تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الأمن الوطني السعودي!!

                                                                                                                                  27/10/2013

أياً تكن الأسباب التي أدت إلى تردي العلاقات الأمريكية السعودية أو لنكن أكثر دقة؛ بروز الخلافات بين الطرفين في شأن عدد من القضايا الإقليمية وتراجع التنسيق بينهما وانكشاف أمن المملكة بعد عقود قضتها في حماية المظلة الأمريكية تحت شعار الأمن مقابل النفط، فإن هذا التراجع أو الافتراق كشف عدداً من الملاحظات يمكن الحديث عن أهمها بوضوح:

أولاً، إن أمن المملكة يجب أن يعتمد بالدرجة الأولى على المملكة ذاتها وعلى قواها ومواردها الذاتية المالية والبشرية والتقنية والعسكرية والاقتصادية...الخ، وعلى إقامة أحسن العلاقات مع بلدان الجوار بالدرجة الثانية لإبعاد الأخطار والتهديدات، فهل عملت المملكة على هذين الأمرين؟ أبداً. لم تسعَ السعودية إلى تطوير قدراتها الذاتية رغم توفر أهم عامل لذلك، ألا وهو المال. فالسعودية مثلاً بقيت وإلى الآن تستجلب المعلمين والمدرسين من مصر ولبنان وسورية والأردن. تعد مشكلة التمويل من أهم المشاكل والعقبات التي تواجه التطوير في أي بلد من بلدان العالم، ولكن هذه المشكلة محلولة في المملكة، ومع ذلك لم يتم استخدام المال السعودي في الوجهة الصحيحة أبداً.

أما بالنسبة إلى علاقات  السعودية مع دول الجوار فهي بالمجمل سيئة وتقوم على الإكراه والابتزاز والضغوط والتدخل في الشؤون الداخلية لهذه البلدان؛ ونكتفي بالإشارة إلى طرد /200/ ألف عامل يمني من السعودية، كما نشير إلى مثال آخرهو ابتزاز السعودية للأردن لمجاراة مواقفها بشأن الأزمة  السورية.. ناهيك عن سوء العلاقات السعودية مع سورية والعراق وإيران وغيرها من البلدان وصولاً إلى روسيا. والسؤال البديهي لأي شخص عادي وليس لأن سياسي؛ كيف تتوقع السعودية أن يكون وضعها في محيط تعمل على محاربته وتخريبه والإساءة إليه؟!! وبدل اعتماد سياسة التخريب والتدمير والابتزاز والتدخل السلبي في بلدان الجوار، كان الأفضل للمملكة المساعدة في تطوير هذه البلدان وإقامة المشاريع فيها وبالتالي جعل هذه البلدان تسعى من ذاتها لضمان أمن المملكة ...كان من الأفضل للسعودية بناء علاقات جيدة مع مصر والعراق وسورية وإيران وتشكيل منظومة إقليمية تكون قادرة بذاتها على حماية نفسها ويُحسب لها ألف حساب، لا أن تقاتل السعودية كلا من العراق وإيران وسورية ثم، وبعدما انكشفت وبقيت شبه وحيدة، بدأت تحاول اللحاق والعمل على كسب مصر الانتقالية؛ هذه ليست سياسة ولا أفق لها ولا تخدم مصالح أحد حتى أصحابها.

ثانياً، ليس من الخطأ بالمبدأ الاعتماد على مظلة دولية لحماية المملكة، ولكن الخطأ هو الاعتقاد بديمومة هذه المظلة، واعتمادها على دولة واحدة في مرحلة يعلم القاصي والداني أن قوة ومركزية وحجم هذه الدولة إلى تراجع بشهادة واعتراف المعنيين فيها قبل غيرهم، فأين كان أهل المسؤولية في السعودية عن هذا الأمر، ولماذا غفلوا عنه؟!  والخطأ الأكبر في هذا السياق، هو التوجه إلى معاداة الدول الأخرى التي من المحتمل أن تكون المظلة البديلة في مرحلة الانتقال هذه، بدل فتح صفحات جديدة معها والتناغم مع الحالة المستجدة وقراءة الأمور بروية وهدوء وبرؤية إستراتيجية بعيدة المدى. فالانفعال السعودي بسبب المتغيرات الدولية والإقليمية لا يفيد في شيء، بل هو يزيد الطين بلّة والأمور سوءاً، وردود الأفعال المرتجلة لن تحقق الأمن الوطني للمملكة العجوز، ومعاداة روسيا مثلاً أو محاولة تهديد مصالحها لن يخدم مصالح المملكة بالمطلق. 

ثالثاً، يحق للملكة أن تشعر بالإحباط من التحول في السياسات الأمريكية، ولكن لا يحق لها أن تلوم أحد إلا قادتها وساستها وسياساتهم التي لم تقرأ التحولات العالمية ولم تأخذ المبادرة إلى التصرف السليم، في المكان والتوقيت المناسبين. فالولايات المتحدة تحاول متابعة تحقيق مصالحها وهذا واجبها كدولة، وعلى السعودية أن تفعل الشيء ذاته. ولكن هذا يتطلب معرفة هذه المصالح وتحديدها بدقة، ومعرفة كيفية حمايتها حقيقةً، وبشكل صحيح وبناء وانتهاج السياسات التي تحقق هذه المصالح، وليس بنشر الفكر التكفيري وتدريب الإرهابيين وتمويلهم والارتجال وقيادة الحملات الإعلامية ضد هذا أو ذاك.

رابعاً، السعودية تحولت بسبب سياساتها الحمقاء عبئاً على الأصدقاء قبل الخصوم. إنَّ من يتابع المواقف الدولية يجد أن سياسات المملكة تحولت عبئاً كبيراً على الأوضاع العالمية والإقليمية ولا يستطيع أحد الدفاع عنها. وهذه المشكلة تواجه كل الذين أدمنوا الدفاع عن السياسات السعودية، لأنهم لا يستطيعون إيجاد التبريرات المنطقية للسلوك السعودي في العلاقات الدولية، ولأنهم يدركون أن مواصلة مثل هذا السلوك ستكون كارثية. ولذلك، بدأوا يوجهون الملاحظات أو النصائح للقادة السعوديين بالتراجع أو البحث عن بدائل، أو بإعادة النظر، لكنها بالمجمل مؤشرات إلى الخلل في القرار السعودي والسياسة السعودية التي واظبت المملكة على متابعتها منذ عشرات السنوات وأوصلتها إلى ما هي عليه.

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.