تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

قراءة في المشهد السوري بقلم وزير الإعلام عمران الزعبي

مصدر الصورة
صحيفة الثورة السورية

لم يعد الحديث عن بدايات العدوان على سورية بذاته محل نقاش إلا من زاوية تحديد الأهداف والتأريخ لما كان، حيث بات مهماً التأكيد على أن المشهد انجلى تماماً ولم يعد خافياً على أحد طبيعة ما يحدث،وماهية الأطراف المتصارعة بشكل مباشر أو غير مباشر، لكن ذلك العدوان بحاجة إلى تحديد خصائصه ومكوناته لبيان مدى وحجم التناقضات الحادة بين مجموع المكونات سواء في الميدان العسكري أو في الميدان السياسي الإقليمي والدولي.‏

فمنذ بداية الأحداث في سورية توفرت لقلة من المتابعين إمكانية قراءة المشهد وتحديد اتجاهاته المستقبلية، ولاسيما أن المشهد السوري ورد مندرجاً في مشهد أكبر إقليمي وعربي تمظهرت فيه حكايا عن ربيع عربي وثورات شعبية جاءت في أبرز محطاتها بالمتطرفين الى مركز السلطة في مصر وتونس وليبيا وترافق ذلك مع صعود مستويات الريبة لدى القوى القومية واليسارية والعلمانية بسبب مواكبة هذا الصعود من قبل قوى خارجية حاملة على نوعين:‏

أ- القوى المتطرفة الراديكالية التي تمثلها حكومات قطر والسعودية وتركيا.‏

ب- قوى عالمية رسخت نظرتها نحو المنطقة من خلال مبدأ الحفاظ على أمن اسرائيل والهيمنة على النفط والغاز.‏

ومع تراكم تداعيات التحولات الفوضوية واطلاق اكبر عملية ثأرية للاخوان المسلمين تحولت الريبة الى يقين من ان مشروعاً واسعاً وعميقاً يستهدف بنية الدول الوطنية في المنطقة بغية اعادة تكوينها ذاتياً بغض النظر عن الجغرافية والتاريخ ومحصلات القوة الكائنة والمتشكلة عبر عقود طويلة.‏

لذلك كان بدهياً فهم حقيقة ما جرى في سورية واتساع عدد العارفين والقانعين بهذه الحقيقة لاسيما بعد تحقق جملة عوامل منها:‏

أ- حجم القوى الوطنية والتقدمية في سورية وامتلاكها لقدرات المواجهة.‏

ب- ضآلة وسذاجة الادوات الاميركية في المنطقة «تركيا، السعودية، قطر وآخرين» وغياب الرؤية وانحسار القدرة على التحليل الكلي لما حدث ويحدث.‏

ج- سقوط الدور السياسي للجامعة العربية نهائياً وتحولها الى طرف في الصراع.‏

د- ارتباك السياسات السعودية بسبب الاداء الديبلوماسي وهشاشته واعتباره المنبر الاعلامي اداة وحيدة للممارسة السياسية.‏

هـ-المواجهة الكامنة بين مشروعي اخونة الدولة التركية وعلمانيتها وبدء بروز هذه المواجهة الى العلن.‏

و- محاولات بعض الاطراف المستمرة للايحاء بأن لها أدواراً اقليمية بمعزل عن الولايات المتحدة الاميركية كما في الحالة الفرنسية والتركية والسعودية.‏

ز- محاولات القوى المتطرفة اسقاط الدور الاممي وابطال اي عمل سياسي او مسار سياسي عبر تصعيد المواجهات الميدانية وتقديم الدعم العسكري والاستمرار في الدعوة للتدخل العسكري الخارجي المباشر.‏

ومن هنا يمكن القول إن العدوان على سورية شكل انتقالاً تاريخياً على المستوى العربي والاقليمي والدولي من خلال ما ابرزه هذا العدوان من معطيات ومفاهيم جديدة وما رسخه من مفاهيم تاريخية، ولعل اوضح هذه المعطيات والمفاهيم هي:‏

1- التمايز العميق والواضح بين امكانيات المشروع القومي القادرة على ادارة مجموع الدول الوطنية- العربية- وامكانات المشروع الاخواني المغلف بالاسلام كعقيدة والمستغرق بنيوياً بمفردات المشروع الصهيوني في المنطقة.‏

2- غياب المعارضة السياسية كحالات هيكلية ذات اسس وانظمة وبرامج لمصلحة فرديات مصابة بعصاب ايديولوجي او شخصي يجعلها عاجزة عن تبرير مواقفها وردود افعالها امام الجمهور.‏

3- الانكشاف السياسي النهائي لجميع الاطراف - دولاً او مجموعات سياسية- او تحالفات من حيث مواقفها وادوارها وارتباطاتها المتعددة.‏

4- العجز الغربي عموماً والاميركي خصوصاً في التعاطي مع الحقائق والواقع بسبب من عدم فهمها لمجموع المتغيرات السياسية والاقتصادية والثقافية التي حدثت خلال قرن من الزمان في المنطقة العربية وجهلهما لمكامن القوة ومواضع الضعف.‏

5- استمرار اعتماد القوى الغربية حلفاء في المنطقة يمثلون حالة التخلف والبؤس السياسي والحضاري واعتبارهم دعاة للتغيير والتطوير ونشر الديمقراطية؟!‏

6- المعايير المزدوجة للغرب في التعامل مع القوى الفاعلة والمؤثرة الناجمة ايضاً عن اعتماد المرجعية الاسرائيلية كمرجعية وحيدة في تقييم المخاطر والمصالح.‏

7- حالة الوعي الصريح لدى شعوب المنطقة والعالم وحكوماته بطبيعة ما حدث في سورية ولاسيما لجهة فهم العلاقة الوطيدة بين هياكل المعارضة والتنظيمات المسلحة الارهابية وعجز الاعلام الغربي والعربي عن الاستمرار في تقديم صورة مناقضة لهذه العلاقة.‏

8- محاولة الادارة الاميركية الاستمرار في اغنية الشيطان لتبرير تورطها في سورية بدل البحث عن مخرج آمن ونهائي لهذا التورط.‏

9- إدراك الغرب ان التحولات العميقة ستحدث في دول السعودية وتركيا بسبب الاوضاع الداخلية لكل منهما ومحاولة الغرب تأجيل ما لا يمكن تأجيله.‏

10- صعود الدور الروسي والصيني والايراني على المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي إيذاناً بعصر جديد من التوازنات الاقليمية والدولية التي ستأخذ مساحاتها ومكانتها على حساب الدور الاميركي.‏

ان مقاربة شفافة للواقع في المنطقة ستفضي بالضرورة الى نقاش جدي وعلني داخلي اولاً وخارجي عموماً رغم رهانات بعض اطراف المعارضة الداخلية على ذات الخيول الخاسرة التي جرى اعتمادها قبل عامين ونصف العام ولعل هذا ما يجعل ضرورياً وملحاً ان تطرح المعارضة الداخلية الوطنية تحديداً افكارها في مواجهة معارضات خارجية او داخلية لا تمتلك ارادة سياسية حرة وفعالة.‏

ان المسار السياسي هو الخيار الاصيل للدولة السورية منذ اللحظات الاولى للعدوان لكن هذا المسار ليس اعتباطياً او غوغائياً وهو يحتاج الى سياسيين لا ارهابيين تلطخت ايديهم بالدماء السورية، ويحتاج الى سياسيين يؤمنون بالدولة والوطن والشعب ويعتبرون لغة التهويل ودعوة الآخر الى مهاجمة سورية خيانة وطنية.. يحتاج الى سياسيين يتجاهلون لغة تبرير الماضي لمصلحة لغة استدعاء المستقبل السوري بأيدٍ سورية حرّة وسيدة.‏ويحتاج الى سوريين لا يعانون من رهاب الحوار مع الدولة.. حوار مباشر لا يمر عبر الآخرين او عبر الاعلام المجيّش ضد الدولة.‏

ويحتاج الى سياسيين لا يبحثون عن مشجب لأخطائهم، ويفهمون ان الفضيلة الوحيدة لممارسة السياسة هي قدرة هذه الممارسة على خدمة الوطن والانسان.‏

                                                     وزير الإعلام‏ السوري: عمران الزعبي

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.