تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

هل تتلاقى البرغماتية السورية ونظيرتها ألأمريكية!!

مصدر الصورة
SNS

                                                                                                                                 23/10/2013

لم تشهد العلاقات السورية ـ الأمريكية في العقود الأربعة الأخيرة حالة من الاستقرار. شهدت الكثير من التحولات والصعود والهبوط، وكان للأطراف الخارجية دوراً مؤكداً في هذا التذبذب. رغم ذلك لم تنقطع العلاقات السورية الأمريكية، ولكنها في العقد الأخير تعقدت أكثر من مرة وخاصة في السنتين الأخيرتين. ومع ذلك فالبلدان يمارسان السياسة والبراغماتية والواقعية في متابعة تحقيق مصالحهما. وفي هذا السياق، وقبل الخوض في الإجابة عن سؤال العنوان، يمكن الحديث عن حادثتين مهمتين حصلتا في الأشهر الثلاثة الأخيرة تؤكدان براغماتية الطرفين؛

الأولى، اتصال وزير الخارجية الاميركي جون كيري مع نظيره السوري وليد المعلم في آب الماضي رغم شدة التوتر في العلاقات بين البلدين. آنذاك، تحدّث الطرفان عن مضمون المكالمة، لكن تطورات الأحداث والاتفاق الروسي ـ الأمريكي حول السلاح الكيماوي السوري، تشي بأكثر مما أعلنه الطرفان. أما الحادثة الثانية فهي تأكيد الرئيس بشار الأسد في حديثه قبل أيام لقناة الميادين، التعاون السوري "مع الاستخبارات الأمريكية في موضوع مكافحة الإرهاب"، وفي عملية السلام، في التسعينيات وقبل بدء الأزمة في سورية بشكل مباشر على خلفية الوساطة التركية نهاية عام 2008.

في بداية تسعينات القرن الماضي، كانت الولايات المتحدة تبني نظاماً عالمياً جديداً كما أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب؛ وقتها كان النظام العالمي يعني "الأحادية القطبية الأمريكية" ونشوة النصر التي امتدت حتى نهاية العقد الماضي تقريباً. أما في بداية العقد الحالي فروسيا هي التي تتحدث عن نظام "عالمي تعددي جديد" تقول إنها موجودة على رأسه وحولها مجموعة من الدول الأخرى وسط تراجع الأحادية القطبية الأمريكية. ما علاقة ذلك؟ كل العلاقة. فعندما أتى وزير الخارجية ألأمريكية الأسبق كولن باول إلى سورية للقاء الرئيس بشار الأسد بعد غزو العراق في العام 2003، كان يعتقد أنه يحمل شارة النصر ويرفعها متحدياً. كان يتسلح بالهيبة الأمريكية في وجه سورية التي كانت تبدو وحيدة أثناء غياب روسيا وتخاذل عرب أمريكا النفطيين. كان باول يعتقد أنه قادر على فرض الشروط الأمريكية على سورية بمنتهى السهولة. بالطبع لم يحصل ذلك؛ تعاونت دمشق في ملف الإرهاب، وتحدت واشنطن في ملفات عديدة ولاسيما في قضية ابتزاز سورية في اغتيال رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري.

بالمقارنة، فإن سورية الآن، وبعد حرب شبه عالمية عليها مستمرة منذ أكثر من ثلاثين شهراً تخرج منتصرة بعد صمود فاق كل التوقعات وخالفها. تغيّرت المعطيات جميعها تقريباً بين العقد الماضي والحاضر؛ الولايات المتحدة تتراجع عسكرياً واقتصاديا وثقافياً...الخ إلى الواقع والحجم الطبيعي لها، وبدأت تدرك فعلياً حدود القوة الأمريكية؛ روسيا الحليف السوري الصلب تتقدم المشهد الدولي وتلعب دورها في التأثير على الموقف والقرار الأمريكي وغيره من الدول؛ سورية تثبت ما كانت تقوله خلال ثلاثين عاماً؛ إنها قلعة الصمود؛ الحلف الأمريكي التركي السعودي الفرنسي يتراجع وسط تخبط واتهامات وخلافات تعصف به؛ بينما حلف سورية إيران والصين وحزب الله ودول البريكس وكثيرون آخرون، يتقدم داعماً لانتصارها ومتكأً له. المعادلة إذن مختلفة تماماً!!

البراغماتية الآن اقتضت من الطرفين السوري والأمريكي قراءة المشهد بهدوء وتأن عميقين. ماذا ينفع الخلاف والذهاب إلى الحرب حيث سيخسر الجميع! لماذا لا يتم اتباع سياسة أخرى يكسب فيها الجميع؟! هنا كان الدور الروسي القوي حاضراً وفاعلاً ومفصلياً؛ التقريب بين الطرفين وتوضيح حقيقة المشهد ونقل الصورة الصحيحة وترتيب الاتفاق الذي غيّر المعادلات والموازين. الرئيس بشار الأسد أكد لقناة الميادين أن اتفاق الكيماوي لم يكن وليد لحظته. إذن كان الروس يعملون خلف الستار ببرودتهم المعهودة تاركين لوسائل الإعلام ومَن خلفها التأويل ونسج سيناريوهات الحرب وأشكالها ونهاياتها المختلفة ونهاية سورية طبقاً لما يتخيلون ويتمنون.

قبل الأزمة في سورية، وخلال أسوأ مراحلها، والآن بعد قطوعها، واصل الرئيس بشار الأسد التأكيد أنه لا يتعامل مع الأدوات، بل يتعاطى مع السيد. وهذا ما يحصل الآن؛ جلب هذا السيد للتعامل والتعاون مع سورية وفق مصالحها؛ "نحن متمسكون بحقوقنا وبمصالحنا.. لا يمكن أن نذهب بعكس هذه المصالح"(الرئيس الأسد لقناة الميادين). ليس المطلوب من سورية كسر الولايات المتحدة ولا عرقلة مصالحها في المنطقة، ولكن ممنوع على الولايات المتحدة كسر سورية والإضرار بمصالحها أيضاً ومصالح حلفائها. وعلى قاعدة الاعتراف بمصالح الطرفين يمكن العمل معاً لمحاربة الإرهاب وتحقيق السلام وربما أبعد من ذلك. هل التقارب الأمريكي الإيراني يخدم هذا التوجه؟ من المنطقي الإجابة بنعم مدعومة بإعادة العلاقات الإيرانية ـ البريطانية وبالتحضير لمؤتمر جنيف2 لإنهاء الأزمة السورية وبدء المرحلة الجديدة من إعادة البناء. مكالمة جون كيري وحديث الرئيس الأسد أمثلة عملية على براغماتية الطرفين وقدرتهما على البحث عن مصالح البلدين؟!!

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.