنات، والمرحلة هي للتفتيت والتركيب وإعادة التكوين، وسنشهد تباعد أطراف كانت متقاربة وتقارب أخرى كانت متباعدة، وستظهر قوى وتغيب أخرى في المرحلة القادمة، والنتائج التي ظهرت حتى الآن تشير إلى تراجع أهمية دور السعودية وإسرائيل بشكل أساسي لدى الإدارة الأمريكية، ولذلك نسمع منهما خطاباً متذمراً متشابهاً.

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.